تطرح إسرائيل منذ سنوات طويلة، عددًا من المشروعات البديلة لإنشاء بدائل لقناة السويس المصرية للاستحواذ على جزء من كعكة مرور التجارة الدولية عبرها، لكنها لم تغادر الورق قبل أن تأتي اتفاقية التطبيع الأخيرة مع الإمارات، لتعيد الحديث عن أحد أهم المشروعات القديمة التي تسعى لنقلها لأرض الواقع.
محادثات ثنائية
صحيفة “جلوبس” العبرية والمعنية بالشأن الاقتصادي، كشفت أن مسئولين إسرائيليين أجروا محادثات في الإمارات لإنشاء خط أنابيب نفط يمتد عبر السعودية وصولاً إلى ميناء إيلات عبر البحر الأحمر ومنه إلى ميناء أشكلون على البحر المتوسط تمهيدًا لنقله إلى أوروبا.
يلعب المشروع، الذي لم يظهر للعلن حتى الآن موقف الإمارات والسعودية والأردن بشأنه، على مخاوف الدول المصدرة والمستوردة للنفط من مضيق هرمز الخاضع لسيطرة إيران الفعلية والتي تحرشت أكثر من مرة بالناقلات العملاقة العابرة به، وكذلك الأوضاع الأمنية في اليمن والصومال، والتي خلقت مساحات واسعة للقرصنة البحرية في مضيق باب المندب.
وتتلاعب إسرائيل بورقة أخرى متمثلة في تقليل نفقات عبور ناقلات النفط العملاقة قناة السويس والتصدير مباشرة عبر ميناء أشكول إلى أوروبا، بينما تتردد تقارير اقتصادية عالمية حول طرح تل أبيب الخطة أيضًا على بعض الدول الآسيوية.
يمر أكثر من ثلاثة أرباع النفط المتوجه إلى الأسواق الآسيوية عبر مضيق هرمز، وبالتالي ستعترض دول آسيا الكبيرة على الخطة الإسرائيلية خاصة الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية لأنها من أكبر مستوردي النفط ومصلحتها في بقاء الوضع الراهن كما هو دون تغيير.
تأثير كبير
ووفقًا للتقارير الإسرائيلية يمثل المشروع الجديد ــ حال تنفيذه ــ تأثيرًا كبيرًا على قناة السويس، فناقلات النفط تمثل نحو 27% من إجمالي أعداد السفن العابرة بها، لكن تأثيره سيظل مقرونًا بالناقلات المتجهة من الجنوب للشمال فقط والخاصة بأوروبا.
وأدى ارتفاع صادرات النفط الأمريكي الخام إلى تقليص جزء كبير من صادرات الجنوب لأوروبا، وتعتمد الدول الخليجية على التصدير للأسواق الآسيوية حاليًا والتي تتجه مباشرة عبر مضيق هرمز ولا تحتاج لا إلى المشروع الإسرائيلي الجديد ولا إلى قناة السويس أيضًا.
وتؤكد التقارير الدولية تلك الحقيقة، فجزء كبير عائدات القناة المرتبطة بالنفط تتعلق بالصادرات القادمة للجنوب وليس الشمال، فصادرات النفط المتجهة من روسيا تمثل أكبر حصة بنحو 24% من حركة النفط المتجهة جنوبًا من قناة السويس التي استفادت أيضًا من إنتاج وصادرات النفط الخام الليبي المتجهة جنوبًا، وصادرات النفط الخام والمنتجات البترولية الأمريكية المتجهة جنوبًا أيضًا.
تضخيم حجم التعاون
ويقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد، إن الحديث عن القناة هو مجرد رغبة في تضخيم حجم التعاون الاقتصادي بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، مشيرًا إلى أن المشروع لن يتم لاحتياجه إلى حجم استثمار ضخم وصعوبة تأمينه في ظل قطعه الأراضي السعودية بالكامل عرضًا ثم ثلاثة أرباعها طولاً.
وقبل سنوات، تحدث الإعلام الإسرائيلي عن مشروع لا يبتعد كثيرًا عن محاولة إيجاد بديل لقناة السويس باسم “بن جوريون” لربط البحرين الأحمر والمتوسط، عبر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى المتوسط، والثانية بالعكس حتى لا تتأخر السفن كثيرًا في العبور مع إقامة فنادق ومطاعم ونوادي على الجانبين لكن المشروع لم يتم تنفيذه.
تمتلك مصر خط “سوميد”، هو خط أنابيب لنقل البترول يمتد من العين السخنة على خليج السويس إلى سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط، بطول 200 ميل ويتدفق النفط الخام عبر خطي أنابيب موازيين تبلغ طاقتهما الإجمالية 2.8 مليون برميل يوميًا، وهو بديل مناسب لدول الخليج حال رغبتها في الالتفاف على مضيق هرمز.
وبلغ إجمالي تدفقات النفط عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد نحو 9٪ من إمدادات النفط المنقول بحًرا عالميًا (النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة) عام 2017، فيما تبلغ تدفقات الغاز الطبيعي المسال عبر قناة السويس وخط الأنابيب حوالي 8٪ من تجارة الغاز الطبيعي المسال عالميًا.
يقول رشاد عبده، إن الحديث عن تلك المشروعات تواكب مع هوى القيادة الإسرائيلية التي جعلت التطبيع النجاح الوحيد لها محليًا وتواجه تهمًا بالفساد، فهي مداعبة للرأي العام الداخلي بأرباح ضخمة مستقبلية من التعاون مع العرب.
قبل سنوات تحدثت إيران هي الأخرى عن مسار شحن بديل لقناة السويس للبضائع المتجهة من الهند إلى شمال أوروبا بنقلها لميناء جابهار جنوب شرق إيران على المحيط الهندي، ثم شحنها برًا لميناء بندر إنزلي على ساحل بحر قزوين، ثم عن طريق البحر إلى أستراخان بروسيا ومنها إلى شمال روسيا أو أوروبا بالسكك الحديدية، لتقليص نقل البضائع من 38 يومًا إلى 16 يومًا مقارنة بقناة السويس.
صعوبة التنفيذ
وألمحت هيئة قناة السويس حينها إلى صعوبة المشروع وطول المدى الزمني له، وأكدت أن الممر الإيراني له 4 مسارات، اثنان بالسكك الحديدية واثنان عبر البحر، وتنتقل عبر 4 مرات في مراحل مختلفة.
ربما يكون المشروع الأكثر تأًثيرا حال عودته هو خط أنبوب “الموصل – حيفا” الذي كان يربط نفط كركوك بالعراق بمدينة حيفا مرورًا بالأردن في عهد الاحتلال الإنجليزي، والذي توقف عن العمل نهائيًا عام 1948، لكنه يظل مرهونًا بموافقة العراق على التطبيع.
وتسعى الدول الآسيوية لتنويع مصادرها من النفط بالتعاون مع موسكو وتفضيلها الخامات الروسية مثل خام إسبو الذي يجد رواجًا كبيرًا في الصين، كما يمتلك الروس اتفاقيات طويلة الأجل مع شركات نفط حكومية مثل “كيم تشاينا” و”بترو تشاينا”.