تصطدم مساعي الحكومة لإنشاء البورصة السلعية، بافتقار المزارعين المصريين لثقافة التعامل معها وعدم توافر البنية الأساسية الكافية على مستوى المخازن المجهزة والوكالات والثلاجات التي تتعاطى مع الكميات الكبيرة الضخمة التي يفترض التعامل معها يوميًا.
البورصة السلعية
ومن المقرر البدء في طرح السلع الأساسية، مثل القمح والزيت والسكر والأرز بالبورصة السلعية كمرحلة أولى، خلال الربع الأول والثاني من عام 2021، لكن الخبراء يؤكدون احتياج مصر لكثير من الوقت لتجهيز البنية التحتية أولاً قبل بدء العمل الفعلي.
تسوق وزارة التموين، البورصة السلعية كمشروع جديد من الصفر رغم وجود نموذج لها في محافظة البحيرة، يضم نحو 680 وكالة و120 محلاً للأنشطة المكملة ومدخلات الإنتاج الزراعي و130 ثلاجة بمساحات مختلفة، ولم يستطع أن يحقق الهدف الرئيسي من إنشائه، بسبب غياب ثقافة تعامل المزارعين معه واستمرار تعاملهم بالطرق التقليدية.
تأسست البورصة السلعية بالبحيرة، بمنطقة التحرير بمركز بدر على مساحة 57 فدانًا و14 قيراطًا قبل ثلاثة أعوام
شركة بورصة السلع
تأسست البورصة السلعية بالبحيرة، بمنطقة التحرير بمركز بدر على مساحة 57 فدانًا و14 قيراطًا قبل ثلاثة أعوام بعد 7 أعوام من التفكير فيها، وهدفها زيادة صادرات الحاصلات الزراعية عبر إقامة محطات تصدير وتقليل الفاقد من المحاصيل ومواجهة مشكلة المخزون الراكد وتقليل تكاليف النقل والاستفادة من طبيعة محافظة تنتج نحو 80% من الخضروات والفاكهة على مستوى الجمهورية.
ويبلغ رأسمال شركة بورصة السلع، 91 مليون جنيه، موزعة على البورصة المصرية وجهاز تنمية التجارة الداخلية والشركة القابضة للصوامع والتخزين وهيئة السلع والتموين وعدد من البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية وشركتي مصر القابضة للتأمين وشركة مصر للمقاصة.
قول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد، إن مصر تمتلك خبرة طويلة جدًا في مجال البورصات السلعية
بورصة التمور والغلال
يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد، إن مصر تمتلك خبرة طويلة جدًا في مجال البورصات السلعية، منذ تأسيس بورصة التمور والغلال في منطقة الساحل برملة بولاق، وكذلك بورصة القطن في الإسكندرية والتي تم وأدها بعد ثورة يوليو1952، والأمر يحتاج فقط للتطبيق السليم.
تسعى وزارة التموين، عبر شركة البورصة السلعية، إلى إنشاء سوق منظمة لتداول السلع “القابلة للتخزين” وإدارة المخازن وتجهيزها والتعاقد مع المخازن القائمة المرخصة بالفعل وإنشاء وإدارة صوامع الغلال وغرف التبريد “الثلاجات” الخاصة بحفظ السلع.
سعت الوزارة، لتلافي مشكلات التجارب السابقة للبورصة السلعية بالاتفاق مع الشركة الفرنسية “رانجيس” المسئولة عن إدارة أسواق الجملة والمناطق اللوجيستية بفرنسا لتقديم كافة الاستشارات الفنية، للاستفادة من خبرتها في إدارة وتقديم الدعم لأسواق في فرنسا وروسيا وكازاخستان وبنين والفلبين.
ويضيف فهمي، أن المشكلة الأساسية في غياب الوعي بكيفية التداول بالبورصة السلعية في أوساط المزارعين، وأن الأمر يحتاج إلى حملات توعية بنيهم بتعريفهم بطريقة عملها، بلغة مبسطة بعيدًا عن التعقيدات التي تتحدث بها المسئولين عن البورصة السلعية والبورصة المصرية إحدى الجهات المشاركة في المشروع.
تؤكد وزارة التموين، أن البورصة السلعية توفر الحماية لصغار المزارعين والمنتجين
حماية المزارعين
وتؤكد وزارة التموين، أن البورصة السلعية توفر الحماية لصغار المزارعين والمنتجين عن طريق جمع إنتاجهم وتصنيفه وإتاحته على جميع المتعاملين على منصة البورصة في شكل سوق منظم على النحو الذي يساهم في زيادة القدرة التنافسية لصغار المزارعين والمنتجين.
لكن المزارعون، يخشون في الوقت ذاته أن يكون السعر في صالح التجار وليس المزارع والمستهلك عن طريق تكوين التجار رابطة بينهم يحددون فيما بينهم هامشًا للسعر لا يتم تجاوزه بما يضر بالمزارع والمستهلك خاصة في توقف الحكومة عن الزراعة التعاقدية، ضاربين المثل بما حدث في منظومة تسعير القطن التي كانت فيها الغلبة لمصلحة التاجر وليس المزارع.
وينقل بعض خبراء الاقتصاد، المخاوف لدرجة أعلى من ضعف رأسمال شركة البورصة السلعية الذي يقل عن 100 مليون جنيه في ظل ضخامة البورصات السلعية عالميًا وفي مقدمتهم بورصة شيكاغو التي تشهد تداول عقود بمتوسط مليون مليار دولار سنويًا، علاوة على اعتماد مصر على استيراد الكثير من السلع من الخارج.
وتأخرت مصر كثيرًا في تجارب البورصات السلعية فإثيوبيا تمتلك واحدة منذ 12 عامًا وتشهد حاليًا تداول نحو 600 مليون طن بضائع بقيمة عقود تجاوزت المليار دولار بنهاية عام 2011 رغم أنها قاصرة على السلع الغذائية كالقهوة والقمح وشهد تدشينها حملات إعلامية مكثفة لتعريف المزارعين كيفية الاستفادة منها.
يفترض أن تقلل من حلقات التداول الوسيطة وهي مشكلة يعاني منها المزارع المصري فمحصول مثل العنب يخرج من الحقل بسعر 2.5 جنيه للكيلو ويباع في الأسواق بالمدن بأسعار تبدأ من 7 جنيهات، ما يجعل الربح يؤول للتاجر الوسيط الذي يضر بالمنتج والمستهلك في الوقت ذاته.
المشكلة في البورصة السلعية، أنها ستعمل على وضع تصنيفها وإعطاء درجات لجودة المحاصيل التي سيتم تداولها مباشرة على المنصة الإلكترونية
مشاكل البورصة
المشكلة في البورصة السلعية، أنها ستعمل على وضع تصنيفها وإعطاء درجات لجودة المحاصيل التي سيتم تداولها مباشرة على المنصة الإلكترونية للبورصة التي تعرض الكميات المتاحة من كل سلعة على شاشاتها لتتحكم آليات وقوى العرض والطلب بين البائع والمشتري في تحديد السعر ويفترض أن ينعكس بشكل إيجابي على أسعار السلع والمنتجات لكن يظل الرهان على التطبيق.
على سبيل المثال، يوفر موقع سوق العبور للجملة على شبكة الانترنت لمصر متوسطًا يوميًا لأسعار غالبية الخضروات والفاكهة والأسماك سواء بسعر الجملة والتجزئة، لكن غالبية المستهلكين يقبلون بأسعار أعلى بكثير في ظل عجزهم عن شراء الكميات التي تشترطها السوق، فالشراء بالعبوة أو القفص للفاكهة 10 كيلو فأكثر، والخضروات والطاولة بالنسبة للأسماك.
يقترح خبراء، بأن تزيد أدوار البورصة السلعية في السوق عبر لعب أدوار أكبر فيما يتعلق بالتسعير بوضع هوامش للسعر حتى تضمن حقوق المنتج والمستهلك على حد سواء، وأن تزيد من رأسمالها وأن تدخل في اتفاقيات للتعاون مع غالبية البورصات السلعية الأجنبية بما يمنحها مرونة في التعامل مع المنتجات الغذائية المستوردة من الخارج وعدم الخضوع لتقلباتها السعرية.