في ظل حالة التوتر المحتدمة بين إيران وإسرائيل تعمل كلا من الدولتين على تعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية من جهة دون تجاهل للقوى الناعمة وتنشأة أبنائها تعليمًا بصورة تجعلهم قادرين على مجابهة بعضهما البعض.
وتحرص طهران وتل أبيب على الوصول إلى مرحلة مميزة في التطور التكنولوجي والتقدم العلمي حتى أصبح ملفي: “التعليم والتكنولوجيا”، مسرحًا للصراع بين الجانبين، ويأمل كل طرف في تحقيق التفوق على الآخر عبر بناء منظومة تعليمية مميزة، وهو ما نجح الجانبان فيه حتى الآن إذ حققا طفرة في المجالين خلال الفترة الأخيرة إلا أن إيران تمكنت حتى الآن من تحقيق الانتصار على إسرائيل في هذه الحرب الباردة، فكيف جاء ذلك؟
تستخدم الجامعات الفارسية، اللغة الإنجليزية في تدريس المواد مقررتها المعتمدة من قبل وزارة البحوث والتكنولوجيا الإيرانية
نجاح إيراني
استطاعت إيران تحقيق تطورًا كبيرًا في مجال التعليم والتكنولوجيا على الرغم من فرض عقوبات مغلظة أمريكية عليها ما تسبب في إحداث هزه اقتصادية كبيرة لها، إلا أن دعم العديد من قطاعات الدولة الفارسية للبحث العلمي جعل طهران تصل لمكانة علمية غير مسبوقة تتخطي بها الكثير من دول العالم الأول.
إذ تدعم الحكومة الملالية العمل في الأبحاث العلمية، الخاصة بالعلوم، والهدسة الوراثية، والاستنساخ، والهندسة الزراعية، والخلايا الجذعية، وأنظمة الاتصالات بالليزر، وكذلك البحوث النووية رغم العقوبات الرامية لتحجيم تخصيبها لليورانيوم وكذلك إدارة الملف النووي.
خطط حكومية
وكشفت الخطط الحكومية، أن إيران تعمل على زيادة مخصصات قطاع البحث العلمي عام 2030 إلى 40% من دخلها القومي، لتصبح بذلك الأولى عالميًا التي تخصص تلك الميزانية الضخمة لخدمة العلم.
إلا أن العقبة الكبرى التي تقف أمام طموحات التطوير النهضة الفارسية تتمثل هجرة أصحاب الخبرات العلمية، نظرًا للأزمات الاقتصادية التي تواجهها بلادهم، بالإضافة لرغبة الباحثين العمل دون قيود حكومية وهو ما لا يتوفر في طهران، إذ تعد طهران الأولى في الشرق أوسطية في استخدام تكنولوجيا الإنترنت والهواتف المحمولة، في الوقت الذي تقيد الحكومة مواطنيها في استخدامه، ما أسفر عن هجرة أكثر من 150 ألف متخصص خارج البلاد.
تحتل إسرائيل مكانة مميزة بين دول العالم المتقدم في الأبحاث العلمية الخاصة بالعلوم البحثية والتطبيقية
الحكومة الإيرانية لم تترك هذه المناسبة دون توجيه الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأن عقوبتها الاقتصادية تسبب في هجرة علمائها، وعملت طهران على بذل أقصى طاقتها لاستقطاب هؤلاء العلماء والعمل على توفير بيئة مناسبة لهم.
دور المجتمع المدني
الجمعيات غير الحكومية العاملة في طهران وعلى رأسها جمعية “أصحاب العمل الحر” عملت على دعت الشباب إلى العمل في مجال الأبحاث والأعمال الحرة، وساعدت على تقليل مخاوفهم الخاصة باستقرار الدخل، الذي يجبر الشباب متمسكين بالوظائف الحكومية والخاصة، وتعمل هذه الجمعيات على توفير ضمانات اجتماعية للباحثين حالة فشلهم.
بينما تبنت بعض الجمعيات الأخرى أفكار هؤلاء الشباب ومن بينهم الطلاب، وعملت على إمدادهم بإمكانيات كبيرة لتحفيز إبداعهم وحس الابتكار لديهم، ما جعل إيران تشتهر على الساحة التعليمية بوسع أفق أبنائها.
وعلى الرغم من الاختلاف السياسي بين التيارات الإصلاحية والمحافظة داخل إيران إلا أن هذا النهج الرامي لتعزيز المكانة التكنولوجية والعلمية الإيرانية اكتسب دعمًا كبيرًا من التيارين اللذان رأى أن ذلك النهج يهدف للارتقاء بدولتهم ما جعل تلك القضية تلقى الدعم من الشعب وقيادته ومعارضيه وبمختلف اتجاهاته.
أستاذ العلوم السياسية بمعهد التخطيط القومي هبة جمال الدين، كشفت في كتابًا لها أن إيران استطاعت في 30 عامًا الماضية تحقيق طفرة في مجال التعليم والتكنولوجي وحققت نقلة ملحوظة في العولمة الطبية وفي علوم الفضاء والخلايا الجزعة والاستنساخ.
استراتيجية خارج الحدود
تهتم طهران حاليا بإقامة اتفاقيات تعاون مشترك تهدف لبناء الكثير من المدارس والجامعات على مستوى العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت أخرها اتفاقية بناء 250 مدرسة في سوريا، بشرط تدرس اللغة الفارسية، وإشرافها على محتوي الدراسي المقرر.
بالإضافة إلى بناء العديد من الجامعات التي تبث الفكر الشيعي باعتبارها صاحبة الريادة لذلك المذهب في الشرق الأوسط.
من بين كل ألف طالب يلتحق بالجامعة في إسرائيل يتقدم 14طالب لكليات العلوم والتكنولوجيا
وعلى صعيد التعليم العالي، فإن لإيران نحو 8 جامعات بالمنطقة في كلا من: لبنان، والعراق، وسوريا، والكويت، وقطر وغيرهم، ولا تعمل في تلك الجامعات بالوتيرة ذاتها إذ تعمل في بعض الجامعات على تدريس مقررات كاملة أو مقررات فردية وكذلك منح دراسية وتدريبات ودراسات عن بعد.
خطة طويلة الأمد
الأكاديمي الإيراني “ديفيد راحني” والذي يعمل بجامعة بيس في “نيويورك” قال إن على الرغم من ارتفاع نفقات التعليم في الجامعات الإيرانية خارج حدودها، والتي تصل في الحصول علي رسالة الماجستير إلى أكثر من 185 ألف دولار، بينما الدكتوراه تصل تكلفتها إلى 60 ألف دولار من الجامعات الإيرانية في الداخل، فإن الحكومة لم يكن هدفها الأول هو الربح المادي بل أنها تعمل وفق أجندة استراتيجية طويلة الأمد، تظهر أن طهران مركزًا ثقافيًا رئيسيًا يربط بين الشرق الأوسط وأسيا.
إسرائيل تحارب إيران وتخشى سيطرتها على دول المنطقة في مجالي التعليم والتكنولوجيا
وتستخدم الجامعات الفارسية، اللغة الإنجليزية في تدريس المواد مقررتها المعتمدة من قبل وزارة البحوث والتكنولوجيا الإيرانية، فيما عدا بعض الدورات التي تعمل على تعليم اللغة الفارسية، حسبما ذكرت بعض وكالات الإنباء الفارسية.
استطاعت إسرائيل أن تثبت تفوقها وجدارته في مجال التعليم بمختلف أنواعه والتكنولوجيا أيضًا، إذ حصل أكثر من 12 شخصًا إسرائيلي علي جائزة نوبل منذ عام 2013، في مجالات متعددة ومختلفة من بينهما العلوم والاقتصاد والأدب، وغيرهما من المجالات.
نهج إسرائيلي
أستاذة السياسة هبة جمال الدين أشارت في كتابتها أن كلا من البلدين طهران وتل أبيب يعملان على زيادة تقدمهما في ملف القوى الناعمة وفرض نفوذهم في المنطقة، إذ عملت إسرائيل على تشكيل هويتها من نحو 80 جنسية، وأن اختلاف الأعراق والديانات داخل الدولة الإسرائيلية أثر علي التعليم العام فيها، إذ تعمل علي الاستفادة القصوى من هذا ذلك التنوع، في الوقت ذاته تدرج تلك الأعراق تحت طائلة التعليم الإسرائيلي الذي يعزز تاريخ الدولة الوهمي، وتوثيق اللغة الخاصة بهم عبر التعليم، لتصبح كل الأعراق وكل الجنسيات تتحدث اللغة العربية وتدرس تاريخ دولتهم.
التعليم في إسرائيل
تحتل إسرائيل مكانة مميزة بين دول العالم المتقدم في الأبحاث العلمية الخاصة بالعلوم البحثية والتطبيقية، كما تحتل أبرز التصنيفات العالمية للجامعات، وتنفق الحكومة الإسرائيلية علي الأبحاث العلمية أكثر من 5 % من دخلها القومي، وتمتلك أكثر من 55 مؤسسة للتعليم العالي و 23 مؤسسة لتأهيل المعملين.
وفي الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على محاربة إيراني التي تفرض سيطرتها على دول المنطقة في مجالي التعليم والتكنولوجيا، فإن تل أبيب دائمًا ما تعرب عن قلقها من ذلك النفوذ.
مخاوف إسرائيلية
جنرال عسكري حاضر في إحدى الجامعات الإسرائيلية قال نحن نخوض حربًا مع إيران على كافة المستويات، فنحن نواجه أمامهم حربَا تكنولوجيَا، مهندسينا يقاتلون مهندسي طهران، والوضع أصبح ذو أهمية بشكل متزايد.
وأضاف الفجوة بيننا وبين إيران تتقارب فهم يعملوا على أن تخطينا تكنولوجيَا فأعداد طلابهم في تزايد، والتحاق طلابهم بالجامعات الخاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والرياضة في إزياد غير مسبوق وهذا ما يدعو للقلق، نحن الأن في حربًا تكنولوجية معهم .
حصل أكثر من 12 شخصًا إسرائيلي علي جائزة نوبل منذ عام 2013
معهد “نيمان التخنيون” الإسرائيلي أصدر تقريرًا وضع فيه مقارنة بين الثروة البشرية التي تضمها كل من البلدين في قطاع التعليم، وأظهر أن
من بين كل ألف طالب يلتحق بالجامعة في إسرائيل يتقدم 14طالب لكليات العلوم والتكنولوجيا، بينما يقدم 25 طالبًا إيرانيًا على ذات التخصص ألف وسط تزايد كبير خلال السنوات المقبلة.
المخاوف الإسرائيلية عززها تقرير منظمة اليونسكو الأممية الذي أشار إلى وصول إيران الي المرتبة السابعة من حيث حجم الأوراق العلمية المتعلقة بالنانو تكنولوجي وهو ما دعي العديد من المسؤولين الإسرائيليين داعمين لتعزيز العقوبات على إيران، التي تعمل وتتقدم رغم العقوبات، بل وتحقق التفوق الكبير على إسرائيل.