تعتبر أسواق حلب القديمة في سوريا من أكبر الأسواق المغطاة في العالم، حيث يبلغ طولها أكثر من 15 كلم، وتضم 37 سوقًا ويعود تاريخها إلى أكثر من 2300 عام، ويُطلق عليها الحلبيون اسم سوق “المدينة”، ومع اندلاع الحرب السورية طالتها بداية عام 2012 أعمال حرق ونهب وتدمير، وقُدرت قيمة إعادة ترميمها من الخارج فقط بـ100 مليون دولار .
عودة خجولة
“أبوعبده” يضع صباحًا كرسيه الخشبيّ أمام دكانه الذي يبلغ عمره “150”عامًا، مؤملاً عودة الزبائن الذين قد يعيدون إحياء رونق السوق الذي فقد بريقه خلال سنوات الحرب العشر.
دكان الشرقيات هذا كان يضج بالزوار والسائحين وتفوح منه عراقة هذه المدينة التي تعد واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم وذلك منذ بداية الألفية السادسة قبل الميلاد.
الحاج “أبو عبده” هو أحد القلائل ممن أعادوا افتتاح متجره في سوق السويقة، بالرغم من العودة الخجولة للحركة التجارية في أسواق حلب القديمة، إلا أن تجار المحال عادوا لترميمها غير آبهين للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
ويستعرض “أبو عبده” في حديثه إلينا ما يعانيه السوق اليوم، فيقول “يشهد سوق السويقة إقبالاً ضعيفًا رغم الجهود المبذولة من قبل الحكومة السورية لنفض غبار الحرب عنه، نشاهد مجهودًا فرديًا بترميم المتاجر المدمرة، أما الحكومة فتعيد تأهيل البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي وخطوط هاتف، إلا أن أصحاب المحال لا يزالون مترددين في استئناف نشاطهم التجاري نظراً لقلة الزبائن في السوق.
ويناشد الحاج “أبوعبده” كل التجار والجهات المعنية لتتظافر الجهود من أجل إعادة الحياة إلى أسواق حلب القديمة، موضحًا أنها كانت عبارة عن محجّ للحلبيّة والسواح ليتزودوا منه بكل احتياجاتهم، حيث كان لا يجد المرء موطئ قدم داخل السوق نظراً للإقبال الشديد.
أهمية اقتصادية
ويقول الباحث التاريخي “علاء السيد”، “إن أسواق حلب القديمة هي القلب الاقتصادي لحلب، بل ربما لسوريا فكل محل في هذه الأسواق هو عبارة عن مكتب شركة تدير نشاطًا اقتصاديًا إقليميًا”.
ويضيف: “مثلا محل صغير بمساحة خمسة أمتار مربعة في سوق الزرب يبيع العبايات المبطنة بالفرو، يقوم صاحب هذا المحل بتشغيل مدابغ جلود الخراف للحصول على فراءها ويقوم بتشغيل عشرات الورشات لخياطة الفرو والعباية وتطريزها ويقوم بتصدير هذه العبايات إلى العراق و السعودية والأردن”.
ويتابع: “بالتالي هو صناعي وتاجر بذات الوقت ويؤمن فرص عمل لعشرات الأشخاص ودخلًا بالقطع الأجنبي للخزينة العامة وهناك مئات من هذه المحلات في أسواق المدينة التي تقوم بإدارة إنتاج محلي في مجال النسيج، مثلاً في خان العلبية يقوم محل صغير باستيراد المواد الأولية لصناعة الخيوط التركيبية من الصين و يرسلها إلى معمل تصنيع الخيوط ثم يرسلها إلى معمل النسيج ثم لسلسلة ورشات تتبع معالجة النسيج ثم يصدرها إلى أوروبا مثلا كقماش خام أو يرسلها لورشات الخياطة ليصدر ملبوسات جاهزة”.
ويؤكد “أن عودة أصحاب هذه المحلات لأعمالهم تساهم بشكل رئيسي في دوران عجلة اقتصاد البلد وصناعتها ورفد خزينتها العامة مما نحن بحاجة كبيرة إليه حاليًا”.
مبادرات ترميم المحلات
ويشير “السيد” إلى أن المبادرات المحلية الفردية لترميم هذه الأسواق هو الحل الوحيد المتاح لعودتها للعمل.
ويوضح “لذلك قمنا بإطلاق مبادرة أصدقاء باب النصر لترميم باب المدينة الأثري، بجهود فردية تطوعية وبتمويل ذاتي بسيط وهو باب من أبواب مدينة حلب وكان يعرف قديمًا بباب اليهود”.
ويضيف: “لقد تم تسليط الضوء على هذا العمل مما أدى إلى عودة ثقة السكان المحليين وأصحاب المحلات في السوق التجارية المحيطة بإمكانية عودتهم لمساكنهم ومحلاتهم، كما قامت منظمة undp وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة بتسليط هذا الضوء عليها بإطلاق مشروع ترميم للسوق الرئيسي في المنطقة، ثم تم التعاون معها ودعوتها لإنجاز ترميم واجهة باب النصر وعدة جدران عالية تعتبر جزءًا من أسوار المدينة التاريخية في تلك المنطقة”.
ويؤكد أنه “لا بديل عن الاعتماد على الذات، وإطلاق المبادرات الأهلية التطوعية في ظل الحصار الجائر الذي تتعرض له سوريا”.