مَثلت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها حكومات دول العالم، لمواجهة أزمة كورونا، تهديدًا كبيرًا للحقوق والممارسات الديمقراطية، حتى في الدول صاحبة النظم الديمقراطية، وزادت الأزمة من إمكانية تضييق الهامش الديمقراطي في دول العالم الثالث، والانقضاض على المساحات المتاحة في الدول السلطوية، مثل: الصين، وروسيا.
وبينما تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للديمقراطية، الذي يوافق الخامس عشر من سبتمبر، فإنها تبدي مخاوفها من استغلال الأنظمة الحاكمة لجائحة كورونا، كمبرر لانتزاع المكتسبات الديمقراطية وخنق الحريات، وقد حددت الأمم المتحدة، احتفال هذا العام لتسليط الضوء على الديمقراطية في إطار “كوفيد ـ 19”.
قمع الصحافة والإعلام، والسيطرة على المعلومات، بحجة منع نشر الشائعات حول فيروس كورونا، هي إحدى الطرق التي اتخذتها بعض الدول لقمع المعارضين
تأجيل الاستحقاقات الانتخابية
أحد المخاوف التي أبدتها الأمم المتحدة، هي تأثير جائحة كورونا على الاستحقاقات الانتخابية، وما قد يثيره تأجيل تلك الاستحقاقات من أزمات دستورية، من الممكن أن تصاعد التوترات في بعض الحالات.
شهدت الترتيبات الخاصة بالانتخابات الأمريكية المقبلة، جدلًا واسعًا بعد طلب الرئيس دونالد ترامب، تأجيلها مدعيًا أن زيادة التصويت عبر البريد الإلكتروني بسبب كورونا، يزيد احتمالية التزوير، قائلًا: “يجب تأجيل الانتخابات حتى يستطيع الناخبين التصويت في مناخ مناسب، وآمن، وسالم”.
اقتراح ترامب واجه اعتراض السياسيون الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، والذين أكدوا أن ترامب لا يملك تأجيل الانتخابات، حيث يستوجب موافقة الكونجرس الأمريكي على أي تأجيل.
ترامب على ما يبدو، حاول المناورة لتأجيل الانتخابات التي يرى أن فرص فوزه بها تتقلص، حتى يتثنى له تحسين وضعه الانتخابي، سواء من خلال تحقيق تقدم في مواجهة كورونا، التي دللت على عدم كفاءة إدارته في التصدي للأزمة.
تم القبض على الصحفي أحمد علام، والذي وجهت له النيابة العامة اتهامات ببث أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
كما كان التأجيل سيمنحه الوقت لتحقيق مزيد من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وهو ما بدأ باتفاقيات سلام مع الإمارات ثم البحرين، لتعويض فشله في الملف الاقتصادية والذي كان أحد ركائز خطابه الانتخابي، حيث وعد بزيادة الوظائف والقضاء على الغزو الصيني لأسواق أمريكا، وهو ما لم يتحقق، بل على العكس، الوضع أصبح أكثر سوءًا على الأقل فيما يتعلق بزيادة نسب البطالة.
“هونج كونج”
وفي”هونج كونج” التابعة إداريًا لجمهورية الصين الشعبية، أعلنت السلطات تأجيل الانتخابات التشريعية، بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، ما أثار غضب شديد بين صفوف المعارضة، خاصة وأن السلطات المركزية الصينية رفضت قبيل قرار التأجيل، ترشح 12 شخصًا من المعارضين للسياسات الصينية في “هونج كونج” والتي من المفترض أنها تتمتع بنظام حكم ذاتي.
وأبدت المعارضة في منطقة “هونج كونج” شكوكًا حول إجراء الانتخابات من الأساس، واتهموا السلطات الصينية بالتحجج بالجائحة لزيادة القمع، وتفكيك تيارات المعارضة، والسيطرة على “هونج كونج”.
بوليفيا
أجلت المحكمة العليا في بوليفيا، للمرة الثانية، الانتخابات العامة، إلى شهر أكتوبر المقبل، بسبب أزمة كورونا، ويشمل الاستحقاق الانتخابي، انتخاب الرئيس ونائب الرئيس، وأعضاء مجلس الشيوخ.
لكن الشكوك تساور الكثير من السياسيين، حول نية الحكومة المؤقتة في بوليفيا، إجراء الانتخابات، في محاولة منها لتمديد الفترة الانتقالية وتعطيل المسار الديمقراطي في بوليفيا.
تم القبض على عدد من الصيادلة بتهمة نشر تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي عن نقص المستلزمات الطبية وأدوات الوقاية
وكانت الحكومة المؤقتة تولت السلطة بعد إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية في أكتوبر من العام الماضي، والتي أعلن إيفو موراليس فوزه فيها بفترة رئاسية رابعة، قبل أن تجبره الاحتجاجات على الاستقالة ومغادرة البلاد، بعد اتهامه بتزوير الانتخابات.
قرارات وتشريعات قمعية
مع بداية الأزمة منح البرلمان المجري، رئيس الوزراء فيكتور أوربان، سلطات واسعة، لمواجهة فيروس كورونا، حيث أصدر تشريعًا يمدد حالة الطوارئ، كما يفرض عقوبات بالسجن تصل لخمس سنوات، لمن يتم إدانتهم بعرقلة إجراءات احتواء انتشار الفيروس، ومن ينشر معلومات خاطئة تتعلق بالجائحة.
التشريع أثار انتقادات واسعة من المعارضة المجرية، ومنظمات حقوقية عالمية، حيث وصفوا القانون بأنه استبدادي وموجه لأحزاب المعارضة، ولقمع الصحفيين.
وخلال الشهرين الماضيين أعلنت المجر بدأها رفع حالة الطوارئ وإلغاء السلطات الممنوحة لرئيس الوزراء، لكن معارضين مجريين يؤكدون أن إجراءات الرفع تتم ببطء شديد.
صربيا أيضًا من ضمن الدول التي أصدرت تشريعًا بتمديد حالة الطوارئ، إضافة للعديد من القرارات الاستثنائية التي وصفتها المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان بأنها تقضي على الديمقراطية.
وفي السادس من مايو الماضي، قرر البرلمان رفع حالة الطوارئ، لكن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أعاد تطبيق إجراءات الإغلاق، في شهر أغسطس، ما أدى لمظاهرات واسعة، واتهم المتظاهرون الرئيس الصربي بأنه رفع إجراءات الإغلاق، حتى يتمكن من إجراء الانتخابات التشريعية، والتي فاز فيها حزبه في 21 يونيو الماضي، ثم عاد لتطبيقها.
تطبيقات الهواتف وشبهة التجسس
أطلقت السلطات البولندية، مع بداية الأزمة، تطبيقًا للهواتف الذكية، قالت إنه لضمان الالتزام بالحجر، مهددة المواطنين بـ”زيارات غير متوقعة من الشرطة” حال عدم تحميله على هواتفهم، ما أثار معارضة كبيرة حيث قالت منظمات حقوقية إنه ربما يكون بهدف التجسس على المواطنين.
ألقي القبض على عاطف حسب الله، رئيس تحرير جريدة القرار الدولي، من أمام منزله بمحافظة أسوان، بسبب منشور كتبه على صفحته الشخصية على فيسبوك
الصين أيضًا أطلقت تطبيقًا لتتبع تطورات الفيروس، وأجبرت المواطنين على تحميله على هواتفهم، وهو ما حدث أيضًا في دول أوروبية عديدة منها: ألمانيا، وأستراليا، ونيوزلندا، والتي أثار إطلاق التطبيقات فيها مخاوف جمع البيانات والتجسس على المواطنين، رغم أنها جعلت استخدامها اختياريًا.
كما أطلقت دول عربية تطبيقات مشابهة من بينها، مصر، والبحرين، والكويت، لكنها لم تجبر المواطنين على استخدامها.
قمع وحبس الصحفيين
قمع الصحافة والإعلام، والسيطرة على المعلومات، بحجة منع نشر الشائعات حول فيروس كورونا، هي إحدى الطرق التي اتخذتها بعض الدول لقمع المعارضين.
في فبراير الماضي، أعلن نشطاء صينيون، عن اختفاء شخصين، يعملان بالصحافة المحلية، بعد بثهم فيديوهات لمحاولة توثيق ما يحدث في مدينة “ووهان” بؤرة انطلاق فيروس كورونا.
واقعة اختفاء الصحفيين المحليين، اللذين يرجح أنهما اعتقلا، لم تكن الأخيرة، فقد اتهم نشطاء، السلطات الصينية بقمع واعتقال العشرات من الصحفيين بعد محاولاتهم تغطية تطورات الفيروس والإجراءات الحكومية لمواجهته.
وذكرت تقارير حقوقية، أن السلطات التركية اعتقلت عشرات الصحفيين بتهمة نشر أخبار كاذبة بشأن كورونا، إذ قالت منظمة الأمن والتعاون لشؤون حرية الإعلام في أوروبا، إنها قلقة من اعتقال الصحفيين في تركيا بعد نشرهم مواد عن تطورات فيروس كورونا وطرق مواجهتها.
ألقت قوات الأمن القبض على لينا عطا الله، رئيسة تحرير موقع “مدى مصر” بعد إجرائها حوار صحفي مع الدكتورة ليلى سويف
كما ألقت السلطات الجزائرية القبض على عدد من الصحفيين من بينهم، الصحفي المعارض خالد دراراني، وهو ما حدث أيضًا في الأردن والمغرب.
احتجاز صحفيين مصريين
في السابع عشر من مايو الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على لينا عطا الله، رئيسة تحرير موقع “مدى مصر” بعد إجرائها حوار صحفي مع الدكتورة ليلى سويف، والتي أضربت عن الطعام للمطالبة بالاطمئنان على ابنها علاء عبد الفتاح، والكشف عن حالته داخل السجن في ظل “كورونا”، ووجهت النيابة عدة تهم لرئيسة تحرير مدى مصر، من بينها نشر أخبار كاذبة قبل أن تطلق سراحها بكفالة مالية.
وبحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فقد وصل عدد الصحفيين والإعلاميين الذين تم القبض عليهم بتهمة نشر أخبار كاذبة حول “كورونا”، لعشرة أشخاص من بينهم، خالد غنيم، المذيع بقناة الحياة، والذي تم القبض عليه بتهمة بث أخبار كاذبة، على إثر نشره خبر عن وباء “كورونا”.
وصل عدد المحبوسين احتياطيًا من الأطباء، بسبب نشر تدوينات تتعلق بفيروس كورونا، على حساباتهم الشخصية على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى 5 أشخاص
كما تم القبض على الصحفي أحمد علام، والذي وجهت له النيابة العامة اتهامات ببث أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب نشره تدوينات عن أعداد المصابين بفيروس كورونا، وأمرت بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
كما ألقي القبض على عاطف حسب الله، رئيس تحرير جريدة القرار الدولي، من أمام منزله بمحافظة أسوان، بسبب منشور كتبه على صفحته الشخصية على فيسبوك تعليقًا على أعداد المصابين بفيروس كورونا، وانتقاده للأعداد الرسمية، وأمرت النيابة أيضًا بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق.
أطباء وصيادلة رهن الاعتقال
احتجاز أو مقاضاة أو اضطهاد الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية بزعم نشر “أخبار كاذبة” عن فيروس كورونا، أحد المخاوف التي تحدثت عنها منظمة الأمم المتحدة.
وفي مصر وصل عدد المحبوسين احتياطيًا من الأطباء، بسبب نشر تدوينات تتعلق بفيروس كورونا، على حساباتهم الشخصية على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى 5 أشخاص بحسب نقابة الأطباء المصرية.
وكانت النقابة تقدمت بشكوى للنائب العام المستشار حمادة الصاوي، طالبت فيها بالإفراج عن الأطباء المعتقلين وهم: آلاء شعبان حميدة عبد اللطيف، طبيب مقيم نساء بمستشفى الشاطبي الجامعي بالإسكندرية، وهاني بكر علي كحيل، أخصائي رمد، بمستشفى طوخ، وأحمد صبرة إبراهيم، أستاذ النساء والتوليد بجامعة بنها، ومحمد حامد محمود، طبيب عظام، وإبراهيم عبد الحميد بديوي، طبيب مقيم جراحة أطفال بمستشفى المطرية التعليمي والذي كان يستعد لأداء الخدمة العسكرية بحسب بيان النقابة.
كما تم القبض على عدد من الصيادلة بتهمة نشر تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي عن نقص المستلزمات الطبية وأدوات الوقاية، من بينهم الصيدلي السكندري محمد السايس.