حتى أشهر قليلة، وربما أسابيع، كان محترفنا المصري محمد النني، بلا ظهير شعبي يذكر، لا مصريون مقتنعون به ولا إنجليز يقدرونه، وصل تصنيفه من البعض باللاعب عديم الفائدة، حتى دارت عجلة المسابقات في أوروبا لنرى شخصا آخر، أو بالأحرى نسخة أخرى من النني.. نسخة أرتيتا.
النني كان حاضرا بقوة في فوز فريقه أرسنال الإنجليزي أمام مانشستر يونايتد في ملعب الأخير أولد ترافورد، حيث قاد المدفعجية لإنجاز تاريخي بتحقق الفوز الثاني تواليًا على يونايتد في ملعبه منذ عام 1925، مما أجبر الجميع على رفع القبعة للفرعون المصري الذي أعاد اكتشاف نفسه.
تشكيكات كثيرة صاحبت عودة نجم وسط الفراعنة إلى فريقه أرسنال الإنجليزي، بعد نهاية فترة الإعارة التي قضاها رفقة فريق بشكتاش التركي بالموسم الماضي، حيث توقع الأغلبية عدم استمراره في صفوف الجانرز ثانية، خاصة مع عدم اقتناع أوناي إيمري المدرب السابق للفريق بقدراته ومطالبته له بالبحث عن ناد آخر.
ربما توقع كثيرون عدم اقتناع مايكل أرتيتا المدرب الحالي هو الآخر بخدماته ويطلب رحيله عن الفريق اللندني بالميركاتو الصيفي الحالي، لكن التوقعات تحطمت على صخرة تألقه اللافت. لنرى ماذا فعل الفرعون هذا العام؟
نوعية مختلفة تمامًا عن لاعبي وسط أرسنال
ربما يقدم كل من جرانيت تشاكا وداني سيبايوس جودة فنية أكثر من النني، لكنهم ببساطة لن يتمكنوا من تغطية نفس المساحات التي غطاها لاعب الوسط المصري في مباراة يوم الأحد، حيث لعب النني أكبر عدد من التمريرات في وسط ملعب الخصم على مستوى الفريقين، وقام بنقل الكرة بدقة وأمان كبيرين، كذلك قدم الذكاء الدفاعي والجودة في توزيع الكرة مع التزام لا يلين.
بلا شك النني مميز في أمور فنية واضحة تنقص لاعبي وسط أرسنال، فلديه خصائص فنية مناسبة تمامًا لأسلوب لعب أرتيتا مع الفريق، فهو اللاعب الوحيد القادر على استلام الكرة بهدوء وبناء الهجمة ولعب التمريرات القصيرة والسريعة للخروج من الضغط بإتقان وكذلك التمريرات الطولية والعرضية بطريقة رائعة، ليصبح حل مهم لمنظومة عمل الفريق الفنية والتكتيكية.
ويخدم طريقة لعب أرتيتا كثيرًا وجود لاعب بقدرات النني القادر على الدفاع ثم الارتداد للهجوم من منطقة جزاء فريقه لمنطقة جزاء خصمه وصنع الفارق أيضًا.
قدراته الهائلة في الاستلام والتسلم والتمرير بدقة عالية يجعله الخيار الأول للمدرب في طريقة الاستحواذ على الكرة التي يطبقها مع أرسنال، ومتفرد بها عن سائر زملائه بنفس مركزه كتشاكا وبارتي وسيبايوس المعار من ريال مدريد والمتميز في تلك الجزئية، ولكنه يميل للهجوم أكثر من الدفاع وكذلك اللاعب على الدائرة كلاعب رقم 8 وليس مركز 6 الذي يجيده النني بشكل رائع، خصائصه الفنية المختلفة جعلت مركزه مضمونًا مع أرتيتا بشرط تقديم نفس المستوى الجيد الذي ظهر به مؤخرًا بداية من لقاء ليفربول بالدرع الخيرية وصولاً لمباراة يونايتد بالأمس، والثبات عليه والتطوير وعدم التراجع خطوة للوراء ثانية وهي مسئولية اللاعب تمامًا.
+90
في الدقيقة 91 عندما أخذ محمد النني نفسًا عميقًا واستجمع قوته وانطلق في سباق أخير للضغط على لاعبي اليونايتد لإبعاد الكرة عن مناطق فريقه الدفاعية، وواصل الضغط حتى منتصف الملعب إلى أن أصيب فيكتور ليندلوف بالذعر وفقد السيطرة وأخرج الكرة للتماس.
في هذه اللقطة، وقف بدلاء أرسنال والطاقم الفني جميعًا وصفقوا تشجيعًا للاعب المصري، ليس فقط بسبب المجهود البدني في النفس الأخير من المباراة، ولكن لأنها لقطة تمثل ما يريده الجميع، التضحية بنفسك من أجل الفريق، والقتال حتى النهاية، وهذا أهم ما يميز محمد النني في حلته الجديدة مع أرتيتا، فنشاهد نسخة مختلفة تمامًا وأفضل وأنضج كثيرًا من التي قدمها بالسنوات الماضية، وهذا ما ذكرته صحيفة “الجارديان” البريطانية في تقرير لها صباح اليوم عن أدائه.
درس أرتيتا
يجب أن تكون عودة النني إلى الظهور درسًا لأي لاعب يفقد حظه تحت إدارة أرتيتا، لقد أظهر أنه مع الإيمان الكامل بقدراته والسلوك والالتزام المطلوبين، سيكون هناك دائمًا طريق للعودة، فبعد أن أُعير إلى بشكتاش العام الماضي وكان قد انطلق البريميرليج بخمس جولات كاملة وشارك بهم في الموسم الأول لأوناي إيمري، وكان الكثيرون يتوقعون أن يغادر النني النادي هذا الصيف، عندما أصبح واضحًا أنه سيبقى، كان الافتراض أن اللاعب البالغ من العمر 28 عامًا لن يكون ضمن القوام الرئيسي للفريق.
حيث سيكتفي بالمشاركة في منافسات الكأس ويوفر خيارًا من مقاعد البدلاء ولكنه لعب الموسم الأول بنسبة مشاركة مرتفعة، وهذا الحال تكرر هذا الموسم كذلك عندما وصل توماس بارتي من أتلتيكو مدريد مقابل 45 مليون باوند بالميركاتو الصيفي، ومع ذلك فقد بدأ النني ثماني مباريات مع أرسنال أساسيًا ومباراة واحدة فقط تخلف عن البدء بها وهذا يوضح حجم إيمانه التام بقدراته وعمله الشاق في التدريبات رغم ما يقال عليه ومن يشكك بقدراته دائمًا، وكذلك ثقة المدرب به الكبيرة التي تدفعه للتألق من جديد.
حماس لاعب وثقة مدرب
حماس النني الواضح في العودة لدائرة الأضواء مجددًا حتى يجد لنفسه مكانًا في تشكيل أرسنال، بعدما عانى كثيرًا بالعام الماضي ليجد ناديًا مناسبًا له بعد طلب إيمري رحيله، كل هذا الشغف باستعادة مستواه ومكانته بأرسنال ثانية بعد رحيل المدرب الذي لم يقتنع به “إيمري” ومجئ مدرب شاب طموح لديه مشروع جديد وخاص، جعل النني في أعلى مستوياته لبدء صفحة جديدة مع أرسنال وفي مسيرته عمومًا وإلا سيفوته القطار ولن يجد لنفسه مكانًا في الفريق أو ربما البريميرليج مرة أخرى.
بدأت العلاقة مع أرتيتا بعدما أدى بشكل رائع أمام ليفربول بالدرع الخيرية ووعده بمنحه فرصته كاملة والمشاركة بالمباريات والموسم الجديد من الدوري حتى يأخذها كاملة ولا يكون قد ظلمه مثل المدرب الماضي، وقد كان وتمسك بها النني وقدم عدة مباريات على أعلى مستوى وصولاً لمباراة يونايتد بالأمس وكان في قمة أدائه الفني والبدني.
وأقنع المدرب أرتيتا كثيرًا بضرورة بقائه أساسيًا مع الفريق وأنه لا غنى عنه بوسط الجانرز هذا الموسم، مثلما كان الحال تمامًا مع الفرنسي المخضرم آرسين فينجر الذي جلب اللاعب المصري لفريقه من بازل السويسري واعتمد عليه كثيرًا، وأشاد به في عدة لقطات وانتقد قرار إيمري باستبعاده من حساباته طوال السنتين الماضيتين، ويبدو أن أرتيتا سار على خطى أستاذه فينجر واقتنع هو الآخر بقدرات الفرعون في وسط المدفعجية.
أسباب كثيرة وراء اقتناع أرتيتا بأهمية وجود النني بوسط فريقه خلال الموسم الجديد والإبقاء عليه، ولكن أهمها على الإطلاق هو ظهوره بشكل رائع خلال فترة الإعداد القصيرة ثم مباراة الدرع الخيرية أمام ليفربول، مستوى اللاعب المصري المميز والذي شهد له الجميع بذلك أمام بطل الدوري الممتاز في مباراة السوبر، جعله يختار مصيره بيده ويقنع مدربه وزملائه وكذلك جماهير الفريق اللندني بضرورة بقائه مع الجانرز.
أرقام استثنائية أمام يونايتد
كانت بلا شك ليلة استثنائية وخاصة للفرعون في مسرح الأحلام أمام مان يونايتد، فقدم واحدة من أفضل مبارياته على الإطلاق وقاد بها فريقه للفوز بهدف نظيف على أصحاب الأرض، وحصل على أعلى تقييم بين الجميع في أرضية الميدان 8.6 ليكلل مجهوده بأرقام مميزة وخاصة أخرى في ليلة ساحرة للنني ببلاد الضباب.
حيث نجح بمفرده في الاستحواذ على الكرة بنسبة 5.8 %، كما بلغت نسبة تمريراته الصحيحة 89 % وهو معدل عالٍ للغاية لم يصل إليه أي لاعب آخر سواه، حيث مرر الكرة 62 مرة منهم 55 تمريرة دقيقة، كما فاز في الصراعات الهوائية مرة واحدة، ولم يفقد الاستحواذ على كرته طوال المباراة، وصوب تسديدة واحدة فقط وكانت خارج مرمى مانشستر يونايتد، في أرقام مميزة للغاية لنجم وسط المنتخب المصري.
كما أنه ركض مسافة 12 كيلومترا خلال المباراة، وهو أكبر معدل ركض خلال اللقاء، بين لاعبي أرسنال إجمالاً ليضيف رقمًا آخرًا مميزًا له في لقاء الأولد ترافورد.