“بدأت أشعر بالعجز وقلة الحيلة، فأنا عامل نظافة في مترو الانفاق أتقاضى 800 جنيه من وظيفتي، أسرتي مكونة من 5 أفراد، والمطلوب منى توفير كمامات وفواتير مياه وكهرباء، والراتب لا يكفي المواصلات لفرد أو اثنين من أسرتي، كل ذلك وأنا لم أتحدث عن الطعام والشراب ومصاريف المدارس ومستلزماتها، يتركني عقلي وأنا أنظف بقايا فضلات المواطنين ويجوب العالم باحثًا عن مخرج ولا أجد سوى عجزي وتقصيري واحتياجي”.. هكذا بدأ محمد السيد ، حديثه عن معاناته جراء رفع الأسعار.
وأضاف “السيد”، أن تقليص وزن رغيف الخبز، وزيادة أسعار الكهرباء، مثلا أزمة لغلاء المعيشة بشكلٍ عام، إذ اضطر إلى العمل في شركة نظافة بعد إغلاق مختلف أبواب العمل في وجهه.
عامل النظافة في مترو الأنفاق، أكد أن الراتب الهزيل لا يمكنه الصمود في وجه موجة الغلاء التي سيطرت واستحوذت على كل شيء وهو الأمر الذي جعل الاقتراض بشكل مستمر أسلوب حياة أسرته ودعامتها للاستمرار، معتبرًا أن الأمر يحتاج تدخل فالرواتب المتدنية يعانى منها الجميع خاصة من كانت لديه مسؤوليات إعالة الغير.
سلسلة من القرارات تم اتخاذها خلال الفترة الماضية، زادت من أعباء الأسرة المصرية يأتي في مقدمتها: “المياه، والكهرباء، وتذاكر المترو”، إضافة الى تقليص وزن رغيف الخبز”، تلك القرارات نتج عنها تأزم شديد في الوضع الاقتصادي والمعيشي لمحدودي الدخل.
من جانبه، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في بحث الدخل والإنفاق المحلى عن عام 2017-2018 أن نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تبلغ 32.5%.
كما توقع معهد التخطيط القومي في دراسة له أن معدل الفقر سيرتفع ما بين 5.6 إلى 12.5 مليون فرد، أي ما بين 38% و44.7% خلال العام المالي 2020-2021، بسبب أزمة فيروس كورونا.
نستعرض في التقرير التالي، أبرز القرارات التي أصدرتها الحكومة المصرية والتي نتج عنها زيادة في أعباء محدودي الدخل، وأثر ذلك على معيشة قطاع كبير من المواطنين والمعالجة الاقتصادية الخاصة بهذه الإجراءات ومدى القدرة على تفاديها.
زيادة أسعار تذاكر المترو
صدر قرار برفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق على النحو التالي: “5 جنيهات سعر التذكرة أقل من 9 محطات، بدلًا من 3 جنيهات، بزيادة تقدر بنحو 66%، وذلك إذا كانت الرحلة قاصرة على استقلال محطات الخطين الأول والثاني، 7 جنيهات للمسافة من 9 لـ 16 محطة بدلاً من 5 جنيهات بزيادة تقدر بـ 2 جنيه، و 10 جنيهات لما فوق الـ 16 محطة بديلاً عن 7 جنيهات بزيادة تقدر بـ 3 جنيه، و 12 جنيه لمن يستقلون أكثر من خط بدلا من 10 جنيهات بزيادة تقدر بـ 2 جنيه”.
وتعللت الهيئة العامة لمترو الأنفاق بانخفاض الإيرادات السنوية من 8 مليار تكلفة تشغيل سنوية إلى 4 مليار جنيه بنسبة 50% وهو ما دفعهم إلى البحث عن بدائل ومعالجات الزيادة كانت واحدة منها.
يذكر أن زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق بدأت في عام 2017، وتعتبر تلك الزيادة هي الرابعة من نوعها، خلال 4 سنوات، ففي مارس من نفس العام ارتفع سعر التذكرة من 1 جنيه إلى جنيهين، وفي عام 2018 تم إقرار المناطق، واختلاف أسعار التذاكر على أساسها.
تقليص وزن الرغيف
وزارة التموين والتجارة الداخلية، أعلنت عن تقليص حجم رغيف الخبز من 120 إلى 90 جرامًا، وهو القرار الأكثر إثارة للجدل، لأن أكثر من 50% من المواطنين يعتمدون عليه في غذائهم.
عصمت عبد التواب، ربة منزل من محافظة الجيزة، أكدت أن رغيف الخبز بعد تقليص حجمه أصبح غير كافٍ وتضطر للشراء من الخارج حتى تتمكن من توفير احتياجات أسرتها، وهذا ما شكل زيادة في أعبائهم المعيشية التي أصبحت محاصرة بارتفاع الأسعار من مختلف الاتجاهات.
عبد التواب، تضيف أنها لديها 4 أبناء، اثنين في المرحلة الجامعية، وأخرى في الثانوية، ونجلها الأخير يرتاد المدرسة الإعدادية، أكدت أنها أصبحت تعاني من ويلات الغلاء الذي جعلها تشعر بالضغط المادي طوال الوقت، معتبرة أن الأمر لم يعد قاصرًا على الخبز وحده بل طال الكهرباء وباقي الخدمات والمنتجات بنسبة أصبحت تعصف بميزانية الشهر قبل حلول منتصفه.
الكهرباء تلتهم الأجور
في منتصف يونيو الماضي، خرج وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، الدكتور محمد شاكر، ليعلن عن زيادة جديدة في أسعار شرائح استهلاك الكهرباء بنسبة تقدر بنحو 19.1%، وصاحبها زيادة في سعر بيع الغاز الطبيعي من 3 إلى ٣.٢٥ دولار لكل مليون وحدة حرارية.
وعن ارتفاع الأسعار فقد جاء على النحو التالي: “الشريحة الأولى من صفر إلى 50 كيلو وات “38 بدلاً من 30 قرشًا”، الشريحة الثانية من 51 إلى 100 كيلو وات “48 بدلاً من 40 قرشا”، والشريحة الثالثة من صفر حتى 200 كيلو وات “95 بدلاً من 50 قرشًا”، والشريحة الرابعة من 201 إلى 350 كيلو وات “96 بدلاً من 82 قرشًا”، والشريحة الخامسة من 351 إلى 650 كيلو وات “118 بدلاً من 100 قرش”.
محمد محمود، أحد العاملين في شركة الكهرباء بمركز العياط التابع لمحافظة الجيزة، يقول إنه ينفق ثلث مرتبه على الكهرباء بعد تضاعف سعر الفاتورة تأثرًا بالزيادة.
محمود استطرد منفعلًا: ” أصبحت اتخلى عن العديد من مصادر إنفاقي واعتبرها أحد أبواب الرفاهية ومنها شراء الملابس، من أجل توفير الاحتياجات الأساسية فالأمر لم يعد قاصرًا على الكهرباء حالة الغلاء أصبحت تلتهم الأجور”.
اقتطاع جزءًا من المرتبات والمعاشات
مجلس الوزراء وافق على مشروع قانون خاص بالمساهمة التكافلية لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، ونص القانون على اقتناص 1% شهريًا من رواتب العاملين في كل القطاعات بالدولة.
كما نص مشروع القانون على خصم نسبة 0.5% من صافي المعاش لأصحاب المعاشات، للمساهمة في مواجهة التداعيات الاقتصادية التي نتجت عن انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد، مؤكدًا على استثناء أصحاب المرتبات والمعاشات التي لا تزيد رواتبهم عن 2000 جنيه .
انخفاض أسعار السلع
القرارات الحكومية السابقة جعلت المواطنين يزهدون في الشراء وهو ما ترتب عليه تراجع ملحوظ في القوى الشرائية لأغلب السلع والمنتجات.
فتحي الطحاوي، نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية، قال إن القوى الشرائية في عدد كبير من القطاعات تراجعت ومنها قطاع الأدوات المنزلية الذي شهد تراجع قدر بنحو 95% منذ بداية أزمة كورونا.
ماهر شعلان، سكرتير عام الشعبة العامة للملابس الجاهزة، أكد أن هناك تراجعًا ملحوظًا في مبيعات قطاعه تقدر بنحو 60%.
فيما لفت رئيس شعبة الثروة الداجنة الدكتور عبد العزيز السيد، إلى تراجع القوى الشرائية في هذا القطاع بنحو 40%.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت فيه المصانع المحلية للأحذية، أنها لا تستطع تصريف سوى 10% فقط من مخزونها نتيجة تراجع الطلب على شراءها.
خبير اقتصادي: لم يكن هناك بدائل والتقشف أحد الحلول
الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، قال إن الحالة الاقتصادية للمواطنين تأثرت بالفعل خلال الفترة الماضية، بالقرارات التي اتخذتها الحكومة والتي اشتمل جانب منها على رفع أسعار بعض الخدمات والمنتجات، خاصة عقب انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأضاف “النحاس” أن الحكومة اضطرت للقرارات السابقة في ضوء سعيها لتطبيق خطتها التقشفية وكان من الطبيعي أن يعود صداها المباشر على محدودي الدخل، وأن الحكومة استهدفت منها إعادة التكافؤ الاقتصادي مرة أخرى لتفادى ويلات الأزمة الراهنة خاصة بعد تسريح عدد كبير من العمالة في الداخل والخارج.
الخبير الاقتصادي بعث برسالة تفاؤل للمواطنين وخاصة محدودي الدخل قائلاً: “الأمر لن يستمر طويلًا وستنتهى ويلاته”، معتبرًا أن الفترة الراهنة استلزمت عدد من الإجراءات الحاسمة لتفادى حجم الخسائر المادية الفادحة الناتجة عن وجود الوباء العالمي “كوفيد 19″، وهو ما سينتهى في فترة وجيزة لتعود دعائم الاقتصاد مرة أخرى معتبرًا أنها “فترة وتعدى”.