الأطفال مجهولي النسب، أزمة ظهرت مع بداية الحرب السورية، تسميات اختلف عليها المجتمع حول هؤلاء الأطفال منها “أولاد داعش” أو “أولاد جهاد النكاح”، وجديدًا كلمة “مجهولي النسب”، وهي البديل الذي اُقترح بمشروع القانون الجديد الذي لم يقره المجلس بعد، بدلاً من كلمة “لُقطاء” المستخدمة في المرسوم التشريعي رقم 107 الصادر بتاريخ 04/05/1970، والذي مازال، بالإضافة إلى قانون الأحوال المدنية رقم 26 لعام 2007 وتعديلاته، وهو التشريع المُنظم لحالات مجهولي النسب إلى يومنا هذا.
يشير الواقع وتقارير المنظمات الحقوقية المدنية، أن أعداد “مجهولي النسب” أعلى بكثير مما يصرح به، فقد ارتفعت في سوريا هذه الأعداد عما كانت عليه قبل عام 2011 بسبب ظروف الحرب وما يرافقها من ارتفاع نسب الفقر، والتشرد، والاغتصاب، ففي آخر تصريح من مصدر قضائي لصحيفة “الوطن” السورية في عددها 2859 تاريخ 19 آذار 2018 بأن: “عدد مجهولي النسب خلال الأزمة المسجلين بلغ نحو 300 طفل، وأن عدلية دمشق تستقبل حالة كل شهرين”، لكن هناك منظمات دولية ونشطاء قدروا أن العدد فاق الـ 60 ألف طفل وبين هذه الأرقام الضائعة هناك أطفال ينتظرون تحديد مصيرهم.
“كم رأينا أولاد أصحاب نسب ومعروفين ركضوا مع العنف والإرهاب وهجروا الوطن وأهلهم”.. مفتي حل
مجهولو النسب والرأي الديني
قال مفتي حلب في سورية العلامة سماحة الشيخ الدكتور محمود عكام، إنه لا شك في أن الإسلام وسائر الأديان حرصت على نسب الإنسان أساسًا وتثبيتًا، لأن النسب هو العنصر الأهم في الوجود الفكري لهذا المخلوق الأسمى، ولهذا وسّع الدين وعدّد طرق إثبات النسب، “التسامع والبينة والإلحاق”، ومن هذا المنطلق إذ نتحدث عن أطفال اليوم لا نسب لهم مثبت رسميًا و قانونيًا فإننا نبين الجواب الشرعي على الحالات القائمة في بلدنا والتي أفرزتها الأزمة الظالمة والحرب الآثمة.
أوضح مفتي حلب، أن الفئة الأولى من الأطفال لهم أمهات معروفات، ولكن ٱباءهم أجانب وقد قتلوا أو هربوا وتركوا نساءهم وأطفالهم “زواج بعقد عرفي”، فهؤلاء الأطفال يثبت نسبهم من ٱباءهم، من كانوا هم، كما جاء في القرآن الكريم: “أدعوهم لٱبائهم”.
وتابع عكام: “هنا نغتنم الفرصة لندعو المشرع السوري، إلى سن قانون يقضي بإعطاء الأم جنسيتها لأولادها”.
وأضاف عكام، أن الفئة الثانية هم أطفال لهم أمهاتهم المعروفات، ولكن ٱباؤهم السوريين فقدوا ولم يعودوا في المشهد البتة “مسلحون قتلوا أو هربوا أو اعتقلوا”، فهؤلاء الأطفال يثبت نسبهم من ٱبائهم، كما في قوله تعالى “أدعوهم لٱبائهم”.
واستطرد مفتي حلب، الفئة الثالثة هم أطفال لم تعرف أمهاتهم ولا ٱباؤهم “فاقدوا الأبوين”، فهؤلاء يوضعون في دور الرعاية والكفالة، معقبًا: “ثمة مشروع معروض على مجلس الشعب السوري حول مجهولي النسب، وقرأته وأعجبني وأتمنى على المعنيين إصداره والعمل على جعله قانونًا منفذًا بأمانة”.
وتابع عكام، “أتمنى أن لا يتردد أحد بتثبيت الأطفال فاقدي النسب “أ_ب” بحجة أن هؤلاء قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة عنفًا أو إرهابًا، حيث أن البعض يقول على هؤلاء الأطفال يصبحون قنابل موقوتة حينما تهمل تربيتهم ويتركون عُرضة لرياح فتن وسائل التواصل الاجتماعي أو صحبة السوء، ولكن كم رأينا أولاد أصحاب نسب ومعروفين ركضوا مع العنف والإرهاب وهجروا الوطن وأهلهم هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فالقضية هي قضية إنسانية بحتة تتصل بأصل وجود الإنسان”.
“الدول الأوروبية حاليًا في صدد تسوية أوضاع أبناءها ممن شارك مع الجماعات الإرهابية في الحرب السورية، فمن باب أولى دمج أبنائنا السوريين ومنحهم النسب”.. الأستاذ الدكتور محمود طه جلال
قانون الأحوال الشخصية
الأستاذ الدكتور محمود طه جلال رئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة حلب، يقول إن هؤلاء الأطفال الذين يطلق عليهم مجازًا “مجهولي النسب” إذا عدنا بالقواعد الخاصة بعقد الزواج هم نتاج زواج شرعي، فحالات الزواج قبل مائة عام لم يكن بها سجل مدني اصلًا، والتسجيل في السجل المدني ليس شرط لشرعية الزواج، وقد يكون هناك حالات تسجيل زواج متأخرة تنتج كافة ٱثاره بعد التسجيل، وهؤلاء الأطفال هم أكبر وأصعب مشكلة نتجت عن الحرب السورية، والذي يزيد من خطورة الأمر أن العدد ليس بقليل، وللأسف قانون الأحوال الشخصية لم يتضمن حلًا لهؤلاء الأطفال لأن المشرع السوري لم يتوقع هذه المشكلة في سوريا.
وأضاف أستاذ القانون بجامعة حلب، أن جميع الدول التي عاشت أزمة مشابهة مثلًا أوروبا عاشت هذه الأزمة بأقسى شكل ممكن، ويوغوسلافيا والتي نتج بها “أبناء العار”، ووصلت أعمارهم الٱن من ٢٠ إلى ٣٠ سنة، ويقدر عددهم 100 ألف شاب وشابة نتاج عن علاقات غير مشروعة، لافتًا إلى أن وضع سوريا مختلف فهم نتاج علاقات مشروعة ومنهم غير مشروعة كحالات الاغتصاب بين الجاني والمجنى عليه لا يمكن تثبيت هذا الزواج.
وأوضح جلال، أنه في سوريا لابد من إيجاد حل فهؤلاء الأطفال لا ذنب لهم بما حدث، وليس من المنطق ولا من العدل تحميلهم أخطاء لم يرتكبوها، وكي لا ننسى ما حدث، فهو أيضًا نتاج لغياب التعليم والوعي وتحت تأثير الفقر والعوز والإرهاب في هذه المجتمعات مثل المخيمات.
وتابع جلال، أن الدول الأوروبية حاليًا في صدد تسوية أوضاع أبناءها ممن شارك مع الجماعات الإرهابية في الحرب السورية، فمن باب أولى دمج أبنائنا السوريين ومنحهم النسب.
“دمج الأطفال مجهولي النسب بالمجتمع أمر ضروري، ويجب عدم إقصائهم كي لا يتحولون إلى مشاريع إجرامية بالمستقبل”.. الأستاذ الدكتور محمود طه جلال
أزمة مجهولي النسب والحل القانوني
بيّن المحامي أستاذ القانون بجامعة حلب، أن الفقرة “ج” من المادة 29 من قانون الأحوال الشخصية السورية الصادر بالقانون 26 لعام 2007، نظمت أحكام اللقيط، المعرف بالإنسان الغير معروف والديه، هو نتاج علاقة غير مشروعة لكن غير معروف الأبوين، أما أطفال مجهولي النسب تختلف حالتهم عن اللقيط بأنهم نتاج زواج شرعي ووالدتهم معروفة أما الأب مجهول، فهذه المادة تساعد في الحالات ممن تعذر معرفة نسبهم وهو الأب، بالإضافة إلى حالات الأطفال الضالين يعاملون معاملة اللقيط، وهنا على أمين السجل المدني منحه نسب كما تدون في بطاقته الشخصية ويُمنع منعُا باتُا إهانته أو إشعاره بحالته، وهذه الحالات تحتاج إلى تدخل من جهات وصاية بالمجتمع.
وأكد جلال، أن دمج هذه الحالات بالمجتمع أمر ضروري، كما يجب عدم إقصائهم كي لا يتحولون إلى مشاريع إجرامية بالمستقبل، متابعًا: “وهنا إن لم تسعف الفقرة “ج” على المشرع أن يتدخل لإيجاد حل ودمجهم بالطريقة المناسبة، وقد سمعنا ببعض الحلول كإلحاق الطفل بنسب الأم وهو أمر غير وارد، فمن المعروف أن النسب يولد ٱثار قانونية لها علاقة بالإرث و المحارم”.