مع تاريخ الفن الطويل في مصر الذي يمتد لما يقرب من 100 عام، لم تكن للمرأة وراء الكاميرا نصيب كبير في إثبات شخصيتها الفنية، وقدرتها على صناعة عمل وتولي أمره من البداية للنهاية.
فلم يُتح أحد للمرأة الإعلان عن ذاتها الفنية، سواء في الإخراج أو الموسيقى التصويرية وغيرها من الأعمال منذ بداية ظهور السينما المصرية، اللهم إلا في حالات نادرة حتى سنوات قريبة، حتى تغيرت الأوضاع وحاول جيل التسعينيات من المخرجات اقتحام السينما والدراما وإثبات قدرتهن في هذا المجال.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قمن أيضًا بعرض قضايا المرأة بشئ من الجرأة التي تناقش القوانين تارة، ومكانها في المجتمع تارة أخرى.
عمل شاق
بعد تجربة وحيدة خاضتها الفنانة والمنتجة ماجدة الصباحي في منتصف الستينيات، حين اضطرتها الظروف لأن تخرج فيلمها “من أحب” والذي شارك في بطولته إيهاب فهمي، بعد تعرض مخرج العمل الأساسي لظرف منعه من استكماله، أعلنت أنها لن تخوض هذه التجربة مرة أخرى.
“الصباح” قالت إنه عمل شاق جدًا على السيدات، ويحتاج بجانب الموهبة إلى أعصاب ومثابرة ووقت و”عضلات”، على حد تعبيرها في لقاء صحفي.
لكن سيدات أخريات لم ييأسن من تجربة “ماجدة”، والتي أعلنت صعوبتها، إلى جانب الوضع السائد الذي لا يمنح المرأة حق إدارة فريق عمل.
صاحبة المحاولة الجديدة كانت المخرجة إنعام محمد علي في مجال الدراما بتقديم سهرات تليفزيونية وبعض الأعمال الدرامية التي لم تترك صدى كبيرًا، إلا إنها مع بداية انطلاقتها في السينما قررت التعبير عن المرأة بصورة الباحثة عن حقوقها، فقدمت عام 1980 فيلم “آسفة أرفض الطلاق”، والذي تم طرح قضية أزمة الطلاق الشفوي ومشكلاته من خلاله.
جاء هذا مع إثبات “إنعام محمد علي” لذاتها في المجال الفني، كما قررت تقديم قضايا المرأة بشكل أقوى، فما كان منها إلا طرح مسلسل “قاسم أمين” نصير المرأة، بالإضافة إلى مسلسل “أم كلثوم”، و”ضمير أبلة حكمت” و”قصة الأمس” وغيرها من الأعمال التي عرضت من خلالها بعض مشكلات المرأة.
خروج عن المسار
يرى البعض أن عرض قضايا المرأة بشكل بارز، قلل من قيمة القضية التي يتم طرحها وأخرجها عن مسارها في أحيان كثيرة.
يقول الناقد محمود عبد الشكور، إن هذا الحديث ينطبق على أفلام المخرجة إيناس الدغيدي، التي قدمت الكثير من الأفلام التي تتحدث عن المرأة ومشكلاتها في المجتمع، وتم طرحها بشكل جرئ زائد أفقد القضية في بعض الأحيان وجاهتها، كما أن الأعمال كان بها مشكلات فنية.
ويذكر أن هناك مخرجات قدمن قضايا المرأة بشكل أفضل في الدراما والسينما، وهما هالة خليل وكاملة أبو ذكري، فكانتا مثالًا حسنًا على مخرجات بدأن الطريق من بدايته، واستطعن أن تكوين اسمين فنيين بأعمال مميزة عبرت عن المرأة المهمشة والأقرب إلى الجمهور.
ويوضح “أنه ليس بالضرورة لكي يتم مناقشة قضايا المرأة أن يكون ذلك عن طريق مخرجة، فكان لدينا في يوم ما المخرج هنري بركات الذي قدم لنا عددًا من الأفلام التي لمست المرأة التي كان على رأسها أفواه وأرانب، أيضًا محمد خان الذي شهدت له السيدات قبل الرجال بأنه أفضل من ناقش قضاياهن في السينما، وأكثر من دقق في عرض تفاصيلها على الشاشة”.
واقع جديد
مع بداية الألفية الثالثة، تغير واقع المرأة في مصر بشكل كبير، وأصبح دورها في المجتمع أكبر وفي المسئولية أيضًا وأصبحت همومها أثقل، فكان لابد من أن تكون هناك مخرجات على ذات القدر من المسئولية التي حملتها المرأة للحديث عنهن.
برزت كاملة أبو ذكري وهالة خليل، اللتان لم تمتلكا رصيدًا فنيًا كبيرًا ولكنهما حققتا إرثًا ثقافيًا لافتًا في قضايا المرأة.
قدمت الأولى أفلام “واحد صفر” والذي ناقش قضية طلاق المرأة في المسيحية والمرأة المُعيلة وغيرها من القضايا، وقدمت “يوم للستات” وناقشت من خلاله مشكلات السيدات في الطبقة الأقل من المتوسطة، سواء كانت عدم زواج أو السيطرة الأبوية في المجتمع على المطلقة وصاحبة الإعاقة التي يتم استغلالها جنسيًا.
كما قدمت في الدراما “سجن النسا”، الذي عرض مشكلات السيدات بشكل مختلف من خلال مجموعة من السجينات، والذي أحدث ضجة كبيرة بسبب عرض قضايا نسائية مختلفة.
أما هالة خليل فقدمت 3 أفلام كان آثرها كبيرًا لدى الجمهور، وهي “أحلى الأوقات”، قصة الثلاث فتيات الطامحة والمتزوجة والغامضة وفيلم” قص ولصق” الذي ناقش قضية الفتاة الراغبة في السفر فتلجأ إلى الزواج للحصول على تأشيرة للسفر خارج مصر.
وكان آخرها “نوارة”، هذا الفيلم الذي قدم قصة الشعبية ابنة الطبقة المعدمة التي تسعى للزواج لتحدث ثورة يناير، وتواجه مشكلات في حياتها.
تناول على استحياء
وعن تقديم السينما لصورة المرأة، تقول الناقدة حنان شومان، إن السينما في زمن الأبيض والأسود قدمت أفلامًا تناقش قضايا المرأة أكثر من الوقت الحالي الذي يتم فيه تناول قضايا المرأة على استحياء.
وتضيف “أن الفرق بين الوقت الراهن وذي قبل، هو وجود مخرجات على عكس ما كان في السابق، وأن قضايا المرأة ذاتها أصبحت أكثر عنفًا لما نراه في الوقع المحيط بنا، بعد أن شاركت المرأة في كل جوانب المجتمع الإيجابية والسلبية، ولكن هذا لا يٌنكر أن هناك الكثير من صناع الفن الرجال الذين قدموا قضايا المرأة على الشاشة وبشكل أنصف المرأة وعبر عنها جيدًا”.