موجة غضب اجتاحت قطاعات من المصريين ومن المهتمات والمهتمين بالنضال ضد العنف ضد النساء في العالم، بعد أنباء توجيه اتهامات لعدد من الشهود في قضية اغتصاب فتاة الواقعة المعروفة إعلاميًا باسم “قضية الفيرمونت”.
الجريمة التي أثارت الغضب جاءت وسط موجة من البوح التي استهدفت كشف نماذج من جرائم العنف الجنسي التي تعانيها النساء في مصر.
الغضب يعكس عمق الوجع بسبب تاريخ طويل من العنف ضد النساء، كما يعكس شكوكًا عميقة في قدرة النظام القضائي على التعامل مع تلك النوعية من القضايا، هذا بخلاف الغضب من ذكورية المجتمع الذي لا يزال يصمم على وصم ضحايا الاعتداءات الجنسية خاصة لو كن من النساء.
خلال تطورات تلك القضية انتشرت بعض الأخبار التي تأتي على ذكر أنواع من المخدرات تساعد على الاغتصاب والاعتداءات الجنسية.
والغريب في الأمر هو أن كثيرون جدًا لا يدركون خطورة تلك النوعية من المخدرات ولا يعرفون تأثيرها، وبالتالي يميلون للتشكيك في الضحايا مكتفين بتكرار السرديات التقليدية التي تلوم النساء في كل الحالات ولأتفه الأسباب.
ما لا يعرفه الكثيرون أن تلك النوعية من المخدرات سهلت في اغتصاب ما يقرب من 11 مليون امرأة في الولايات المتحدة، حسب إحصاءات وزارة الصحة الأمريكية.
وتعرف الوزارة “مخدرات الاغتصاب” بأنها أي نوع من المخدرات المستخدمة لتسهيل الاغتصاب أو الاعتداءات الجنسية.
وغالبًا ما يتم استخدامها بإضافتها إلى الكحول أو في مشروب دون علم الضحية.
ومن الآثار الجانبية لتلك المخدرات أنها تجعل الشخص مرتبكًا بشأن ما يحدث، وأقل قدرة على الدفاع عن نفسه ضد الاتصال الجنسي غير المرغوب فيه، أو غير قادر على تذكر ما حدث.
وحسب العديد من المواقع الطبية، يمكن لأي شخص استخدام عقاقير الاغتصاب أو الكحول، للسيطرة على شخص آخر كي لا يعرف ولا يتذكر ما حدث من انتهاك.
وعادة ما يتم إضافة مخدرات الاغتصاب إلى المشروبات دون علم الضحية.
ولأنها عديمة اللون والطعم والرائحة، فيمكنها الامتزاج بأغلب المشروبات، أو الطعام دون القدرة على اكتشافها.
وربما لم تكن الناجية من جريمة فندق الفيرمونت، لتعرف أنها تعرضت للاغتصاب الجماعي، لو لم يسجل الجناة جريمتهم بالفيديو للفاخر بها.
تشمل مخدرات الاغتصاب أنواعًا مثل: فلونيترازيبام (روهيبنول)، وحمض جاما هيدروكسي بيوتيريك (GHB)، وجاما بوتيرولاكتون (GBL)، والكيتامين.
وهي مخدرات قوية وتؤثر على الشخص بسرعة كبيرة، ويمكن أن يسبب مشاكل صحية خطيرة قد تصل إلى الموت.
تلك النوعية من المخدرات تستهدف الجهاز العصبي مباشرة، وهو ما يفسر تأثيرها السريع والقوي على الضحايا، ويشير متخصصون في المخدرات والسموم إلى أن عقار (GHB) يعزز الرغبة الجنسية كما يمنع الشخص من القدرة على اتخاذ قرار حر، وبالتالي فدسه في أي مشروب أو طعام يسهل ارتكاب جريمة الاغتصاب، حيث تكون الضحية منسلبة الإرادة وغالبًا لا تتذكر أي شيء من وقائع الاعتداء بعد إفاقتها من تأثير المخدر.
وفي مجتمع مثل المجتمع المصري يمكن ابتزاز الضحايا بتصويرهن خلال عملية الاغتصاب، وإجبارهن على الخضوع لجرائم اغتصاب تالية خوفًا من الفضيحة والوصم.
ومن العوامل الأخرى التي قد تسهل الابتزاز أن تلك النوعية من المخدرات لها صفات إدمانية، حيث أنه تؤثر بشكل مباشر في الجهاز العصبي المركزي. وبالتالي يمكن استغلال الضحايا جنسيًا مقابل منحهن/منحهم جرعات المخدر.
ولتصور حجم الخطر لا يسعنا إلى التذكير بإحصاءات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن امرأةً واحدة من بين كل 10 سيدات تعرَّضن للاغتصاب تقوم بإبلاغ الشرطة.
وبالتأكيد تنخفض تلك النسبة في المجتمعات التي تمارس اضطهادًا على النساء، كالمجتمع المصري والمجتمعات العربية.
ما لا يدركه كثيرون في مجتمعاتنا أن الاغتصاب ليس فعلاً جنسيًا ولكنه “عنف” يمارسه صاحب السلطة (غالبًا ما يكون الرجل) على الأشخاص الأقل سلطة أو الأكثر عرضة للخطر كالنساء والأطفال.
هذا النوع من عدم الوعي ليس وليد اللحظة، ولكنه تراكم عبر قرون طويلة من السيطرة الذكورية حتى باتت واقعًا يتعامل معه الغالبية على أنه “طبيعيا”، وهو تحديدًا ما يدفع بطرح تساؤلات عقيمة من نوعية “لماذا ذهبت الفتاة؟، ويجهل من السهل لوم الضحية والتشهير بها بدلاً من مواجهة الجريمة نفسها.
تلك النظرة الذكورية هي التي سهلت تحويل قضية فندق فيرمونت من جريمة اغتصاب إلى “تعاطي مخدرات” و”تنظيم أو المشاركة في حفلات جنس جماعي”. الرأي العام مستعد دومًا للخيار الأكثر سهولة وهو لوم النساء بدلاً من قبول ممارسات غير معتادة تتعلق بالحريات الجنسية.
فكان الخيار بين قبول فكرة اقامة حفلات جنس جماعية ورفض الاغتصاب أو على الجانب الآخر تبرير جريمة الاغتصاب بتشويه الضحايا والناجياة والتشهير بهن تحت مزاعم “أخلاقية”.
وبالطبع كان الاختيار الأسهل هو تبرير الجريمة، وبالتالي عدم التحرك لمواجهة الواقع المتغير.
وتعود وقائع قضية فندق فيرمونت إلى بدايات أغسطس الماضي، حين انتشرت أنباء جريمة الاغتصاب المروعة، وتحرك المجلس القومي للمرأة ثم النيابة العامة التي فتحت تحقيقًا في الرابع من أغسطس بعد تلقي بلاغ من المجلس القومي للمرأة مرفقًا به شكوى قدمتها إحدى الفتيات إلى المجلس من تعدي بعض الأشخاص عليها جنسيًّا خلال عام 2014 داخل فندق “فيرمونت نايل سيتي”.
وفجأة شهدت نهايات شهر أغسطس تطورًا جديدًا، بتوجيه اتهامات للشهود بعدما تقدم دفاع المتهمين في واقعة الاغتصاب ببلاغ جديد.
وهو ما يعني فتح تحقيق في قضية ثانية لا تنفي بالضرورة القضية الأولى.
في تلك القضية الثانية، تضمنت الاتهامات “تعاطي مواد مخدرة، والتحريض على الفسق والفجور، وممارسة اللواط والسحاقية، وإقامة حفلات جنس جماعي، واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي، لإثارة مشكلات وهمية تخص قضية العنف ضد المرأة”.