بالرغم من مرور سنوات طويلة، وما وصل إليه العالم العربي من تطور علمي وتكنولوجي، إلا إننا مازلنا نواجه خطر زواج القاصرات وهن الفتيات دون سنّ الزواج أو بمعنى أدق هنّ الأطفال اللاتي يتم تزويجهن في محافظات مصر وبعض الدول العربية، بدوافع تأثرها بعادات وتقاليد بالية تعتقد أن زواج الفتاة نوع من أنواع الستر كما يُقال عن الأمر، ولكن الحقيقة أنه انتهاك لحقوق الطفل بشكل مُجحف وجائر، كما أنه تعدٍ على حقوق المرأة بعد أن تصبح هذه الطفلة سيدة.
حالة من الظلم تتعرض لها الفتيات في مجتمعتنا العربية بسبب زواج القاصرات، حين ترفض تلك الفتيات الزيجات اللاتي يجدن أنفسهن بها مغتصبة حقوقهن الإنسانية والجسدية، في علاقة لا يعلمن عنها أي شئ ولا يمكنهن إدراكها في هذا العمر الذي لم يتجاوزن به الـ15 عامًا.
يناير الماضي، المحكمة الإدارية العليا في مصر، قضت في قضية تزويج الأطفال بفصل إمام وخطيب مسجد بالغربية، كان يزوج الأطفال القُصر عرفيًا بإحدى قرى الريف، بعد أن بادرت وزارة الأوقاف إلى إحالته للنيابة الإدارية تمهيدًا لمحاكمته تأديبيًا.
إيناس الدغيدي هي المخرجة الوحيدة التي اقتحمت هذا الباب من خلال فيلم “لحم رخيص”.. المنتج علاء الشريف
وجاء بحيثيات الحكم، أن لإمامة المسجد منزلة عظيمة في تبصير وسطية الإسلام لصلاح الوطن والمواطن لا تزويج الأطفال القُصر.
كما أوقف مجلس حقوق المرأة والطفل، سبتمر الجاري، زيجة بين طفلين دون الـ17 عامًا، كان الذكر قد تزوج مرة سابقة وأنجب طفلة، لنجد أنفسنا أمام مأساة حقيقية.
ومع استمرار هذه الحالات حتى يومنا هذا نجد أن مناققشة السينما والدراما لمثل هذه القضية التي لها تأثير مباشر على المجتمع، نادر جدًا فعلى مدار تاريخ الأعمال الفنية المصرية لم تناقش قضية “زواج القاصرات” إلا من خلال عملين وحيدين، أولهما: فيلم “لحم رخيص”، و”بيت القاصرات”، ومسلسل “القاصرات”.
أسباب تزويج القاصرات
حاولت المخرجة إيناس الدغيدي، بشكلٍ أكثر جرأة من غيرها بالطبع باقتحام عالم القرى المصرية، للتعرف على أسباب تزويج فتيات لم يكملن الـ15 عامًا، وربما أقل من ذلك في كثير من الأحيان، وكانت المفاجأة الصادمة للواقع من خلال فيلم “لحم رخيص”، حين تجد عائلة أصابها الفقر بسبب كثرة الإنجاب قررن المتاجرة بفتياتهن إما للحصول على المال، مقابل تلك الزيجات أو لسفر بناتهن للخارج والحصول أيضًا على أموال مقابل مقايضات على بناتهن.
حياة مأساوية تعيشها تلك الفتيات، بسبب أسرهن وبيعهن لهن بشكل مثير للاشمئزاز بشكل كبير يجعلك تقف عاجزًا، أمام أسر قررت المتاجرة ببناتهن.
وكان ذات الحال الذي لم يختلف كثيرًا في مسلسل “القاصرات” الذي قدمه صلاح السعدني منذ عدة سنوات على الشاشة، ليكون صورة لشخص مريض يقضي حياته في زواج القاصرات، إما عن طريق إشباع أهلها بالأموال أو طمعهم هم في السلطة والنفوذ الذي يعيش به.
عام 2018، نشرت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا بيان، أثار الرأي العام ضدها، قالت فيه، إن الشخص بإمكانه الزواج في سنّ البلوغ
وكانت كتابة سماح الحريري لهذا المسلسل معبرة عما تعيش به الفتيات القاصرات من معاناة الزواج من رجل أكبر سنًا، سواء كانت هذه المعاناة جنسية أو جسدية نتيجة تحملها مجهود أكبر من طاقة جسدها، ومع هذه الأعمال لم نجد خلال السنوات الماضية أي من أي عمل فني يناقش تلك القضية رغم خطورتها، وتأثيرها المباشر على المجتمع.
تشجيع زواج القاصرات في الدراما السورية
تعد الدراما السورية هي الأشهر بعد المصرية في الوطن العربي وهي التي ناقشت زواج القاصرات بشكل سئ جدًا، بل أنها شجعت له بشكل أو بآخر، حيث أنها أظهرت الفتاة في أكثر من عمل فني بأنها متلهفة للزواج، بل ويظهرن موافقتها على العيش من عدد من الزوجات الآخريات، دون محاولة من العمل على إظهار مساوئ تلك الزيجة وتأثيرها النفسي على صحة الفتاة الجسدية والنفسية في أي من تلك الأعمال.
إن الخوض في قضية زواج القاصرات وعرضها على الشاشة هو أمر صعب جدًا
لبنان في مواجهة الزواج المبكر
رغم أن تجارب لبنان في السينما ليست كبيرة أو ذات تاريخ طويل، ولكنها بالرغم من ذلك استطاعت أن تقدم أكثر من عمل عن زواج القاصرات وعيوبه، وهو “كفر ناحوم”، الذي ناقش من خلال طفلين قضايا اللاجئين وزواج القاصرات، حين توفيت شقيقة البطل وهي قاصر وكان نتيجة ذلك هو الزواج المبكر، كما أنتج فيلم “نور”، الذي يتناول قضية زواج القاصرات في المجتمع اللبناني، وهو من إنتاج وإخراج: خليل دريفوس زعرور، ومن بطولة جوليا قصّار، عايدة صبرا، وإيفون معلوف.
https://www.youtube.com/watch?v=TfXB8Xu8gpY
تركيا تواجه زواج القاصرات
عام 2018، نشرت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا بيان، أثار الرأي العام ضدها، قالت فيه، إن الشخص بإمكانه الزواج في سنّ البلوغ، معتبرة هذا بلوغ للذكور من 12 عامًا وللفتيات في الـ9 أعوامًا، واعتبر ذلك فتح الباب على مصرعيه أمام زواج القصّر للذكور والنساء.
ولكن كان للدراما والسينما في تركيا دور كبير في مواجهة تلك القضية التي تعتبر مستطونة بها أيضًا في المدن التي تقع على الحدود، ليقدم الفن التركي عددًا لا بأس به يوضح الأزمة التي تعيش بها الفتيات جسديًا ونفسيًا وجنسيًا نتيجة هذا الزواج المبكر وخاصة حين يكون من رجل بينهما فارق عمري كبير.
عدم إنتاج أعمال فنية تحمل على عاتقها “زواج القاصرات” يرجع إلى هذه الأعمال لن تحقق مكاسب في شباك الإيرادات
وكان من تلك الأعمال مسلسل: “جاءت عمتي”، ومن الأفلام: “مريم” و”clair obscure”، الذي أنتج عام 2016، ليوضح بشكل جرئ جدًا الأثر النفسي الكبير الذي أدى بفتاة قاصر بأن تقتل زوجها ووالدته، نتيجة عدم تحملها مشاق الزواج النفسية، والجسدية، والجنسية.
قصور في مناقشة القضية
قال المنتج المصري، علاء الشريف، إن الخوض في قضية زواج القاصرات وعرضها على الشاشة هو أمر صعب جدًا، ويرجع ذلك إلى صعوبة الروايات التي تقدمها تلك الفتيات التي تجعل الأمر شديد المأساوية، ويصعب على الجمهور تقبل هذه النوعية من الأعمال وخاصة في السينما.
وأضاف أن إيناس الدغيدي هي المخرجة الوحيدة التي اقتحمت هذا الباب من خلال فيلم “لحم رخيص”، ومع الدخول في هذه القضية نجد أن المشكلة كلها تكمن في الآباء لهؤلاء القاصرات الذين قرووا أن يبعن بناتهن من أجل الأموال بشكل مأساوي، يجعل عرض القضية صعب، بالإضافة إلى أنه لا يوجد منتج سيقوم بالمغامرة لعمل فيلم بهذه القسوة، لأنه لن يحقق إيرادات بشباك التذاكر.
أما الناقد الفني محمد عدلي، فيرى أن عدم إنتاج أعمال فنية تحمل على عاتقها قضية زواج القاصرات يرجع إلى هذه الأعمال لن تحقق مكاسب في شباك الإيرادات، ولن يتم إنتاجها إلا عن طريق جهة مستقلة أو يكون العرض من إنتاجه هو المشاركة في مهرجان فلا مكان لهذه الأعمال جماهيريًا.