“لأجل الإنسانية”.. شعار رفعته وزارة الصحة المصرية، بالمشاركة بعض الدول العربية كالبحرين والإمارات والأردن، وبالتعاون مع الحكومة الصينية، لمحاربة فيروس كورونا، للوصول إلى لقاح آمن وفعال ينقذ البشرية من مخاطر جائحة، قضت علي الأخضر واليابس وحصدت آلاف الأرواح.
وأعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، السبت الماضي، عن بدء إجراء التجارب الإكلينيكية في مرحلتها الثالثة على لقاح فيروس كورونا، بالتعاون مع الحكومة الصينية، وشركة “جي 42” الإماراتية للرعاية الصحية.
تتسارع دول العالم الكبرى للحصول على لقاح لمكافحة كورونا، وانتهجت بعض الطرق المختصرة في التجارب العلمية المتعارف عليها قبل إقرار اللقاح، ألا أن الخبراء يؤكدون أن طرح أول لقاح للوباء في الأسواق لا يعني أنه الأكثر فعالية، معتبرين كل هذه التجارب والمناقشات ليست سوي البداية. بالمقابل، أعرب مدير منظمة الصحة العالمية عن أمله بانقضاء جائحة فيروس كورونا في أقل من عامين.
مطلوب متطوع
تجري مصر اختبارات سريرية على لقاحين اثنين من إنتاج الشركة الصينية “سينوفارم سي” و”ان. بي.جي”، اذ يعملان على تخليق أجسام مضادة للفيروس داخل الأصحاء أو المتعافين من الفيروس، طبقًا لشروط صارمة من أجل المشاركة في التجارب السريرية.
ولفتت وزارة الصحة إلى أن المستهدف من إجراء تلك التجارب 45 ألف مبحوث على مستوى العالم، وتم إجراءها على 35 ألف مبحوث حتى الآن، لافتًة إلى أنه من المفترض أن تشارك مصر في تلك التجارب من خلال 6 آلاف مبحوث، حيث سيتلقى المشاركون في تلك التجارب جرعتين من التطعيم بينهم 21 يوماً، وسيتم متابعة المشاركين في الدراسة لمدة عام كامل.
شروط قبول المتطوع
حددت الوزارة والشركة المسؤولة عن إجراء التجارب السريرية على لقاحي كورونا في مصر، عددا من الشروط والإجراءات لقبول المتطوعين والمشاركة في التجارب، من ضمنها أن تتراوح الفئة العمرية بين 18 لـ 60 عامًا، وأن يتم التسجيل باستخدام الأوراق الرسمية، ويخضع للتقدم لتقييم أهليته للمشاركة في التجارب، والتوقيع على “الموافقة المستنيرة” قبل خوضه التجربة.
كما هناك بعض الأسس التي يمنع التطوع بسببها كالإصابة بأعراض مثل الحمي والسعال خلال الـ14 يومًا التي تسبق أخذ اللقاح، ووجود حساسية تجاه بعض الأدوية، والإصابة بالتشنج والصرع، والتعرض لنقل الدم خلال 3 أشهر قبل التطعيم، والإصابة بأمراض حادة ومزمنة مثل الربو وأمراض القلب والأوعية الدموية.
بلغ عدد المتطوعين الذين انطبقت عليهم الشروط التي حددتها الوزارة، حتي الآن، 335 شخصًا تم توزيعهم للحصول على اللقاح بين 3 مراكز مجهزة في شركة فاكسيرا، ومعهد الكبد، ومستشفى صدر العباسية بالقاهرة.
من جهتها، ذكرت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، أن تجربة اللقاح مرت بالمرحلة ما قبل الاكلينيكية، وهي مرحلة اختبار اللقاح في المختبرات وعلى الحيوانات، ثم المرحلة الأولى وتمت على عدد من الأصحاء لاختبار الأمان وقياس الفاعلية والجرعة القياسية لإنتاج أجسام مضادة بمستوى مناسب.
بينما تمت المرحلة الثانية على عدد أكبر من المتطوعين، والتي انتهت إلى ثبوت فاعلية وأمان اللقاح على المشاركين، ثم بدأت المرحلة الثالثة لاختبار اللقاح على مجموعة أكبر من المتطوعين في العديد من دول العالم، وتعد مصر من ضمن تلك الدول، والتي تهدف لاستكمال اختبار الأمان والفاعلية على عدد أكبر في أماكن مختلفة.
لجنة قومية
شكلت لجنة قومية للأشراف على تلك الأبحاث الاكلينيكية، برئاسة الدكتور محمد حسانى، مساعد وزيرة الصحة والسكان لمبادرات الصحة العامة، وبعضوية أساتذة من وزارة الصحة والسكان، والخدمات الطبية بالقوات المسلحة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة العدل، وهيئة الدواء المصرية.
وأوضح خالد مجاهد، مستشار وزيرة الصحة والمتحدث الرسمي للوزارة، بأنه تم تخصيص مبني بشركة “فاكسيرا” لاستقبال المتطوعين لإجراء تجارب المرحلة الثالثة على لقاح الفيروس.
كما أشار إلى الخطوات التي سيمر بها المتطوع داخل المركز، حيث سيبدأ بتسجيل البيانات الشخصية والصحية بطريقة مميكنة ومن ثم يتسلم الملف الخاص بالمتطوع، والذي يحتوي على كل البيانات الطبية وكذلك نموذج “الموافقة المستنيرة” على مشاركته بالدراسة، ثم يدخل غرفة الاستشارات والتي سيتم فيها توضيح كافة المعلومات المتعلقة بالدراسة السريرية ومتطلباتها ويقوم المتطوع بالتوقيع على نموذج (الموافقة المستنيرة) حال موافقته على المشاركة، وذلك بعد جلسة مع متخصص مدرب لاطلاعه على كافة المعلومات.
تسبب فيروس كورونا حتى الآن في مقتل نحو 962 ألف شخص، وإصابة 31 مليون مواطن
التجارب السريرية
يقصد بالتجربة السريرية، بأنها مجموعة دراسات تهتم بالتدخلات العلاجية والدوائية، تجري على مجموعة من الأشخاص، يتم تسيمهم الي مجموعتين، يطلق على المجموعة الاولي “مجموعة التجربة” والأخرى تكون “مجموعة المراقبة”.
وبحسب هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية، فعادةً ما تمر الأدوية التي تحتاج إلى إجراء تجارب سريرية عليها بمرحلتين رئيسيتين، الأولى على الإنسان والثانية على الحيوان وتتكون الأخيرة من 4 مراحل مختلفة.
إذ يخضع بين 20 و80 شخصاً لتجربة، بينما في المرحلة الثانية يخضع بين 100 و300 شخص لاختبار فعالية العقار، وتهدف المرحلة الثالثة إلى التأكد من فعالية العقار ومقارنته بالعلاج التقليدي ومراقبة الآثار الجانبية، وتجميع المعلومات التي ستسمح للدواء بأن يستخدم بدون أضرار، وهو ما يطلق عليها بـ”التجارب السريرية المحورية”.
ويعقب هذه المرحلة الموافقة على التسويق ويخضع بين 300 و3 آلاف شخص للتجربة، ثم تأتي المرحلة الرابعة “ما بعد التسويق” والتي تتضمن دراسات تطبق على عدد كبير من الأشخاص المصابين بالمرض أو الحالة المرضية، ويكون عددهم بالآلاف، بعد طرح الدواء في الأسواق لجمع معلومات عن تأثير الدواء في الحالات المختلفة من المرضى والأعراض الجانبية المصاحبة له على المدى البعيد.
وتشارك مصر في 74 تجربة سريرية في 15 جامعة، و4 مراكز ومؤسسات متخصصة في إجراء التجارب السريرية، إضافة إلى 6 أطباء مستقلين في إجراء هذه التجارب، بحسب موقع “كلينيك تريل” المتخصص في التجارب السريرية.
وتتصدر جامعة عين شمس القائمة بـ11 تجربة سريرية مختلفة تليها جامعة القاهرة بـ10 تجارب والمنصورة بـ8 تجارب، إضافة إلى جامعات أسيوط، الزقازيق، كفر الشيخ، الفيوم، المنصورة، طنطا، دمنهور، شبين الكوم، الإسكندرية، جنوب الوادي، وحورس “جامعة خاصة”، إضافة إلى جامعة الأزهر.
ووافق مجلس النواب، في أغسطس الماضي، على مشروع قانون بتنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية، والمعروف إعلاميا بقانون التجارب السريرية، وذلك بشكل نهائي، بعدما أعيد مناقشته في جلسة سابقة في ضوء المواد المعترض عليها من قِبل رئيس الجمهورية.
تحت الملاحظة
ولكن متي يتم وقف الدراسة أو هذه التجارب؟، أوضح المختصين أنه في حالة إصابة 214 حالة من أصل إجمالي المتطوعين المشاركين، فأنه يتم وقف الدارسة.
بينما أن تعدت أكثر من 50% إصابة من الذين حصلوا على العلاج الوهمي “البلاسيبو” تكون الدراسة فعالة ويمكن استخدام اللقاح.
ويتم وضع المتطوع بعد تلقيه التطعيم باللقاح تحت الملاحظة لمدة نصف ساعة لمتابعته عبر الطبيب، وبعد ذلك يغادر لمنزله ليتم متابعته هاتفيًا أو بحضوره للمركز مرة أخري، وبعد 45 يوما من الحصول على التطعيم يتم قياس نسبة الأجسام المناعية التي كونها الجسم، ثم بعد ذلك متابعتهم على مدار عام كامل.
وفور التأكد من فعالية اللقاح سيتم البدء في تصنيع التشغيلات التجريبية التي تخضع لرقابة هيئة الدواء، ويتوقع الخبراء ذلك أول العام المقبل.
العلاج الوهمي
وما لا يعرفه الكثيرون أن المتطوع سيخضع لما يسمي بـ”اللقاح الوهمي” لمحاربة كورونا، فهو جزء فعال في نجاح التجارب من عدمه، و”البلاسيبو”، وهو إعطاء المرضي أدوية خالية من المادة الفعالة، ليقاس علي أساسها في مرحلة معينه استمرار التجربة من عدمها.
وسيحصل 2000متطوع من المشاركين في التجارب السريرية بمصر والدولة المشاركة، علي اللقاح الأول، و2000 على اللقاح الثاني، و2000 على “البلاسيبو”، لمعرفة موقف إصابة هؤلاء الذين لم يحصلوا على اللقاح بكورونا.
في مقال بعنوان “ماذا لو أن العلاج الوهمي ليس خدعة؟” والذي نُشر في نوفمبر 2018 لعالم النفس الأميركي جراي جرينبيرج، قال فيه “الأهم من ذلك أن العلاج الوهمي هو علاج طبي قوي يتجاهله الأطباء فقط على حساب مرضاهم، وبعد ربع قرن من العمل الشاق، يمتلك الأطباء أدلة وفيرة لإثبات ذلك”.
وبحسب دراسات حديثة، قد وجد الأطباء والعلماء أن العلاج الوهمي حسن الأعراض لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة القولون العصبي رغم علمهم بأنهم وهمي.
وتقوم فكرة اللقاح الوهمي على قياس مدي تأثير اللقاح على المتطوعين بعد 49 يومًا من بدء التجربة، والذين حصل ثلثهم على اللقاحات الوهمية والثلثان الاخرين على اللقاحات الأصلية.
رهانات سياسية
ولا شك أن الأمر لم يقتصر على مصر والصين وغيرها من الدول في السباق من أجل الحصول على لقاح فعال لكورونا، فبحسب منظمة الصحة العالمية، هناك حالياً نحو ستة لقاحات أساسية دخلت مراحل تجارب متقدمة، من بينها 3 في الصين، وواحد في المملكة المتحدة، وواحد في الولايات المتحدة، وآخر نتاج شراكة ألمانية- أمريكية.
ويسعي جميع المتطورين وشركات الأدوية الكبرى لتسريع وتيرة نشاطهم للخروج بلقاح بداية العام المقبل، إذ أعلنت روسيا في أوائل أغسطس الماضي عن لقاح “سبوتينك”، بينما أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بان لقاح كورونا سيكون متواجد بالأسواق إبريل المقبل، وهو ما أثار المخاوف بين الأوساط الطبية بشأن اختصار الإجراءات المعتادة.
ويخضع إنتاج لقاح كورونا لحسابات سياسية واقتصادية، إذ يعلق لورنس جوستين، أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة جورج تاون الأمريكية قائلا:” لم أر قط رهانات سياسية بهذه الحدة على منتج طبي، السبب وراء الرمزية السياسية التي أعطيت للقاح كورونا هو أن القوى العظمى تعتبره انعكاساً لبطولتها العلمية واعترافاً بتفوق نظامها السياسي”.
هيئة مستقلة
لا تزال إجابة هذا السؤال غير واضحة لدى العلماء، إذ تعتمد هذه التجارب بشكل كبير على تجربة اللقاح على عدد كاف من الناس المعرضين للإصابة بفيروس كورونا المستجد.
يشار إلى أنه للتأكد من أن الباحثين ليسوا على دراية بمن يحصل على اللقاح ومن يحصل على الدواء الوهمي، فإن هيئة مستقلة ستتبع البيانات فور جمعها. وسيتكون مجلس مراقبة سلامة البيانات من خبراء في جميع جوانب تصميم التجارب السريرية وتنفيذها.
ماذا يحدث إذا طرح اللقاح قبل التأكد من سلامته؟
إذا لم يعمل اللقاح بشكل جيد، فسيستمر الناس في المرض وستتعرض حياتهم للخطر، فاللقاح الفعال بنسبة 50 بالمئة فقط يعني أن الناس يمكن أن يصابوا بـ”كوفيد-19″، ولكن حتى اللقاح الفعال جزئيا سيجعل الوباء أكثر قابلية للتحكم. ويعني إطلاق لقاح له آثار جانبية خطيرة، حتى النادرة منها، أن الأشخاص الأصحاء تماما سيعرضون صحتهم للخطر إذا حصلوا عليه. أما إذا نظر الجمهور إلى اللقاح على أنه فاشل، فسيؤدي ذلك إلى تقويض الثقة في الحكومات.