تتسابق الدول العربية في اللحاق بقطار التطبيع الذي انطلق من المحطة الإماراتية، وسط حالة من السخط والرفض من جهة، وحالة من التأييد والتبرير من جهة أخرى.
ومع فرض الواقع لسياسيات التطبيع في الدول العربية، وتوقعات انضمام دول أخرى خلال الفترة المقبلة بقطار التطبيع العربي الإسرائيلي، ظهر التساؤل حول المستفيد من تلك الخطوة، ودلالة الجهر بالعلاقات العربية الإسرائيلية وإدخالها في الإطار الرسمي بعدما ظلت سنوات بعدة عن الأنظار، ما نجيب عنه في السطور القادمة.
العرب.. مخاوف إيران ورحلات البحث عن التقدم تكرس للتطبيع
لم يكن اللهث العربي وراء التطبيع مع إٍسرائيل وليد اللحظة، وإنما هو أمر استمر في الخفاء سنوات عدة، ولم تجهر به سوى مصر والأردن من خلال اتفاقيات السلام مع الكيان الإسرائيلي مقابل الأرض، بينما ظل التطبيع الخفي بدافع الحفاظ على الأمن العربي الخليجي، ومواجهة الأطماع الإيرانية في تحقيق حلم خلافة الفرس.
ومع إعلان الإمارات التطبيع الرسمي مع إسرائيل، ظهرت استفادت أخرى، وضعت على طاولة المصالح الدولية، جعلت الجهر بالتطبيع أمر لا تراجع عنه.
فبالنسبة للإمارات جاءت الرغبة في دعم أمنها القومي تخوفًا من المد الإيراني الذي بات يمثل تهديدًا مباشرًا لدول الخليج أولى أسباب الإعلان عن التطبيع والسلام مع إسرائيل، بخلاف اتجاهها للتسليح بصورة أكبر تضمن لها التصدي لأي عدوان محتمل.
التعاون الاقتصادي كان له دور أيضًا في إرساء مبادئ التطبيع، والذي تتجه فيه دول الخليج ومنهم الإمارات لدعم اقتصادها من خلال التعاون الأوروبي وهو ما يقف الكيان الإسرائيلي عائقًا أمامه، سواء بشقه التجاري أو الاستثماري، ووضع العديد من المحاذير في هذا الملف تقوده القوى اليهودية في مختلف دول أوروبا والولايات المتحدة أيضًا.
لوبي يهودي
الأمر نفسه بالنسبة لدولة البحرين التي يوجد بها أقوى لوبي يهودي بين دول الخليج، والذي رغم صغر عدد أفراد إلا أنه يتمتع بنفوذ كبير في البحرين، فيما تزيد مخاوفها من الأطماع الإيرانية التي تعتبر البحرين ولاية تابعة لها، وتستخدم الشيعة المتواجدين فيها لزعزعة أمن واستقرار المنامة، حيث يمثل التقارب البحريني الإسرائيلي حائط صد أمام المحاولات الإيرانية للاستيلاء على البحرين.
ضغوط الجالية اليهودية في البحرين لعب دورًا كبيرًا في إذابة جليد المقاطعة، والذي ظهرت قوته بعد تعيين البحرين لليهودية هدى عزرا سفيرة لها لدى الولايات المتحدة في الفترة من 2008 وحتى 2013، واستمرت تلك الضغوط لإقرار السلام المعلن مع إسرائيل.
السودان وقطار التطبيع
السودان التي تطمح في اللحاق بقطار التطبيع، لديها متطلبات من وراء التطبيع، فبعيدًا عن دعمها اقتصاديًا وجذب الاستثمارات للأرض السمراء التي طالما عانت الفساد والتراجع والفقر رغم ثرواتها، الأمر الذي توفره إسرائيل لها، تسعى السودان للتخلص من وصمة الإرهاب التي تلتصق بها، وتحجم تحركاتها وتسليحها، حيث تسعى لإزالة اسمها من قوائم الإرهاب، الأمر الذي يمكن لإسرائيل التي تتمتع بنفوذ دولي كبير من الضغط لتحقيقه.
كذلك عمان والسعودية لكل منهما حسابات خاصة، استدعت ملف التطبيع المعلن على طاولة البحث والتفكير، فيما تنتظر السعودية للحظة الأخيرة قبل إعلان التطبيع مع إسرائيل بعد قبول جميع العرب لتلك الخطوة، باعتبارها تمثل رمز الدول الإسلامية وإعلانها التطبيع في الوقت الحالي قد يعرضها لموجة انتقاد كبيرة.
التطبيع.. من المستفيد
رغم الأهداف التي تسعى إليها الدول العربية في سعيها للتطبيع مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة هي المستفيدة الأكبر من هذا التطبيع، وتعتبر الاستفادات العربية لا شيء بالنسبة لما ستحققه إسرائيل جراء التطبيع معها، وما ستقدمه في المقابل.
ويوضح الدكتور منير محمود، الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن إسرائيل المستفيد الأكبر من اتفاقيات التطبيع مع العرب، وتأتي أولى مكاسبها التحرر من وصمة دولة الاحتلال باعتبارها توصيفها في العالم كله، كذلك ستتحرر إسرائيل من الضغوط السياسية والدبلوماسية التي تطالبها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والتي دخلت في أكثر من20 سنة، دون تنفيذ واهمها القرار 242 الصادر عام 1967، سواء فيما يخص الانسحاب من الأراضي المحتلة، أو إقامة دولة فلسطينية.
يتابع محمود” الاقتصاد الإسرائيلي كذلك سينتعش، بعدما تردى على خلفية أزمة كورونا، لأن هذا التطبيع سيوفر وجود ضخ في مجالات السياحة والتكنولوجيا والتعاون الإقليمي بين الخليج وإسرائيل، ما يغير الوضع لصالح الإسرائيليين، بالإضافة لإنقاذ بنيامين نتنياهو الذى قاربت فترة رئاسته على الانتهاء، من الانهيار، حيث يتعرض منذ 3 سنوات لمحاكمات جنائية ويتهرب من الوقوف امام القضاء في قضايا فساد ورشوة، بخلاف عدم رضا اليسار الإسرائيلي عن أداء نتنياهو فيما يتعلق بملف فلسطين، لتظهر تلك الاتفاقيات نتنياهو في صورة البطل الذى قام بالدور الذي لم يقم به غيره وهو نفس الدور الذي يلعبه دونالد ترامب في أمريكا ويستخدمه لصالحه كأول رئيس أمريكي ينجح في إعلان التطبيع الخليجي الإسرائيلي” .
دلالة التوقيت
يعي الجميع وجود محادثات إسرائيلية عربية خلف الكواليس، وتعاون بين الطرفين في الخفاء دام على مدار سنين، ما يجعل لتوقيت إعلان التطبيع دلالات عديدة، وليس مجرد صدفة.
في هذا يقول منير محمود” الضغوط السياسية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ صعد للحكم بقرارات ضم القدس الشرقية وضم الجولان وإعطاء مساحة لإسرائيل ان تضم أراضي أخرى، الأمر الذى تمخض عن ما يسمى بخطة القرن التي قام ترامب بالترويج لها، والتي رفضتها مصر، خاصة قيامها على مبدأ السلام مقابل السلام والجوانب الاقتصادية دون النظر لحل القضية الفلسطينية، تلك الضغوط مع ادارك الامارات انه لا يمكن استمرار التواصل مع الكيان الإسرائيلي في السر في الوقت الذي لا يوجد فيه اليوم اسرارا، وأصبح الشباب في العالم العربي يعلم ان هناك اتصالات بين الامارات ومسئولين في دول الخليج وبين إسرائيل وان هناك علاقات دبلوماسية ليست رسمية ولكنها قائمة في الخفاء، جميعها ساهمت في إعلان التطبيع رسميًا الان”
أضاف” تعد المبادرة الإماراتية لإعلان التطبيع شجاعة أدبية، خاصة في ظل تزايد المخاوف من المخاطر الإيرانية ورغبة الامارات الحصول على أسلحة قتالية متطورة كانت محظورة قبل توقيع الاتفاقية وباتت متاحة عقب توقيعها، واقتصاديا لان ها التطبيع سوف ينعش كل ما يتعلق بصناعات النفط والغاز وغيرها من دول الخليج عبر إسرائيل، وكل ما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة التي تسعى دول الخليج للاستفادة منها، بخلاف إمكانية استخدام الزخم حول الاتفاقية لوقف خطة الضم والعمل على عودة القضية الفلسطينية للمسار السياسي.”
مصير فلسطين
في كل تلك التفاصيل تظل القضية الفلسطينية مثار الجدل الأكبر في ظل هذا التطبيع، الذي يختلف عن التطبيع المصري الذي قام على أساس الأرض مقابل السلام، بينا التطبيع الخليجي يقوم على أساس السلام مقابل السلام ولا شيء أخر، ما يجعل تلك الاتفاقية إنذار أخير للفلسطينيين للتحرك، وإلا فإن إسرائيل سوف تستخدم هذه الاتفاقيات لتكون غطاء قويًا لاستمرار تهويد الأرض وبناء المستوطنات”
يتابع ” آن الأوان أن يطهر الفلسطينيون قضيتهم من التجار أصحاب الأيدلوجية التي أضاعت القضية، فعلى مدار أكثر من 20 عام حاولت مصر خلالها التوفيق بين الأقطاب الفلسطينية المتصارعة، كانت إسرائيل تستخدم هذا الصراع شماعة لاستمرار الاستيطان بحجة عدم وجود ممثل عن الشعب الفلسطيني، وإن كانت المعطيات الحالية تستبعد حدوث هذا الامر، ولكنه الفرصة الأخيرة التي يمكن أن تستغلها فلسطين للاستفادة من التطبيع، فمع وجود قوى عربية وهى مصر التي وضعت الأساس في كامب ديفيد لإقامة دولة فلسطينية، ووجود قوى إقليمية لها شأن مثل الامارات تستطيع ان تلعب الدور في الضغط على إسرائيل لحل القضية وإنهاء الصراع اذا ما رأينا رجل واحد يتحدث باسم فلسطين وشعب واحد يريد ان يعيش” .