“لا كورونا ولا مكرونة” تعد الجملة الأكثر انتشارًا في الآونة الأخيرة، كأحد تعبيرات الاستهزاء بما آلت إليه أوضاع فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، حيث تبددت مخاوف المواطنين من الوباء، ربما بفعل الترويج للتعايش معه، واعتباره أحد أنواع البرد الذي سُرعان ما تزول أعراضه، وربما لأن الاحتياج إلى العمل والإنتاج وإدرار الدخل الآمن للأسرة وتوفير احتياجاتها الأساسية، أهم من الإجراءات الوقائية.
كورونا وانتهاء أسطورة الرعب
مع بداية الإعلان عن فيروس كورونا “كوفيد 19” في ديسمبر الماضي، سيطرت حالة من الرعب على المواطنين في جميع أنحاء العالم، وراحت أغلب الدول تفرض إجراءات وقائية صارمة، تخلل تلك الإجراءات حظر التجوال وارتداء الكمامات والامتناع التام عن التواجد داخل تجمعات، وفرض التباعد الاجتماعي بعد غلق جميع الأبواب التي قد تدفع بوجود تجمعات للمواطنين.
وبمرور الوقت خففت بعض الدول الإجراءات الاحترازية، ما أدى إلى نتائج سلبية في بعضها كما حدث في السعودية وإيران والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، فما كان منهم إلا العودة إلى الإجراءات الاحترازية لفترة مؤقتة جديدة ثم بدأت المخاوف تتبدد مع مرور الوقت، ليبحث المواطن عن سبل التعايش مع الوباء، حيث عادت الحياة في مؤسسات العمل وخُففت الإجراءات ومنها حظر التجوال.
بعض الدول، وجدت سبيلها نحو الخلاص مثل مصر والإمارات وفرنسا والأرجنتين، وبدأت تتكيف مع الوضع وأضيفت إليهم السعودية والكويت وبدأت أعداد الإصابات تنكسر، ثم عاودت الارتفاع، ثم تراجعت مرة أخرى، إلا أن أداء المواطنين تقريبًا لم يختلف، حتى أن عدد كبير من المواطنين أعربوا عن نفورهم من الإجراءات الاحترازية بطريقة وصلت إلى التظاهر عليها.
“الغالبية العظمى من المواطنين يتعاملون مع كورونا بلا مبالاة، حتى أنهم أهملوا أبسط الأدوات الوقائية”.. حمود فؤاد رئيس مركز الحق في الدواء
سلوك المواطنين
في مصر، نجد أن المواطنين شبه تناسوا وجود الوباء، وبدأوا يتعاملون بشكل طبيعي، خاصة بعد تخفيف الإجراءات، وإعادة الصلاة في المساجد والكنائس، الأمر ذاته حدث في عدد كبير من الدول.
فبدأ المواطنون، يشعرون بإمكانية التعايش مع الفيروس، وبالتالي لا خوف من الإصابة به فهو على حد تعبير البعض “نزلة برد عنيفة وسرعان ما تنتهي”.
محمود فؤاد رئيس مركز الحق في الدواء، يقول إن المواطنين بالفعل بدأوا في التخلي عن الإجراءات الاحترازية، معتبرًا أن البحث عن العمل وتوفير ما يلزم الأسرة من احتياجات أصبح أهم من المكوث في المنزل.
ويضيف فؤاد، أن الغالبية العظمى من المواطنين يتعاملون مع كورونا بلا مبالاة، حتى أنهم أهملوا أبسط الأدوات الوقائية ومنها الكمامة التي أصبحت تشكل عبئًا على كاهل الأسرة نظرًا لارتفاع تكلفتها، ما أدى إلى التخلي عنها.
ويوضح فؤاد، أن هناك خلط واضح بين المواطنين، فقطاع كبير منهم يظن أن الفيروس انتهى رغم أنه لا زال موجودًا، ومن وقت لآخر تحدث انتكاسة وتزداد عدد الإصابات، معتبرًا أن سلوك المواطنين نحو التخلي عن الإجراءات الوقائية لا علاقة له بدولة دون غيرها، لكنه سلوك عام أصبح منتشرًا في أغلب دول العالم.
وفي برلين، تحركت مسيرة مكونة من 20 ألف شخص من بوابة براندنبورغ الرمزية، وهو الأمر الذي تطلب تدخل من الشرطة وتفريق المتظاهرين
مظاهرات ضد كورونا
في الولايات المتحدة الأمريكية، انتشرت التظاهرات من ولاية نيوهامبشير إلى ولاية كاليفورنيا، مرورًا بتكساس وأوهايو، للمطالبة بإنهاء الإجراءات الاحترازية ورفع قيود الحجر الصحي، التي تم فرضها للحد من انتشار الفيروس، مُطالبين بإعادة الحياة إلى ما قبل “كوفيد 19” رافعين شعار “الأرقام لا تكذب والفيروس يتراجع”.
وتجاهل المحتجون، تعليمات التباعد الاجتماعي، إذ ظهر بينهم بعض المسلحين والمؤيدين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث ارتدوا قُبعات حملت صورته وغابت نسبيًا الشرطة عن المشهد.
الرئيس الأمريكي، وقف إلى جانب المحتجين وهو الأمر الذي دفع البعض للتأكيد من أن التظاهرات لمؤيديه، حيث اعتبر ترامب أن بعض حكام الولايات قد فرضوا قيودًا كبيرة، قائلًا: “ذهبوا بعيدًا جدًا في إجراءات الحجر”.
أما في أوروبا، فقد احتشد مئات المواطنين في باريس احتجاجًا على إجراءات كورونا الاحترازية، مُطالبين بالعدول عن القرارات التي تفرض ارتداء الكمامات في التعامل مع المؤسسات والخروج إلى الشوارع بحرية، معتبرين الإجراءات الوقائية اعتداء واضح على الحرية الشخصية مطالبين بحريتهم في الاختيار.
وفي إيطاليا، نُظمت تظاهرات في روما وميلانو مطالبين بـ”الحرية”، وعبر المتظاهرون عن غضبهم، مؤكدين أن هناك عدد من المتعطلين عن العمل منذ ثلاث أشهر ولم يتسلموا يورو واحد، وتساءل البعض عن سُبل توفير المأكل والإنفاق على الاحتياجات في ظل حالة التعطل التي تعاني منها البلاد، مطالبين بضرورة التحرر من وطأة الإجراءات التي فرضت بسبب كورونا.
وفي العاصمة الأرجنتينية بوينوس أيرس، تظاهر الآلاف للمطالبة بتخفيف إجراءات الحجر التي فرضتها الحكومة، ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية والتراجع عن الحجر الصحي المفروض.
وفي برلين، تحركت مسيرة مكونة من 20 ألف شخص من بوابة براندنبورغ الرمزية، وهو الأمر الذي تطلب تدخل من الشرطة وتفريق المتظاهرين، وعللت الشرطة فعلتها بأنهم لم يحافظوا على التباعد الاجتماعي كما أنهم كسروا قرار منع التجمعات، وهو ما دفع المتظاهرين إلى استخدام الحجارة وزجاجات المياه وإلقائها على أفراد الشرطة في اشتباك هدفه التخلص من الإجراءات الاحترازية.
وكان المحتجون، قد اقتحموا البرلمان الألماني، وهو ما دفع الدولة للتدخل ومواجهة التظاهرات بحسم شديد معتبرين أن رفض الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا حق للمتظاهرين وإنما الاعتداء على البرلمان هو اعتداء على الديمقراطية واقحام سياسي، وأسفر عن ذلك القبض على نحو 300 شخص من قبل أفراد الشرطة.
وفي استراليا انطلقت التظاهرات تجوب الشوارع ضد إجراءات الحجر المترتبة على وجود الوباء، وهو الأمر الذي دفع الشرطة إلى القبض على العشرات في محاولة لإنهاء التظاهر وتفريق تجمعات المتظاهرين.
أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن إجمالي الحالات حتى اليوم يقدر بنحو 27.3 مليون
إصابات كورونا حول العالم
أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن فيروس كورونا يحتاج لنحو عامين على الأقل تقديرًا لينتهي وجوده وخلال تلك الفترة سيظل وباءً يداهم المواطنين في مختلف أنحاء العالم، ويستلزم عددًا من الإجراءات، معتبرة أن العالم يمر بموجة ثانية من الفيروس خلال الوقت الحالي تستلزم العودة إلى تشديد الإجراءات وأن التعايش قد تكون عواقبه كارثية.
وعن عدد الإصابات بفيروس كورونا، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن إجمالي الحالات حتى اليوم يقدر بنحو 27.3 مليون، وعدد حالات الشفاء تقدر بنحو 18.3 مليون، بينما سجلت أعداد الوفيات نحو 891 ألف.