بصورة مفاجأة وعلى عكس المتوقع، حذفت وزارة التعليم الإيرانية صورًا لفتيات من غلاف كتاب الرياضيات الخاص بالصف الثالث الابتدائي، فبعدما شملت صورة الغلاف لسنوات صور 3 أولاد وفتاتين، تغيير هذا العام وتفاجئ الطلاب وذويهم بغلاف جديد أثار استياء رواد مواقع التواصل الاجتماعي والذين اتهموا النظام الإيراني بالتمييز على أسس جنسية.
بداية الأزمة
رواد التواصل الاجتماعي أوضحوا أن غلاف مادة الرياضيات للصف الثالث الابتدائي الذي طبع العام الماضي ظل بنفس الشكل على مدار سبع سنوات مضت، ولم يتغير فيه شيء سوى إزالة الفتاتين، مع إبقاء شكل الغلاف بتصميمه كما هو، وبنفس المحتوي الدراسي، دون سبب معلن لإزالة صور الفتيات، واصفين هذا الموقف بالعنصرية والمقلل من شأن النساء.
في الوقت ذاته جاء الرد الرسمي معقدًا للأمور إلى حد بعيد بعدما كشف مسؤول حكومي أن السبب الرئيسي لإزالة صور الفتيات جاء لعدم تناسق الغلاف، وأن الشكل الجديد لا يؤثر على الشكل البصري وأصبح أكثر تناسقًا وغير مزعج وأن التعديل الأخير جاء باقتراح من المعنيين بالمنظور الفني والجمالي والنفسي للكتب رغبة منهم في جعله أقل ازدحاماً.
إحدى الفتيات الإيرانيات غردت في تدوينه له بنشر صورة لـ “ماريان مزراخاني”، الحائزة على جائزة “فيلذز” في علم الرياضيات وعلقت عليها قائلة “أزالت الحكومة الإيرانية الفتيات من غلاف كتاب الرياضيات ولكن لم يستطيعوا ان يزيلوني”، ما يلمح إلى أن الحكومة لم تتمكن من محو اسم العالمة الإيرانية من التاريخ.
رؤى معارضة
موقع “راديو فردا” الإيراني قال إنه لا يمكن للمدارس الحكومية أو الخاصة في جمهورية إيران الإسلامية الاستقلال بمناهجها، ولابد أن تخضع للمنهج الحكومي، وبإشراف وزارة التعليم، ويجب أن يكون المحتوى متناسقَا مع الطباع والعادات والتقاليد، وفوق كل هذا يوافق الشريعة الإسلامي والمذهب الشيعي.
وأضح “راديو” تعقيبًا على الأزمة العديد من الإجراءات في المناهج الدراسية تقلل من شأن المرأة في المجتمع عامَا وفي التعليم على وجهه الخصوص، في الوقت الي نصح فيه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، في عدة مناسبات واحتفالات، الطالبات بعدم التركيز على مواد العلوم والرياضة، مما جعل البعض يتوقع أن حذف صور الفتيات جاء بإيعاز من المرشد.
مصمم الغلاف الأصلي علق ساخرًا على الأمر قائلًا ربما ظنت السلطات الإيرانية أن الفتيات تركض لتعانق الفتيان.
أراء التربويين
أستاذ علم الاجتماع “سعيد بيوندي” قال إن التغيرات الطارئة على الكتب الدراسية التي جرت لا يمكن معرفة أو تحديد صاحب رؤيتها لهذه التغيرات، ولكن يجب التأكيد على أن دائرة البحوث والدراسات التربوية “صاحبة خلفية دينية متأثرة بنوعية دينية متطرفة”، وبالتالي فإن وزارة التربية والتعليم تتأثر بالتبعية لها، وبالإضافة ان المعينين من قبل دائرة البحوث، لابد أن يكونوا بموافقة المرشد، وبالتالي فإن “خامنئي” هو صاحب الكلمة العليا في هذا الأمر.
وتابع “بيوندي” نظام التعليم في إيران ذو مرجعية دينية شيعية متطرفة متشددة، وعلينا أن نرى ان التغيرات التي طرأت على التعليم منذ قيام الثورة عام 1979 فهي داعمة للدين الذي يعزز تواجد النظام الملالي.
وأوضح “بيوندي” أن المرشد عارض اتفاقية اليونسكو الخاصة بالتعليم 2030، والتي ترسم أفاق التعليم المستقبلي، والساعية الي عدم التفرقة، ومنع العنصرية في التعليم بين الرجال والنساء، والتي وافقت عليها دول العالم، ما يعني عدم استقلالية وزارة التربية والتعليم الإيرانية، وأنها خاضعة لتعليماته مباشرَا، وأنه لن يسمح بأي رؤى إصلاحية ليعزز من فلسفة النظام التعليمي الإيراني الذي يعتمد على العنصرية والتطرف وإنكار الهويات الأخرى.
وشدد الخبير والباحث التربوي على أن العنصرية في التعليم مبيته، وأن حذف صور الفتيات سواء كان غير متعمد أو متعمد فإنه يعكس فكر النظام العام القائم على العنصرية بفصل الذكور عن الإناث منذ مرحلة الروضة وهو ما يتبعد عن كافة الرؤى التربوية الحديثة.
وقائع سابقة
لم تكن حذف صور الفتيات واتهام النظام بالعنصرية الجندرية أولى الوقائع، إذ قال مدير قسم الآداب الفارسية بمكتب تأليف الكتب الدراسية في وزارة التربية والتعليم الإيرانية “حسين قاسم بور” أن الحكومة ألغت العديد من النصوص الأدبية الجميلة بداعي أنها لا تتماشى مع أفكار الثورة، وهو ما جرى بذات السياق في الواقعة الجديدة، مؤكدًا أن تعليمات المرشد تتخلل كافة القطاعات وبالأخص قطاع التعليم، الذي تجبر فيه الفتيات على ارتداء الحجاب بمختلف ثقافاتهم وميولهم ودياناتهم.
تراجع رسمي
لم تأتي الردود الرسمية في بادئ الأمر مقنعة، بل قوبلت بموجات غضب على وزارة التعليم، والتي اتهمت بالعنصرية والتحيز وتهميش وضع ومكانة المرأة، وسرعان ما جاء رد دائرة البحوث والدراسات التربوية والتي أوضحت أن حذف صور الفتيات جاء لحملهن أشكال هندسية مزعجة للمطلعين، ومن ثم حذفت صور الفتيات إلا أن الكتاب ذات يحمل بين طياته صور لفتيات وفتيان أخرين نافين وجود نية مبيته لحذف الفتيات.
أعقبها وزير التعليم “محسن حاجي ميزراني” بتغريدة له عبر حسابه الشخصي على تويتر قائًلا “تجرى تغييرات على الكتب الدراسية كل عام حسبما يقيم المؤلفين، وكلفت دائرة البحوث والدراسات التربوية بالتحقيق في التغيرات التي طرأت على شكل ومحتوي الكتاب بحساسية، ونحن نهتم بمخاوف الشعب وفتيات الوطن يستحققن كل التقدير والاحترام، وسنعدل الكتاب من جديد العام المقبل لعدم مقدرتنا على تغيره حاليًا.
نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار علقت على الأمر في تدوينه لها أيضًا وقالت “رغم أنه ينبغي وضع غلافي كتابي الرياضيات والعلوم للعام الدراسي الجديد إلى جانب بعضهما لفهم الأمر على نحو صحيح، إلا أن وزير التربية والتعليم المحترم يضع على جدول أعماله فحص وتعديل الكتب الدراسية من زوايا مختلفة بما في ذلك العدالة بين الجنسين، وعلى كل حال فإن حساسية الناس في محلها، ولا يمكن تجاهل الفتيات”.