المنتصر بالله رياض عبد السيد، أحد أعمدة الكوميديا في مصر خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، الذي رحل عن عالمنا اليوم، في حالة من بكاء الروح عليه قبل العين، فهو صديق الجميع والذي خذلوه أيضًا، بعد أن عاش إلى جوار من عرفهم بالوسط الفني حتى أصابه المرض وأقعده 12 عامًا بعيدًا عن العالم تقريبًا، ليبتعد عنه أصدقاؤه في حالة من الغفلة والسعي وراء الحياة، وأيضًا إنكار لصداقتهم التي عاشت لسنوات، ليتذكروه جميعًا في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يتذكروه يومًا خلال مرضه.
خلق المنتصر بالله، لذاته حالة مميزة سواء في عالم السينما أو الدراما أو المسرح، بعد أن بدأ حياته الفنية من خلال التحدي الأكبر فنيًا وهو المسرح الذي قدم من خلال مسرحيات عدة كانت أولها “يا أنا يا إنتي يا دنيا” مع سمير غانم، “وراك يا زمن”، مطلوب على وجه السرعة”، “قسمتي ونصيبي”، “دنيا”،”حارة الضحك”، “أنت المطلوب” “النسانيس”،”الصغيرة”، وعاش متنقلًا بين عالم المسرح والسهرات التليفزيونية حتى استطاع أن يلفت أنظار الجميع له ليشارك في أول الأعمال السينمائية عام 1973 في فيلم “الدوامة”، وبعدها انتقل من عمل سينمائي لآخر وكان منهم “فيفا زلاطة”، احترسي من الرجال يا ماما”، المغنواتي”، “استقالة عالم ذرة”، “اللي ضحك على الشيطان”، تجيبها كده تجيبها كده هي كده”، “يا ما أنت كريم يا رب”، “عسل الحب المر”، “الرجل الذي عطس” وغيرها من الأعمال السينماية التي كان آخرها، “حنحب ونقب” عام 1997 بالاشتراك مع فاروق الفيشاوي وأحمد آدم ومن إخراج عبد اللطيف زكي.
عشق المسرح
كان عشق الراحل المنتصر بالله للمسرح من نوع خاص فهو ما صنع نجوميته وهو أيضًا ما جعله طائرًا محلقًا في عالم الفن، فالنجومية على الخشبة والتواصل المباشر مع الجمهور لهما بريقهما المختلف، بـ32 عملًا مسرحيًا خلق المنتصر بالله شخصيات ما زالت عالقة في أذهان الجمهور والتي كان منها:”شلولخ” المغني المغمور في مسرحية “شارع محمد علي”، و”سينجر” مدير الكباريه في “عشان خاطر عيونك”، “المعلم بسطويسي” في “بداية ونهاية”، وغيرها من الأعمال المسرحية.
نجوم في حياة المنتصر بالله
كان هناك عدد من النجوم الذين لهم أدوار مميزة في حياة المنتصر بالله وكان على رأسهم فؤاد المهندس، بعد أن ساعده في دخول عالم الفن، بعد أن التقاه صدفة وأعلن له عن رغبته في دخول هذا العالم،ليساعده الأخير في تعليم الوقوف على المسرح.
كما أنه كان يعتبر الراحل أحمد زكي شقيقه الأكبر، وكانت له معزة كبيرة في قلبه وخاصة بعد أن شاركا معًا في فيلم “ضد الحكومة” وجمعتهما علاقة إنسانية اجتماعية وكانت بينهما زيارات منزلية، وقد قال عنه في أحد اللقاءات التلفزيونية: “كان بمثابة الأخ الأكبر لي، كان يزورني في منزلي ويطلب من زوجتي أن تعد له الملوخية”.
كما أعلن المنتصر بالله في لقاء سابق أنه يدين بالفضل للفنانة شيريهان، حين كان يرغب البعض في إبعاده عن الدور الذي قدمه في مسرحية “شارع محمد علي”، ولكنها أصرت على وجوده بالعمل دون غيره متمسكة به ليظهر لنا الدور بهذا الشكل الرائع.
مع “مبارك”
لُقب المنتصر بالله بـ”مضحكاتي الرئيس”، وذلك لما أشيع بأن الرئيس الأسبق حسني مباركن يستضيفه لكي يقدم له النكات وما شابه لإضحاكه، كما أنه يصطحبه في رحلاته لذات الأسباب، ولكن الراحل استطاع أن يوضح حقيقة الأمر في أحد اللقاءات الصحفية الخاصة به، حين تم سؤاله عن اصطحاب “مبارك” له في 250 رحلة، قائلًا:” ده على اعتبار أن الرئيس كان مقضي حياته في الطيارة؟ لا، لم يحدث وكل ما قيل من هذا الكلام مبالغات لا أساس لها من الصحة، أنا لم أركب الطائرة مع مبارك في حياتي كلها غير مرتين، مرة عند افتتاح مدينة الإنتاج الإعلامي ومرة في زيارة ميدانية لتوشكى”.
وحول سر اختصاص “مبارك” له بالحديث في لقاءاتهما لخفة ظله المعروفة، قال المنتصر بالله: “هذا صحيح ولكن ليس بالصورة التي يتخيلها الناس، فقد كان رئيس جمهورية وهناك قواعد في التعامل وخطوط عامة للاحترام والتقدير”.
وقد روى المنتصر بالله موقفًا جمعه بالرئيس الأسبق فهذا الحوار لم ينساه قائلًا: “أثناء زيارتنا لتوشكى، أحضر المرافقون لمبارك سمكًا كبير الحجم جدًا نتاج المزارع السمكية هناك، فقلت له هل هذا سمك حقيقي يا ريس؟ فقال لي: أيوه، فقلت له بعفوية: إذن هذا سمك والله العظيم، فضحك بشدة وقال لي: خد لك منه سمكتين وأنت راجع مصر، فقلت له: طيب حضرتك تعرف حد الطيارة على الوزن؟ فضحك مجددًا من قلبه”.
وحول ما أشيع عن أن “مبارك” كان يرسل له بسيارة خاصة لتأخذه لزيارته في قصر العروبة لكي يروي له الحكايات المسلية والنكات، قال: “عيب أن يقال هذا الكلام في حقي بعد كل هذا العمر، ولقد استغل الكثيرون ابتعادي عن الظهور الإعلامي لكي يروجوا شائعات ضدي، والحقيقة أنه كانت تتم دعوتي في بعض المناسبات العائلية الخاصة بالرئيس السابق مبارك وتحديدًا في عيد ميلاده، ولم أكن وحدي في هذه المناسبات العائلية فقد كان هناك عدد من الشخصيات من دفعته في القوات الجوية وبعض الوزراء المقربين للعائلة، ولكني كنت بالفعل الوحيد من الوسط الفني وهذه الدعوات كانت قائمة على علاقة ود واحترام ليس أكثر”.
ولكن بعد ثورة يناير، لم يكن المنتصر بالله ممن وقفوا إلى جوار “مبارك” ضد الشعب، ولكن كان تعليقه على الثورة كالآتي: “أؤمن بالثورة وأهدافها العظيمة، وتابعت بفخر ما قام به الشباب، لأجل مستقبل مصر وأبناءها”.
ابتعاد الجميع عنه
أصيب المنتصر بالله بجلطة في المخ عام 2008، أبعدته عن الإعلام، وكان نادر الظهور من فترة إلى أخرى والتي تصل إلى عدد من السنوات، ومنذ ذلك التاريخ ابتعد عنه الكثير من أصدقائه ولم يسأل عليه أي منهم حتى من كانوا الأقرب إليه، ولكنه هو كان دائم السؤال عليهم، وكان هذا على أقرب الناس إليه أيضًا وهما: صلاح عبد الله، وأحمد آدم وغيرهما.
وعن المنتصر بالله، قال الناقد الفني طارق الشناوي، “إنه منح البهجة للجمهور في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والبرامج، وكان يستحق أن نتذكره بالدفء والحب وجائزة ومعاش استثنائى، ولكنه هو لم يطلب أي شئ لذاته، حتى حين عرض عليه جمال مبارك العلاج رفض ذلك”.
وأضاف، “رحمة الله عليه فقد كان لقمة سائغة في وجه الشائعات وأيضًا حب الجمهور الذي صاحبه حتى وفاته بالرغم من خذلان الأصدقاء، فرحل في سلام كما عاش في سلام”.