تُراهن الحكومة المصرية على صندوق “مصر السيادي” في الاستفادة من الأصول الحكومية غير المستغلة، خاصة في ظل خطة نقل المقار الحكومية بوسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وامتلاك الكثير من الجهات الرسمية مخزونًا راكدًا من الأراضي، أو المباني الخالية منذ سنوات طويلة.
الصناديق السيادية بوجه عام، هي محفظة تضم الأصولِ المالية المملوكة للدولة يتم إدارتها من قبل الحكومة، ويتم تمويلها من الفرائض المالية أو احتياطيات النقد الأجنبي، أو تسييل الأصول كالعقارات وتحويلها لاحتياطيات مالية، وبتأسيس الصندوق أصبحت مصر عضوًا بالمنتدى العالمي للصناديق السيادية الدولية، بجانب أكثر من 30 دولة.
تُظهر التوجهات الاستثمارية للصندوق السيادي أنه سيتخلى عن تركيزه على “الأصول” (القطاع العقاري والأراضي)، مع إصدار الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والرئيس غير التنفيذي للصندوق، قرارًا بتأسيس صندوق فرعي للخدمات المالية والتحول الرقمي للاستثمار في مجال الخدمات المالية غير المصرفية والتحول الرقمي والشمول المالي والتكنولوجيا المالية.
بدأت الحكومة في تعزيز موارد الصندوق بضم سلسة مبانٍ إليه، مثل مجمع التحرير وأرض ومباني المقر الإداري لوزارة الداخلية، وأرض الحزب الوطني بجوار المتحف المصري، وأرض ومباني القرية التعليمية الاستكشافية وأرض ومباني القرية الكونية بالسادس من أكتوبر، ومعهد ناصر بكورنيش شبرا، وحديقة الحيوان بطنطا.
الذراع الاستثمارية للدولة
يعتبر الصندوق، الذراع الاستثمارية للدولة، وتأسس وفق القانون رقم 177 لسنة 2018، ويتمتع باستقلال مالي وإداري، فإدارته تتم عبر مجلس برئاسة غير تنفيذية لوزير التخطيط ممثلاً وزارته ووزارة المالية وهيئة الاستثمار، بجانب 5 أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة، ومدة عضويته 4 سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة.
بلغ رأسمال الصندوق، وقت تأسيسه، 200 مليار جنيه، لكن من المتوقع ارتفاعه إلى تريليون جنيه، مع منحه سلطة إدارة ممتلكات الحكومة بوسط القاهرة، ووضع وزارة التخطيط حصرًا مبدئيًا للأصول غير المستغلة تتضمن نحو4100 قطعة أرض بقيمة تتجاوز تريليون جنيه.
اختمرت فكرة الصندوق السيادي لدى المسئولين المصريين مع توجه الدولة صوب مشروعات البنية التحتية، والتوسع في المدن الذكية وشبكات الطرق، والتي تحتاج إلى مبالغ سنوية ضخمة لبند الصيانة، لا تستطيع الموازنة العامة المريضة بداء العجز الكلي الوفاء بها.
الربح وتحقيق أعلى عائد
تقترب الصناديق في طريقة عملها لخدمة الاقتصاد أحيانًا من البنوك المركزية، لكن لكل منها دور خاص، فالبنك المركزي يملك ودائع ضخمة، لكنه يهدف في إدارتها إلى الحفاظ على قيمة العملة والسيطرة على التضخم وحماية الاحتياطيات النقدية، أما صندوق الثروة السيادية فتلهث وراء الاستثمار الهادف إلى الربح وتحقيق أعلى عائد في المقام الأول.
وقالت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة، في بيان اليوم الأحد، إن فلسفة الصندوق تعتمد على المشاركة بين القطاعين العام والخاص وتنويع مصادر التمويل، والتعاون مع شركات ومؤسسات محلية وعالمية بهدف زيادة الاستثمار والتشغيل والاستغلال الأمثل لأصول وموارد الدولة لتعظيم قيمتها.
مزايا الصناديق السيادية
تتسم الصناديق بمزايا تجعلها مرنة عن باقي المؤسسات العامة ذات الطبيعة الاقتصادية التي تمتلك فوائض مالية مثل صندوق المعاشات، في أنها لا تتسم بحركة دخول وخروج مستمرة للأموال، وبالتالي تصبح الصناديق وسيلة لتعزيز مصادر الدخل القومي كما حدث في صندوقي دبي وأبو ظبي، اللذين ساهما في خطط اقتصادية، لتنويع الاقتصاد ليضم السياحة والترفيه وليس الاعتماد على النفط فقط.
ويحتل صندوق التقاعد الحكومي بالنرويج المركز الأول في الصناديق الحكومية في العالم بأصول قيدها 1.2 تريليون دولار، تليه شركة الصين للاستثمار بحجم 941 مليار دولار، ثم جهاز أبو ظبي للاستثمار بقيمة 579.6 مليار دولارـ، ثم الهيئة العامة للاستثمار بالكويت، بنحو 533.7 مليار، ثم محفظة الاستثمار التابعة لمؤسسة النقد بهونج كونج بقيمة 528.1 مليار دولار.
تعتبر الميزة الأهم للصندوق السيادي في قدرته على معالجة تغطية عجز الموازنة العامة حال حدوث هزات سياسية أو صحية تسبب ضررًا للأنشطة السياحية كما حدث في فترات ثورة يناير 2011، وسقوط الطائرة الروسية في 2014، وأزمة “كورونا” في 2020.
خطوة متأخرة
يعتبر دخول مصر عصر الصناديق متأخرًا على الدول العربية التي كانت لها الريادة فيها، فأول صندوق سيادي في العالم هو صندوق “الهيئة العامة للاستثمار” بالكويت، وأصبح جهاز أبو ظبي للاستثمار أكبر الصناديق السيادية العربية.
ويمكن للصندوق المصري أن يخصص جزءًا من فوائضه الضخمة المتوقعة في الاستثمار بإفريقيا، بما يحقق ميزة الحصول على مواد خام وإعادة تصديرها مصنعة، وممارسة دور أكبر في تحجيم النفوذ الغربي في القارة السمراء الذي يمارس دوره بقوة عبر بوابة الاستثمارات.
تتسم الصناديق بقدرتها على ضبط أداء السوق والتحكم في سعر الصرف بشكر غير مباشر عن طريق توجيه استثماراتها بين الداخل والخارج، كما أنها تستثمر أصولها في أوقات تدني التعامل فيها وعكس اتجاه حركة التعامل بالسوق، ففي حال البيع من قبل المؤسسات تتخذ الصناديق سلوكًا نحو الشراء، مثل الدخول في الشراء بالبورصة وقت انهيارها كنتيجة لأزمة طارئة.
وتعمل الصناديق على توزيع الثروة بين الأجيال المختلفة عن طريق توجيه مدخرات حالية لمشروعات ذات عائد طويل، وإمكانية الدخول في استثمارات مستقبلية مثل الاقتصادين الأخضر والأزرق المعنيين بحماية الطبيعة والبحار، ومساعدة السلطات النقدية على امتصاص السيولة غير المرغوب فيها.
وتساعد الصناديق السيادية الحكومة على معالجة تضخم الديون بتخصيص جزء منها للاستثمار في سندات الخزانة عبر استبدال وزارة المالية الدين قصير الأجل “أذون خزانة” ذي العائد المرتفع بمديونيات طويلة الأجل بعائد أقل وفترات سداد أطول، كما تلعب دور الضامن في الشركات الراغبة بالاقتراض لأجل إنشاء المشاريع الرأسمالية الكبيرة.
خطوات تحقيق الأهداف
لتحقيق الصندوق السيادي المصري أهدافه يجب عليه الاستفادة من أخطاء الصناديق العالمية، عبر تجنب منح الجهة المنشئة لها (وزارة التخطيط) حق شراء السندات التي قامت بطرحها بأي وقت وبسعر منخفض حتى لا تكون بقيمة أقل من المستثمرين ما يحجم مناخ الاستثمار الأجنبي، كما تجب الدراسة طويلة الأجل للمشروعات، فكثيرًا ما يتم الدخول في استثمار مغرٍ لكن حين إنهائه يصبح بلا قيمة كفكرة الاستثمار في محطات كبائن الميناتل التي انزوت مع انتشار المحمول.