يبدو أن نادي برشلونة الإسباني، وجد ضالته أخيرًا في المدرب الهولندي رونالد كومان، الذي أعاد النادي للطريق الصحيح ثانية ولهويته وفلسفته الكروية المحببة والتي صنع بها البلوجرانا كل مجده الكروي خلال العقود الأربعة الماضية، فكان الفوز الأول في الليجا على ملعبه كامب نو وأمام ضيفه فياريال برباعية نظيفة بداية تلك العودة الجيدة للنادي العريق، مباراة لم يكن الفوز بها والحصول على النقاط الثلاثة هو المكسب الوحيد ولكن كان بها مكاسب عديدة أخرى تضمنها هذا الانتصار العريض.
فكان الشكل الرائع والأداء المميز لاسيما في الشوط الأول الذي شهد 3 أهداف كاملة في ظرف 35 دقيقة فقط من انطلاقة المباراة، وسط سيطرة تامة وشوط من طرف واحد على أرضية الميدان لصالح البارسا، بالإضافة لاستعادة الفريق الكتالوني لهويته الكروية المفقودة ثانية وأيضًا وجود انضباط كبير من الناحية التكتيكية والدفاعية، ونيولوك لخط وسط الفريق ومركز النجم الأول ليونيل ميسي في اللقاء، كل تلك انطباعات جيدة وجديدة على شكل الفريق وضعها كومان في أول ظهور رسمي له كمدير فني للبلوجرانا.
ولذلك استخلاصًا من كل الانطباعات التي تركتها المباراة الأولى في الموسم الجديد، بعد نهاية مأساوية للموسم المنقضي والخسارة بثمانية أهداف مقابل هدفين أمام بايرن ميونيخ في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا في أكبر خسارة بتاريخ البارسا تحت قيادة المدرب المقال كيكي سيتين، نستعرض في النقاط الآتية أهم المتغيرات التي شهدها الفريق مع كومان في ثوبه الحديث بالموسم الجديد.
تدخلات كومان الفنية كانت إيجابية للغاية على المستوى الفني والتكتيكي والانضباطي بالفريق وغرفة خلع الملابس
فلسفة واضحة تطبق
انحياز تام لفلسفة وهوية برشلونة الفنية الأصلية، كان أول الخطوط الفنية الواضحة التي انتهجها المدرب كومان مع لاعبيه خلال الفترة الماضية الإعدادية للموسم، وظهر بها البارسا في افتتاحية مبارياته بالليجا أمام الغواصات الصفراء، وهذا كان العيب الأكبر في برشلونة طوال المواسم السابقة مع المدربان فالفيردي ثم سيتين، حيث لم يكن ايًا منهما يطبق فلسفة وهوية برشلونة الفنية الواضحة وأسلوبه المعتاد وطريقة لعبه والكرة الشاملة والتيكي تاكا العائد للأب الروحي يوهان كرويف نجم ومدرب وأسطورة البارسا الراحل، فكان كلاً منهما يأخذ منها جزء ويترك أجزاء حسب اللاعبين المتاحين لديه وطريقة فكره وإدارته للفريق، والنتيجة ضياع تام أداءً ونتائج وضياع بطولات واستنزاف نجوم الفريق هباء.
الأمر الأخير الذي ظهر في برشلونة وأعطى انطباعًا جيدًا عن كومان وإدارته الجيدة والمبشرة للفريق الكتالوني في قادم المواعيد، هو الأداء الدفاعي
وهو أهم عيب شهده برشلونة في السنوات القليلة الماضية، لذلك قرر كومان معالجته من جذوره بالعودة للأصول كونه أحد أهم رموز البارسا السابقين وأحد عناصر فريق كرويف التاريخي في بداية تسعينيات القرن الماضي، فهو ابن هذه الفلسفة وهذه المرحلة لذلك انحاز لها قطعيًا وطبقها دون إضافة أو حذف أو تأليف من عنده مثل فالفيردي ثم سيتين سلفه في الفريق، وهذا وضح جليًا على الظهور الأول للبارسا ويبدو أنه شيئًا فشيء سيستعيد برشلونة روحه المفقودة وهويته المفضلة التي كانت دائمًا أحد أهم أسباب قوته الفنية ومتعة الكرة التي يقدمها على المستطيل الأخضر والتي تعجب جماهيره دائمًا وتجذب إليه كل متتبعي الكرة عمومًا.
نيو لوك لوسط الملعب ولميسي
تدخلات كومان الفنية كانت إيجابية للغاية على المستوى الفني والتكتيكي والانضباطي بالفريق وغرفة خلع الملابس، فالمدرب الصارم فرض شخصيته القوية على الجميع وعلى رأسهم النجم الأهم بتاريخ البارسا ميسي وأخبره أنه لن يجد صلاحيات زائدة عن دوره كلاعب وقائد للفريق فقط في وجوده، فبات هو المتحكم الأول والرئيسي فالفريق من أجل إعلاء مصلحة النادي على الجميع ليعيده لسابق مجده وقوته فحل الاستقرار والهدوء والالتزام على غرفة خلع الملابس للنادي الكتالوني، وبخلاف ذلك الأمر المهم ظهرت لمسات كومان الفنية على شكل البارسا بداية من التشكيل للتوظيف الجديد لبعض النجوم وخاصة منطقة وسط الملعب ومركز ميسي الجديد القديم، لتعود المتعة ثانية لشكل أداء برشلونة ويظهر بشكل مغاير تمامًا عن أخر نسخة له رفقة سيتين الضعيف.
فأعاد كومان تشكيل ثلاثي خط الوسط باعتماد الثنائي بوسكيتس ودي يونج على الدائرة بدلاً من بوسكيتس فقط كما كان في الماضي ليغطي على تراجع مستواه مع كبر سنه بالاعتماد على الشاب دي يونج بجانيه، مع إعطاء الحرية كاملة لرأس مثلث الوسط كوتينيو العائد من الإعارة لبايرن ميونيخ، في مركزه المحبب كصانع ألعاب الفريق ككل وهو ما كان يفتقده في بداية مشواره مع برشلونة ولعبه كجناح أيسر لتعويض نيمار وإلزامه بجوانب دفاعية مما أظهره بشكل سيء أدى لغضب الجماهير عليه ثم رحيله معارًا، كومان أعاده لمركزه المحبب وأمن وسط الملعب الدفاعي بدي يونج بجانب بوسكيتس مما ازهر وسط الملعب متماسك وقوي دفاعيًا ونشط هجوميًا بكوتينيو العائد لمركزه المحبب بكامل الصلاحيات الفنية وتحريره من كل الأعباء الأخرى كالدفاعية بوجود خلفه الثنائي القوي.
بالإضافة إلى ذلك أعاد جريزمان أيضًا لمركزه الأصلي والمحبب لديه على الرواق الأيمن كجناح هجومي والتبديل مع ميسي والدخول لمنطقة الجزاء والتحول لمهاجم صريح وهكذا، وهو ما جاء إيجابيًا للغاية وظهر جريزمان أفضل كثيرًا صحيح ليس بقوته السابقة ولكنه سيأتي تدريجيًا لكامل مستواه وخطورته السابقة بتوظيفه الجديد والجيد والمناسب له ولقدراته، وكذلك إشراك إنسو فاتي في مركزه الأصلي كجناح أيسر ليتألق ويحرز هدفين، وأخيرًا إعادة ميسي لمركز المهاجم الصريح أو الوهمي كما لعب من قبل مع بيب جوارديولا وأظهر كامل قدراته.
يبدو أن نادي برشلونة الإسباني، وجد ضالته أخيرًا في المدرب الهولندي رونالد كومان
خاصة مع تقدمه في العمر لم يعد قادرًا على اللعب كجناح أيمن كما كان من قبل، وهو ما أجهده فيه سيتين عن عدم دراية ليفقد خطورته السابقة لبعده عن مرمى الخصوم، هذا النيولوك وإعادة كل نجم لمركزه الأصلي أظهر برشلونة مخيفًا كأفضل ما يكون وأعاد جزء من أفضل نسخة له سابقًا ومن المؤكد مع الوقت سيستعيد كامل قوته المفقودة لعدة اختيارات خاطئة في اختيار المدربين واللاعبين من قبل الإدارة بالسنوات الأخيرة أدت لأسوأ شكل حدث في تاريخ النادي أمام بايرن.
صرامة تكتيكية وأداء دفاعي منضبط
الأمر الأخير الذي ظهر في برشلونة وأعطى انطباعًا جيدًا عن كومان وإدارته الجيدة والمبشرة للفريق الكتالوني في قادم المواعيد، هو الأداء الدفاعي المنضبط كثيرًا عن قبل وظهر به برشلونة بالفترة الأخيرة، فأعاد سيرجي روبيرتو لمركز الظهير الأيمن الذي تألق فيه من قبل مع لويس إنريكي، وثبت بيكيه بجانب لينجليه وألبا ظهير أيسر كما هو مع إعادة الصلاحيات الهجومية الكاملة للظهيرين لزيادة الضغط على الخصوم وفتح مساحات للاعبي الوسط ثم الأجنحة والهجوم للتغلغل من الداخل وإحداث الفارق وصنع الخطورة الكاملة والفرص الكثيرة للتسجيل.
كما هي طريقة برشلونة وتكتيكه الأصلي والخطير والذي افتقد تطبيقه بكامل الجودة والطريقة الصحيحة خلال الأعوام السابقة، وهو ما شكل خطورة برشلونة وظهوره بشكل وأداء هجومي قوي وكذلك دفاعي منضبط وأفضل بمراحل من قبل، بالإضافة لصرامة كومان الواضحة وشخصيته التي انعكست على ملامح الفريق في اللقاء وأعطته هيبه وشكل فريق جماعي عظيم، والتحرك كتلة واحدة للهجوم وكذلك للدفاع في تنظيم كبير أعطى لبرشلونة الكلمة العليا ومن أول دقائق المباراة على حساب فياريال الذي استسلم تمامًا لقوة البارسا ولم يكن له وجود، ومع ارتفاع نسق الأداء للبلوجرانا بتوالي المباريات وتحسن الجانب البدني أكثر والتجانس والتأقلم والانسجام أكثر مع كومان وطريقته وأسلوبه وتقديم اللاعبين أفضل ما لديهم في أرضية الميدان، بكل تأكيد سيعود برشلونة ماردًا كما كان من قبل ومخيفًا لكل خصومه.