لا يوجد طريقة وحيدة صحيحة يجب على جميع النساء اتباعها، وبالتالي ترهيب من يتبنين طريقة مغايرة لا يحقق سوى مزيد من التفتيت، وخلق صراعات وهمية بين النساء، وبالتالي استمرار الأنماط السائدة من الظلم لعقود جديدة.
علينا إدراك أن لكل طريقة وآلية مزاياها وعيوبها ولكل شخص/مجموعة/منظمة/ حزب.. إلخ، اختيار الطريقة التي تراها/يرونها مناسبة في سبيل الوصول للمساواة، ومزيد من العدالة في إعادة توزيع الفرص، والنفوذ، والثروات بين النساء والرجال.
فعلى سبيل المثال- آلية الفضح والتشهير كانت الآلية التي خلقت مزيدًا من الوعي بالمسكوت عنه وأخرجت قصص العنف من صناديقها السوداء، ووضعتها على طاولة المناقشة والجدل المجتمعيين لها مضارها التي تطال النساء أيضًا، وبالتالي يحق للنساء الاختيار استخدامها من عدمه.
الفضح والتشهير مهمان وقد يكونان السبيل الوحيد في بعض الحالات لكن في حالات أخرى لن تكون هي الطريقة الأفضل والفيصل هو اختيار (الناجية)، ومدى القدرة على الوصول إلى النتيجة النهائية المطلوبة، فالفضح ليس هدفًا ولكنه مجرد آلية من بين آلاف الآليات.
احترام الاختيارات المختلفة ضروري وواجب، وهو -في رأيي الشخصي- سلوك نسوي في جوهره.. فالنسوية نظريًا تخوض معركتها لجعل العالم أكثر تقبلاً للاختلافات الجندرية ومراعاة لها فلا ينبغي أبدًا رفض الاختلافات في معركة جوهرها قبول ومراعاة التنوع.
فمثلاً لكل منا خلفيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وخبراتها الشخصية التي تؤثر في اختياراتها للآليات والمعارك.. من اعتادت في خبرتها الشخصية على أن لا شيء ينتزع دون معركة كبيرة، ودون وجع كبير ستثير معركة كبرى حول كل تفصيلة تخصها أو تلمسها.
بينما من وجدت في خبرتها دعمًا من محيطها الاجتماعي، وتمكنت من حل معاركها الشخصية دون معارك وأوجاع كبرى ستفكر ألف مرة قبل خوض أي معركة، وبالتالي لكل خبرتها ولكل اختياراتها وعلى الجميع احترام تلك الاختلافات في الاختيارات.
وأيضًا لكل منا اختياراتها في عدد الخطوات التي ستتخذها للأمام، قد تقرر واحدة أن تخطو خطوة واحدة بينما تقرر أخرى أن تقفز عشر خطوات، ويجب احترام كل الخيارات طالما الهدف هو التطور والسعي في اتجاه المساواة والتحرر.
الإجبار على اتخاذ خطوات أكثر أو السير بسرعة أكبر نحو الحقوق، قد يؤتي بنتائج عكسية تدفع ثمنها المرأة التي تم دفعها أكثر من قدرتها على الاحتمال.
البعض يمارس نفس القمع على النساء ولكن في اتجاه مغاير تمامًا على طريقة الحركات السياسية التحررية التي استخدمت التنظير لحرية الجسد طريقة، لدعم استمتاع الذكور بأجساد النساء.
والآن البعض يدفعن النساء نحو ما يرونه “النسوية الصحيحة”، وإلا يتم إخراجهن من “قطيع النسويات الحقيقيات”.
دفع النساء بقوة في اتجاه معاكس لاتجاه المجتمع، لن يكون مفيدًا، ولا يحقق نتيجة إيجابية للقضية إلا إذا اختارت المرأة ذلك، وكانت واعية باختيارها وبتبعاته، وبالتالي قادرة على تحمل تلك التبعات أو مواجهتها بدعم زميلاتها.
وهنا ينبغي التذكير بالنظرية التقاطعية وأيضًا بعض الانتقادات التي تم توجيهها إليها ويمكن القول بأن إعادة تطوير مفهوم التقاطعية، وتوسيع نطاقها الهوياتي يمكن أن يكون أساسًا نظريًا نسويًا لتكريس احترام الاختلافات الفردية والاختيارات الشخصية.
الباحثة القانونية النسوية كيمبرلي كرينشو انطلقت من هويتها العرقية كامرأة ملونة، وقدمت لتجارب النساء الملونات، وتقاطع التفرقة التي تواجهها النساء الملونات على المستوى القانوني والقضائي والحق في الخدمات العامة والقدرة على الوصول إليها.
تطوّرت النظرية بعد ذلك لتشمل المزيد من أشكال وأنظمة القهر والتمييز المختلفة وتقاطعها مع النوع الاجتماعي.
وجاءت التقاطعية بالأساس استجابة للنسويات الملونات، وشعورهن بالاغتراب عن الحركة النسوية البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
خلال الموجة النسوية الثانية في أمريكا كان تركيز النساء على تغيير النظرة المجتمعية لأدوار النساء التي كانت محصورة في الإنجاب والعمل المنزلي، بينما كان الاهتمام الأساسي للنساء الملونات يتعلق بالمطالبة بوقف التعقيم القسري للسود والملونات والملونين ولذوي الإعاقة، الأمر الذي لم يُشكل أولوية للنساء البيض المهيمنات على الحركة النسوية.
وانطلاقًا من اختلاف الأولويات نظمت بعض النساء الملونات أنفسهن في حركة أطلقن عليها :”المنظمة الوطنية النسوية السوداء”، وقررن النضال ضد مستويين من القهر تتعرض لهما النساء الملونات التفرقة العنصرية ضد الملونين رجالاً ونساء، وأيضًا ضد النظام الأبوي الذي يكرس التمييز ضد النساء.
في نهايات ثمانينات القرن الماضي (1989) تمكنت كيمبرلي من صياغة التقاطعية في ورقة بحثية بعنوان: “استكشاف الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات”، حيث يمكن للنساء أن يعانين أكثر من صورة لللقمع والقهر في الوقت نفسه بناء على هوياتهن العرقية.
فتجارب النساء الملونات تختلف عن تجارب النساء البيض كما تختلف عن تجارب الرجال السود.
ولعل الأكثر أهمية فيما يتعلق بالتقاطعية هو اهتمامها بالسياقات المختلفة والأنواع المتعددة للتمييز الذي يجري ممارسته على شخص ما.
وبالتالي فالنظرية تفتح آفاقًا متعددة، لبحث العوامل المختلفة للتمييز سواء الهوياتية أو القانونية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المؤسساستية، والبنى المركبة التي ينتج عنها أنماطًا متعددة من القمع وبالتالي يتطلب مواجهتها آليات متنوعة ومختلفة.
وبدلاً من التركيز على الفئات الواضحة التي عمدت النظرية لتحليلها علينا الاستعانة بالفكرة الأساسية، لتحليل مزيد من الفئات غير الواضحة، للوصول إلى تحليلات أكثر دقة وملاءمة لللنساء باعتبار كل منهن حالة مختلفة تتقاطع فيها الانتماءات المختلفة سواء دينيًا، أو عرقيًا، أو طبقيًا، أو مجتمعيًا.. إلخ.