مطلع الأسبوع الجاري، تدخل إثيوبيا في مرحلة جديدة من الصدام والصراع المحلي بين عرقية التجراي وحكومة رئيس الوزراء، آبي أحمد، إذ بدأت الانتخابات رسميًا اليوم في إقليم التجراي من طرف واحد، في تحدٍ لقرار آبي أحمد والمجلس الفيدرالي الذي تم التصويت عليه في يونيو الماضي، بتأجيل الانتخابات جراء تفشي فيروس كورونا، على أن تجرى في غضون 9 أشهر، بعد انقضاء أي تهديدات صحية في البلاد.
كانت جبهة تحرير التجراي، وهي الذراع السياسية لعرقية التجراي التي تسكن شمال إثيوبيا على مساحد تقدر بـ53 ألف كيلو متر، قد اعتبرت أن قرار المجلس الفيدرالي في جلسته السبت الماضي حول وقف الانتخابات هو إعلان للحرب، في وقت كانت قد تصاعدت فيه الخلافات لأكثر من عامين اعتراضًا على سياسيات آبي أحمد التي بدت وكأنها تقويض للتجراي الذين طالما كانت لهم السيطرة والقوة سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا داخل إثيوبيا.
ورغم تحذيرات المجلس الفيدرالي الإثيوبي لحكومة إقليم التجراي بوقف الانتخابات والتوعد باتخاذ إجراءات حازمة لحماية النظام الدستوري في البلاد، إلا أن الحكومة المحلية للتجراي أنهت كل مراحل العملية الانتخابية بشكل منفرد من خلال تسجيل الناخبين، إذ أعلنت مفوضية الانتخابات تسجيل 2.7 مليون ناخب، من أصل ما يقرب من 5 ملايين نسمة يسكنون منطقة التجراي.
بينما يقلل آبي أحمد من أهمية انتخابات التجراي إلا أنها ستخلف أزمة دستورية لتحديد آلية التعامل مع إقليم التجراي
رد فعل آبي أحمد
“هذه الانتخابات أشبة بمن يبنى منزل في الليل، هو عمل يتم في الظلام وسيظل صاحبه في قلق، لأنه يتم بطريقة غير شرعية”، هكذا تحدث آبي أحمد، عن الإجراء المنفرد لجبهة تحرير التجراي بشأن الانتخابات، مؤكدًا أنها لا تشكل مصدر قلق أو مشكلة للحكومة الفيدرالية خاصةً وأن نتائجها لن تكون معترف بها.
وهدّد رئيس الوزراء جبهة تحرير التجراي في حال عدم مشاركتهم في الانتخابات الوطنية العامة التي لم يحدد موعدها بعد، قائلاً: “لن يكون لديهم اعتراف كحكومة إقليمية وسيتم اتخاذ إجراءات لفرض سيادة النظام الدستوري، مع استبعاد أي خيارات لاستخدام القوة العسكرية ضد جبهة التجراي لحماية شعب التجراي الذي سيكون ضحية أي مناوشات سياسية، تحاول الجبهة استخدامها ضد الحكومة المركزية”.
وفيما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بين جبهات وأحزاب وشخصيات إثيوبية بارزة في حالة سيطر عليها الاستقطاب السياسي والجدل حول مقترحات بتشكيل حكومة انتقالية، لحين حسم قضية الانتخابات، إلا أن رفض وعناد آبي أحمد برفض جميع المقترحات زاد من تعقيد الأمور.
يتمتع إقليم التجراي بحكم شبة ذاتي ضمن 10 أقاليم أخرى في ظل النظان الفيدرالي الإثيوبي
وتعد هذه الأزمة الدستورية بين إقليم تجراي والحكومة الفيدرالية سابقة في تاريخ البلاد، إذ لم يحدث أن أجرى أحد الأقاليم انتخابات منفصلة عن الانتخابات العامة التي تجرى كل 5 أعوام، ويجريها مجلس الانتخابات الإثيوبي (هيئة دستورية مستقلة).
قوة التجراي
رغم كونهم الأقلية العددية من بين الإثنيات والعرقيات في إثيوبيا مقارنة بالأورومو والأمهرة، إذ لا يتجاوزا الـ 5% من مجموع السكان في إثيوبيا، إلا أن إقليم التجراي ظل المسيطر على مقاليد الثروة والحكم في إثيوبيا في الفترة من 1991 على يد رئيس الوزراء الراحل، ميلس زيناوي، حتى عام 2018 بعد الثروة الشعبية على جبهة تحرير التجراي والإطاحة برئيس الوزراء، هيلاماريم ديسالين، إثر احتجاجات واسعة قادتها عرقية الأورومو، حيث تولى آبي أحمد، المنتمي للأورومو الحكم في أبريل 2018- وأسس تحالف سياسي جديد بقيادة حزب الازدهار في ديسمبر 2019.
كان لرئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميليس زيناوي، الذي تولي الحكم لأكثر من عشرون عامًا دورًا كبيرًا في تمكين التجراي من خلال جبهة TPLF الحاكمة، حيث سيطر أبناء قبيلته رغم كونهم الأقلية العددية على السياسة والاقتصاد والجيش والاستخبارات، فكان 57 عضوًا من أصل 61 عضو من قيادات الجيش ينتمون لعرقية التجراي، بينما كان لسياسات القمع والتشدد في مواجهة أي احتجاجات أو اعتراضات من عرقيات أخرى دور كبير في توارث الأحقاد والعداء الإجتماعي بين الإثنيات والعرقيات الإثيوبية الأخرى التي تملك مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة إلا أنها تعاني التهميش والفقر، حتى وصل الأمر في 2010 إلى انعدام الأصوات المعارضة في البرلمان الإثيوبي، وتم تصنيف إثيوبيا من أكثر الدول سلطوية رغم النهضة الاقتصادية التي قادها ميلس زيناوي، والدور السياسي الذي لعبته إثيوبيا على المستوى الإقليمي كاستضافة مفاوضات جنوب السودان والسودان، وخدمة الغرب والمصالح الأمريكية لدى إفريقيا برسم سياسات محاربة وتقويض الجماعات والتنظيمات الإسلامية.
يؤكد خبراء القانون الدستوري في إثيوبيا أن الإصرار على إجراء الانتخابات بالمخالفة للقانون والدستور الفيدرالي، تعقيدًا للمشهد السياسي
ومنذ رحيل زيناوي ومجيئ رئيس الوزراء السابق هيلاماريم ديسالين، استمر الحزب الحاكم TPLF في نفس سياسات زيناوي القمعية ومواجهة المعارضة، إلا أن ضعف شخصية ديسالين وبداية الانقاسامات الداخلية وتصاعد احتجاجات عرقية الأورومو والأمهرة دفعت ديسالين للإستقالة في يناير 2018، ليقع الاختيار على آبي أحمد، رغم كونه أحد المنتمين للجبهة الحاكمة إلا أن انتمائه لعرقية الأورومو قد يكون سببًا لاحتواء موجه الغضب الشعبي التي أطلقتها عرقية الأورومو.
ويتمتع إقليم التجراي بحكم شبة ذاتي ضمن 10 أقاليم أخرى في ظل النظان الفيدرالي الإثيوبي، إذ يحكمه جبهة تحرير التجراي والتي كانت قد اعتادت السيطرة على مقاليد الثروة، والحكم والوظائف الرئيسية في الدولة الإثيوبية.
ارتباك المشهد السياسي
يرى مراقبون أن إصرار جبهة تحرير التجراي إجراء الانتخابات رغم التحذيرات المتعددة من المجلس الفيدرالي والحكومة المركزية في أديس أبابا ما هي إلا إحدى الخطوات التصعيدية لإحراج نظام آبي أحمد، وفرض مزيد من الضغوط عليه للوصول إلى صلاحيات ومكاسب سياسية بعد سياسات الإقصاء التي اتخذها آبي أحمد ضدهم منذ مجيئه للسلطة.
وفيما يؤكد خبراء القانون الدستوري في إثيوبيا أن الإصرار على إجراء الانتخابات بالمخالفة للقانون والدستور الفيدرالي، تعقيدًا للمشهد السياسي حيث يثير تساؤلات عن مدى موافقة جبهة تحرير التجراي العودة إلى إجراء الانتخابات مرة أخرى عند إقراراها من قبل المجلس الفيدرالي والبرلمان الإثيوبي، ومدى تمثليهم القانوني في الحكومة المقبلة عقب الانتخابات الشرعية، ومدى موافقة آبي أحمد على إدامجهم في العملية السياسية بعد السياسات التصعيدية ضده.
اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بين جبهات وأحزاب وشخصيات إثيوبية بارزة في حالة سيطر عليها الاستقطاب السياسي
بينما تستمر جبهة تحرير التجراي في التصعيد ضد آبي أحمد، إلا أن موجات الغضب ضد سياسات آبي أحمد لم تهدأ بعد، خاصة مع الاعتراضات الواسعة لعرقية الأورومو الذين كانوا سبباً للتغير بينما أعطى آبي أحمد صلاحيات للأمهرة وهو ما اعتبروه غدر لهم، وذات حدة الغضب في يوليو الماضي، مع اغتيار المغني ورمز الثورة هاشتالوا هندوسا، واعتقال زعماء الأورومو من بينهم جوهر محمد، الذي كان له دور كبير في إشعال الثورة في إثيوبيا ومجئ آبي أحمد للسلطة .
بينما يقلل آبي أحمد من أهمية انتخابات التجراي إلا أنها ستخلف أزمة دستورية لتحديد آلية التعامل مع إقليم التجراي كونه أحد الأقاليم الإثيوبية الهامة، إذ تزيد علامات الاستفهام عن ما إذا كان هذه الانتخابات ورقة لزيادة الزخم والحراك السياسي ضد آبي أحمد الذي ما لبث أن حصل على جائزة نوبل للسلام دون تحقيق أي امجازات حقيقة على الأرض سواء في الملفات الداخلية أو ملف السلام مع إريتريا أو تسوية الأزمة مع مصر والسودان بشأن سد النهضة، أم ستبقى هذه الانتخابات مجرى ورقة ضغط لمواجهة سياسية مؤقتة بين التجراي وآبي أحمد لمحاولة الحصول على مكاسب ومزيد من الصلاحيات بعد التهميش المفاجئ لهم؟.