“نحن نعيش في مجتمع رجال بشكل عام فمن يضع القوانين هم الرجال وهم من يطبقونها وهم من يتحكمون في زمام الأمور، حتى وإن كانت هناك عضوات برلمان أو قاضيات أو ما شابه، فالمرأة في الشرق والغرب تُعاني من الطبقية مُقارنة بالرجال”، كانت هذه تصريحات المخرج الراحل محمد خان في أحد لقاءاته التليفزيونية السابقة، حينما عبر به عن قناعاته الشخصية من أننا نعيش في عالم ذكوري، ولكن لم يكن هذا مجرد تصريح بل هو الطريق الذي أراد أن يثبته مخرج”التفاصيل” كما أطلق عليه جمهوره ومحبيه من الفنانين قبل الجمهور، ليكشف أمام الكاميرا تفاصيل عالم المرأة المختلفة التي لم تستطع حتى مخرجات سيدات التعبير عنها ووصفها بالبراعة التي أظهرها هو على مرئى ومسمع من الجمهور.
غاص المخرج السينمائي محمد خان، من خلال أعماله الفنية في أعماق المرأة ببراعة ومهارة فكشف اهتماماتها الشكلية، سواء في الملابس أو المجوهرات أو حتى الأحذية، كما لفت إلى أهمية الشعر بالنسبة للمرأة و تزينها به مهما كانت طبقتها الاجتماعية، وتطرق إلى أحلام تلك السيدات اللاتي أفنين حياتهن إما باحثات عن الحلم أو الأمل أو الأمان، فقدم النماذج المختلفة من السيدات التي يمكن أن ترى بها أي امرأة ذاتها.
كانت بداية المخرج محمد خان، بالاهتمام بالمرأة في فيلم “موعد على العشاء”
محمد خان.. بداية حريف العشاء
كانت بداية المخرج محمد خان، بالاهتمام بالمرأة في فيلم “موعد على العشاء”، والذي قام هو بكتابته بعد أن رأى قضية مشابهة في أحد المجلات حينها، وهذا هو الفيلم الذي لم يقتنع به السيناريست بشير الديك في البداية بعد أن قدم “خان” القصة له، ولكن في النهاية استطاع أن يرسم المرأة الحالمة بعالم بسيط المقهورة في زيجتها من خلال سعاد حسني، التي رسما معًا نظرات السيدة الخائفة الشاعرة بعدم الأمان الدائم بنظرات زائغة، بديكورات خانقة توحي بالأزمة التي تتعرض لها البطلة، وحتى بعد طلاقها وتخلصها من هذا الكبت كما ظنت في البداية قبل أن يلاحقها طليقها بعد زواجها الثاني ليقتله وتعود هي لتتخلص من حياتها ومن حياة طليقها.
كان هذا العمل على الرغم من صعوبة مشاعره التي جسدتها السندريلا بكل حزن وأسى ظهر على ملامح وجهها وملابسها وحتى تزيينها لشعر رأسها، إلا أنه استطاع بتفاصيله وموسيقاه إلى حالة الكبت الكبيرة التي تعانيها الكثير من السيدات في الزواج الغير سعيد.
استكمل “خان”، لعبه على تفصيلة شعر المرأة في فيلم “زوجة رجل مهم”، كتأثير على شخصيتها
أفرح حبة يا ويكا.. حرية المرأة من شَعرها
شَعر المرأة زينتها ومن أهم ملامح جمالها على الإطلاق، ومن أهم اهتمامتها أيضًا، ومع معرفة المخرج محمد خان لهذه النقطة في تفاصيل المرأة، ما كان منه إلا أن يقوم باستخدامها بشكل مُتقن في أغلب ما قدمه من أعمال وبأشكال مختلفة، فكانت البداية من خلال فيلم “موعد على العشاء”، حين تحررت سعاد حسني من زوجها الأول التي عاشت معه قهرًا، قام أحمد زكي “شكري”، حبيبها وزوجها فيما بعد والذي كان يعمل كوافير، أن يغيّر قصة شعرها حتى تظهر أكثر جمالًا وبهجة، ويًظهر ملامحها أكثر إشراقًا، بعد أن أوضح لها أن مهنة كمصفف شعر حريمي جاءت من ملاحظته أن شعر المرأة يغير من ملامحها تمامًا.
استكمل “خان”، لعبه على تفصيلة شعر المرأة في فيلم “زوجة رجل مهم”، كتأثير على شخصيتها فحين حاول أحمد زكي إقناع زوجته ميرفت أمين بوجهة نظره قام بتصفيف شعرها وتهيئته في أفضل الصور.
أما في فيلم “فتاة المصنع”، فكان تأثير الشعر مختلف تمامًا عما قدمه “خان” في أعماله السابقة، فكان معبرًا تارة عن القهر وتارة آخرى عن القوة والعزيمة، ففي المرة الأولى قامت جدة البطلة “ياسمين رئيس” بقص شعرها لها حتى تكسر أنوثتها بعد الشائعات عن علاقة بينها وبين البطل، وجاءت البطلة بعدها حزينة مكسورة لتحاول والدتها رد حقها لها من خلال الاحتفاظ بالخصل التي تم قصها، كما أنها ألقتها في النيل حتى يعود شعر ابنتها للنمو مرة آخرى.
أما القوة جاءت حين قررت البطلة أن تخلع الحجاب وتتحرر من كل قيودها في مشهد النهاية بالفيلم وترقص في زفاف من أحببت في عبارة هي الأشهر “أنا كنت ندرهالك”، لتقوم بانتزاع حجابها وتخلع معه كل ما تعرضت له من قيود أسرية ومجتمعية وترقص بشعرها أمام الجميع بنظراتها القوية التي هزمت بها الجميع.
وعلى جانب آخر نجد أن فيلم “بنات وسط البلد” ناقش فكرة تحرر المرأة من خلال صفة قص الشعر حين قامت إحدى بطلات العمل “منة شلبي”، بمحاولة التخلص بما مرت به في حياتها لفترة ما بقص شعرها تماًمًا متشبهه بالرجال كما جاء على لسان أحد أبطال العمل، وكان هذا رسالة منها في السياق الدرامي للفيلم أنها تخلصت من كلمات الجميع لها، ومن قيودهم الأبوية تجهاها.
أظهر خان، أن بداية الحكاية تكون عند المرأة والنهاية هي من تكتبها أيضًا
المرأة هي البداية والنهاية
أظهر خان، أن بداية الحكاية تكون عند المرأة والنهاية هي من تكتبها أيضًا، فبعيدًا عن إبحاره في مشاعر المرأة التي أظهر منها الجزء الضعيف المرهف رغم قدرتها على تحمل الظروف الصعبة والمشاق كما ظهر بفيلم “أحلام هند وكاميليا” و”زوجة رجل مهم” وغيرها من الـ21 عمل التي قام بتأليف 12 منها، إلا أنه في غالب الأمر ارجع “خان”، أن المرأة هي الأساس وصاحبة البداية والختام في كل شئ، فجاءت في فيلم “الحريف” البطلة دلال”فردوس عبد الحميد”، التي قامت بتغيير حياة البطل وجعلته يترك شغفه الأوحد وهو كرة القدم لإرضائها، كما أن “منى” في زوجة رجل مهم هي التي تحملت الكثير من زوجها هي صاحبة نقطة النهاية في حياة هذا الزوج المستبد، بعد أن قام بقتل والدها، ليقتل نفسه بعدها.
وفي “شقة مصر الجديدة” و”أحلام هند وكاميليا”، جاءت الفتيات الآتيات من قرى مصر بحثًا عن الحلم وتحقيق طموحاتهم المختلفة سواء كانت حب أو شغف أو أموال، وكلهما نقطة البداية في الحياة سواء كن عائلات لأسرهن أو باحثات عن الحرية.
“كما أن إحسان عبد القدوس نصير المرأة في الرواية ونزار قباني نصيرها في الشِعر، فكان الراحل محمد خان هو نصير المرأة في السينما”.. طارق الشناوي
نصير المرأة في السينما
ويؤكد الناقد الفني طارق الشناوي، أنه كما أن إحسان عبد القدوس نصير المرأة في الرواية ونزار قباني نصيرها في الشِعر، فكان الراحل محمد خان هو نصير المرأة في السينما، وكان هذا نابع من إيمانه بالحريه، فجاءت مناصرته للمرأة إيمانًا بمبدأ الحرية العامة.
ويضيف “الشناوي”، أن اهتمام خان بتفاصيل الشخصيات النسائية التي قدمها في السينما كانت كبيرة جدًا سواء كان هذا على مستوى المشاعر “خوف- أمان- حب- طموح”، أو على مستوى الشكل والتصرفات، وظهر هذا جليًا في أفلام “زوجة رجل مهم”، و”فتاة المصنع”، و”شقة مصر الجديدة”، و”بنات وسط البلد” وغيرها، فكان كبت المرأة شغله الشاغل وحريتها من أهم متطلباته، الذي كان هو أهم من قدم المرأة على شاشة السينما في العالم العربي.
“بالرغم من أن خان، رجل تربى في الشرق، إلا أنه كان يؤمن بدور المرأة وأهميتها وأنها هي العماد للحياة بشكل عام”.. محمود عبدالشكور
أفضل من تحدث عن المرأة
الناقد الفني محمود عبد الشكور، يقول إن المخرج الراحل محمد خان أفضل من صوّر المرأة على الشاشة بكل تفاصيلها، فوجدنا اهتمامه بملامحها البسيطة واهتماماتها الصغيرة جدًا من “قِرط” أو “حلية شعر” أو “حذاء” ويتم توصيف كل هذه الأشياء في سياق درامي محكم، فلم يتم وضعهما في إطار خارج حدود أو إجحافهم في العمل الفني.
ويضيف عبدالشكور، أنه بالرغم من أن خان، رجل تربى في الشرق، إلا أنه كان يؤمن بدور المرأة وأهميتها وأنها هي العماد للحياة بشكل عام، وظهر ذلك في الأعمال التي قدمها حيث أنها كانت في النهاية تقوم بتحقيق ما تسعى إليه مهما كانت العوائق والظروف التي توضع بها وحتى لو كانت أحلامها بسيطة.