ألقت قوات الأمن المصرية مؤخرًا، القبض على رضا عبد الرحمن، المدرس بالمعهد الأزهري بكفر صقر بمحافظة الشرقية بتهمة نشر مذهب القرآنيين.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان نقلًا عن أفراد من عائلة “عبد الرحمن” إن قوات الأمن ألقت القبض عليه في 22 أغسطس 2020 هو وسبعة آخرين من أقاربه، كلهم ينتمون إلى عائلة أحمد صبحي منصور، الأستاذ السابق بجامعة الأزهر.
وأضافت أن قوات الأمن وجهت إليهم أسئلة تتعلق بعلاقتهم بأحمد صبحي منصور وحقيقة تبنيهم مذهب “القرآنيين”، وأفرجت عنهم جميعًا ما عدا رضا عبد الرحمن.
ليست المرة الأولى
وتعد تلك المرة الثالثة الذي يتم فيها القبض على رضا عبد الرحمن بسبب أفكاره الدينية وقرابته بأحمد صبحي منصور، حيث كانت المرة الأولى في 26 أكتوبر 2008 استمرت حتى 6 يناير 2009 حيث أصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ حينها حكماً نهائياً بإنهاء توقيفه، وفي 25 يناير من نفس الشهر أطلق سراحه.
ثم ألقي القبض عليه في 2016 حيث أمرته أجهزة الأمن بوقف نشاطه وقطع اتصالاته بالدكتور أحمد صبحي منصور.
قضية “عبدالرحمن” تسلط الضوء من جديد على قضية قديمة جديدة، وهي قضية القرآنيين المصريين ورمزهم الأبرز أحمد صبحي منصور، ومن ثم علاقتهم بالدولة والمؤسسات الدينية الرسمية.
من هو أحمد صبحي منصور؟
أحمد صبحي منصور، هو مدرس سابق في جامعة الأزهر، ناقش رسالته للدكتوراة عن أثر التصوف في مصر المملوكية، حيث بدأ في إعداد الرسالة عام 1977 وتمت مناقشتها عام 1980.
ويقول عن رحلة إعداد الدكتوراة ومن ثم مناقشتها، إنه حدث له اضطهاد واضطر إلى حذف ثلثي الرسالة (عن أثر التصوف في الحياة الدينية والانحلال الخلقي) بالإضافة إلى تدريسه بجامعة الأزهر، حيث كان بين أعوام 1980 و1987 الخطيب الأول لجماعة دعوة الحق وسكرتير تحرير مجلتها الشهرية ( الهدى النبوى ).
وفي 5 مايو 1985 تم وقفه عن العمل بجامعة الأزهر، حينما تقدم إلى اللجنة المسئولة عن ترقيته إلى أستاذ مساعد بخمسة كتب، كان الكتاب الأهم والذي أحدث ضجة كبيرة وقتها هو كتاب (الأنبياء في القرآن الكريم.. دراسة تحليلية)، والذي قال فيه إنه لا شفاعة للنبي محمد، ولا عصمة له خارج الوحي، وأنه لا يصح أن يقال عنه أشرف المرسلين أو تفضيله على من سبقه من الأنبياء لأن مرجعية هذا لله جل وعلا وحده، كما تعرض لنقد البخاري.
أما الكتب الأخرى فكانت (العالم الإسلامي بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسيين)، (حركات انفصالية في تاريخ المسلمين) (غارات المغول والصليبيين)، (في تاريخ الحركة الفكرية والتربوية في تاريخ المسلمين).
تطور آخر حدث عام 1987، عندما تم إلقاء القبض عليه بتهمة إنكار السنة، وهي القضية الأكبر في تاريخ “القرآنيين”، ومن ثم توالى القبض عليهم، ففي مايو 2007 تم توقيف 5 منهم، كان من بينهم أيضًا أقارب لـ أحمد صبحي منصور، وكانت التهمة استغلال الدين في ترويج أفكار متطرفة بقصد ازدراء الدين الإسلامي، بأن أنكروا السنة واعتبروا القرآن هو المصدر الرئيسي للتشريع.
وكان من ضمن المتهين أحمد صبحي منصور نفسه، ولكنه كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2001 ووصف التهمة وقتها بأنها “ملفقة”، مشيرًا إلى أنها جاءت ضمن “صفقة التوريث المصرية بين النظام والإخوان المسلمين والتي من شروطها القضاء على وجود القرآنيين بمصر”.
أفكار القرآنيين
يرى “منصور” أن القرآنيين تيار إسلامي إصلاحي، وأنهم ليسوا طائفة أو حزبًا، كما أنهم يحتكمون إلى القرآن من خلال منهجية تقوم على تحديد مفاهيم من داخل القرآن نفسه، مضيفًا أن اجتهاداتهم بشرية ولا تخضع للقداسة وأن أفظع خطأ نسبة تشريعات الفقه إلى الله واعتبارها شريعة الله أو الشريعة الإسلامية.
وعن تسميتهم بالقرآنيين يقول إن هذا اللقب أطلقه عليهم أمن الدولة مع قضيتهم عام 1987 وجاء استعماله رسميًا ثم تم تداوله إعلاميًا.
ويمكن تلخيص أهم أفكار القرآنيين في مصر كما يلي:
لا وحي إلا القرآن
ينطلق موقف “منصور” من السنة النبوية من رؤيته أن القرآن هو الوحي الوحيد المكتوب الذي نزل على النبي محمد، مشيرًا إلى أن “الواقع القرآني يؤكد أن النبي كان إذا سُئـِلَ في شيء كان ينتظر نزول الوحى ليأتي بالإجابة، وينزل قوله تعالى “يسألونك عن” كذا “قل” كذا وعن موقفه من الأحاديث المنسوبة للنبي يرى أن الإسلام اكتملت رسالته بالقرآن وأن النبي نهى عن كتابة غيره، كما أن الأحاديث تمثل واقع المسلمين وعقائدهم.
لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم
هو أحد عناوين أبحاث أحمد صبحي منصور والذي نشر في نشرة “التنوير” التى تصدرها الجمعية المصرية للتنوير، وكان ذلك فى شهر يونيو 1994، حيث يرى أن كلمة “ننسخ” فى آية ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ بمعنى الإثبات والكتابة، وليس الحذف.
ويقول إن من يذهب إلى أن الذين يجعلون النسخ معناه الإلغاء والحذف يتهمون القرآن بأن ألفاظه متناقضة، كما يرد على الحجة القائلة بإن النسخ الغاية منه التدرج في التشريع، بأن التدرج فى التشريع له فى القرآن مظهران، أحدهما يخص العلاقات المتغيرة بين المسلمين وأعدائهم، والآخر يختص بالإيجاز فى التشريع الذي يعقبه التفصيل، وبالتالي يستنتج بأن ذلك لا ينتج عنه نسخ أو إلغاء للتشريع.
لا ردة في الإسلام
يذهب “منصور” في كتابه “حد الردة” إلى أنه لا وجود لحد الردة في القرآن الكريم، ويقول إن كلمة “حد” جاءت في القرآن بمعنى الحق والشرع، وأنها لا تعني العقوبة، كما جاءت كلمة “حدود” فى القرآن الكريم (14) مرة، وكلها تعنى حقوق الله وتشريعاته، ولا تعنى العقوبة كما يدل مصطلح حد الردة أو “حد الزنا” وتطبيق “الحدود” فى الشريعة”.
ويذكر أيضًا أنه لإبطال حد الردة لابد من التعرض لموقف القرآن الكريم من قضية التكفير، مؤكدًا أنه لا يحق لمسلم أن يكفر غيره، أو أن يقيم له محاكم تفتيش، لأن الله تعالى كما منح الإنسان حرية الإيمان به منحه حرية الكفر به، وأن المسؤولية تجاه هذه الحرية تتجلى يوم الحساب حيث سيحاسبهم رب العزة على اختيارهم.
أما عن توصيف من لا يؤمن بالله بلفظ الكفر في القرآن الكريم، فيرى أنه في مقابل حرية إعلان الكفر وحرية العيب فى ذاته الإلهية العلية، فمن حق الله أن يصفهم بالكفر والعصيان وأن يرد عليهم، وبالتالي يذهب “منصور” إلى أن عملية التكفير بمثابة محاكم تفتيش ويراها محاكم ظالمة فوق طاقة البشر.
الحرية المطلقة للعقيدة والفكر والتعبير عنهما
يرى “منصور” أن من مهام الدولة، توفير الحرية المطلقة للأفراد والجماعات فى العبادة والعقيدة والرأى والفكر.
وتشمل هذه الحرية برأيه حرية تغيير الدين وحرية الدعوة للأفكار والمعتقدات وأن مهمة الدولة تأكيد حرية هذه الدعوة للجميع أفرادًا وطوائف على قدم المساواة المطلقة.
ويقول أيضًا إن الديمقراطية هي التي تجمع فى داخلها المعادلة السحرية التي توازن بين الحرية والعدل.
وفي كتاب “مبادىء الشريعة الاسلامية السبع وكيفية تطبيقها” يقول “منصور”: “الحرية الدينية تؤسس الوعى السياسى بين الجماهير، كما تقوم بتطهير المجال السياسى من المتاجرة بالدين، وتحصر المنافسة السياسية بين من هو الأقدر على خدمة الناس فى حياتهم الدنيا مع احترامه لاختياراتهم الدينية”.
وعن مصادرة الكتب فإنه يراها “هواية مفضلة للكهنوت الديني والسياسي وأنها ممارسات ترجع للعصور الوسطى والذي مازال عالمنا الثالث يقبع فيها”.
الأزهر والقرآنيون
أما عن موقف أحمد صبحي منصور من مؤسسة الأزهر، فقد جاء في ندوة أقامتها الجمعية المصرية للتنوير عام 1994، كانت بعنوان “الأزهر والتنوير”، أن مفكرين مثل رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ومن ثم خريجين تلك المدرسة، أمثال طه حسين ومصطفى عبدالرازق، وإن كانوا خريجين الأزهر، فهم استثناءات لأن الغالب على مناهج الأزهر وفق رؤية “منصور” هو التقليد.
في مقابل ذلك أعلنت المؤسسات الدينية الرسمية في مصر موقفها من أفكار “القرآنيين”، فقد أصدرت لجنة السنة بمجمع البحوث الإسلامية، وهو أحد هيئات الأزهر، فتوى في شهر أغسطس من عام 2007 تنص على اعتبار “القرآنيين” جماعة مرتدة عن الإسلام إن أصروا على موقفهم الرافض للعمل بالسنة، واستندت اللجنة في فتواها باعتبار أن هؤلاء أنكروا معلومًا من الدين.
كما أكدت فتوى لجنة السنة بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن من ينكر السنة ليس مسلمًا، باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام بعد كتاب الله الكريم.
وقالت دار الإفتاء المصرية، إن الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم والاستغناء به عن السنة المطهرة هي دعوة باطلة، كما رأت أن العمل بها يؤدي يقينًا إلى هدم الشريعة بل وإلى هدم الدين.
وأضافت أن الذي يدعو إلى الاكتفاء بالقرآن يدعو لإزاحة السنة، وبعد ذلك يبدأ في إزاحة القرآن.
وجاءت الفتوى في معرض رد على سؤال جواز الاستغناء بالقرآن عن السنة ونشرها موقع دار الإفتاء في مارس من عام 2014.