لم تحمل النتائج النهائية للمرحلة الأولى بانتخابات مجلس النواب أية مفاجآت غير متوقعة للمتابعين، فلم يخذل الصندوق مستقبل وطن أو “القائمة الوطنية من أجل مصر”، لكنه أدار ظهره لأحزاب كبيرة مثل حزب الوفد الذي خرج صفر اليدين على مستوى الفردي، وابتسم قليلا لوجه معارض يتيم ضمن الإعادة.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن فوز 32 مرشحًا فرديا في الجولة الأولى بمحافظات المرحلة الأولى في 18 دائرة في 4 محافظات بالأغلبية المطلقة 50+1 من عدد الناخبين الحاضرين، منها 12 دائرة بمحافظة الجيزة، ودائرة واحدة بمحافظة الفيوم، و3 دوائر بالبحر الأحمر، ودائرتين بالإسكندرية، فيما فازت “القائمة الوطنية من أجل مصر” في كل من دائرتي غرب الدلتا وجنوب الصعيد.
حزب مستقبل الذي يعده المراقبون “مهندس” هذه الانتخابات منذ إقرار القوانين المنظمة لها واحتضانه نقاشات تشكيل قائمتها الأكثر حظا، فاز بـ25 مقعدا من الجولة الأولى وينتظر فوز ضعفهم على الأقل في جولة الإعادة، حيث ينافس بـ86 آخرين.
فوز مستقبل وطن كان محسوما في بعض الدوائر التي ترشح عنها نواب سابقون أو رجال أعمال أصحاب نفوذ، بينما لجأ إلى أياد خارجية في دوائر أخرى لم يكن مرشحو الحزب الأكثر حظا فيها، حسبما صرحت حملات بعض المنافسين.
الحزب تبني قاعدة “كل نفسك قبل ما حد يأكلك” من خلال الدفع بأكثر من مرشح في دائرة واحدة، لحسم مقعدها لصالحه، وهو ما فسره الحزب في وقت سابق بأنه يرجع لامتلاكه قاعدة شعبية كبيرة وكوادر تغطي أنحاء مختلفة في الجمهورية. ولم يغفل الحزب الاعتماد على أسلوب التحالف مع المنافسين من أجل تعطيل منافسين آخرين.
الجيزة.. أرض المعارك والصفقات
في دائرة الجيزة على سبيل المثال، التي تضم أقسام “الدقي- العجوزة –الجيزة” ومخصص لها مقعدين، فاز رجل الأعمال محمد أبو العنين بعدد أصوات بلغ 125 ألف صوت، فيما حل زكي عباس ثانيا في الدائرة بـ83 ألف صوت. وخرج النائبان عبدالرحيم علي وأحمد مرتضى منصور من السباق لصالح مرشح مستقبل وطن زكي عباس.
فوز أبو العنين لم يحمل مفاجأة بالنسبة للمتابعين، حيث يحظى النائب الحالي بشعبية كبيرة في منطقة الجيزة إلى جانب الدعاية الضخمة التي أنفقها الرجل من أجل حسم المقعد، خصوصا أنه قرر الترشح مستقلا بعيدا عن حزبه مستقبل وطن، لأسباب تنظيمية لم يفصح عنها.
مستقبل وطن وفر مقعدا بدلا من أبو العينين في القائمة الوطنية اعتمادا على فوزه المضمون في دائرته، بل واستغل شعبيته الكبيرة في حسم المقعد الآخر في الدائرة بتوجيه الأصوات إلى المرشح المجهول بالنسبة للجيزاوية زكي عباس، بهدف تعطيل الصحفي عبدالرحيم علي، ونجل مرتضى منصور.
التسريبات الأخيرة المنسوبة لرئيس تحرير البوابة نيوز عبدالرحيم علي، التي هاجم فيها مسؤولين بالدولة، ساهمت بشكل ما في القضاء على فرصه في حسم أحد المقعدين.
وعبر علي مرارا وتكرارا عن شكواه من سيطرة المال السياسي في دائرته، كما اتهم كتائب الإخوان المسلمين بمحاولة تشويهه من خلال تسرب المكالمة المنسوبة له مع طليق ابنته المستشار ماجد منجد.
ولم يكن متوقعا أيضا أن يحصل أحمد مرتضى منصور على نسبة كبيرة من أصواته دائرته في ظل المنافسة الشرسة بين أبو العنين ومرشحي مستقبل وطن زكي عباس ومنتصر رياض، خصوصا بعد اتساع الدائرة لتشمل أحياء الجيزة والدقي والعجوزة.
في محافظة الجيزة أيضا، ولكن في دائرة إمبابة، استغل الحزب شعبية النائبة نشوى الديب وعقد صفقة مفاجئة بين الديب ومرشحه طارق سعيد حسنين، بتحالفهما انتخابيا من أجل النجاح سويا.
الديب كانت أول سيدة تفوز من الجولة الأولى على مقاعد الفردي في هذه الانتخابات واستطاعت حصد 71 ألف صوت في دائرة جماهيرية كبيرة مثل إمبابة، ما يعكس حجم شعبيتها التي خشى منها مستقبل وطن للتأثير على مرشحه طارق حسنين.
أما في دائرة العمرانية والطالبية، حقق الحزب فوزا بشق الأنفس على حساب مرشح يحسب على المعارضة المتحالفة مع الحكومة حيث فاز محمد على عبد الحميد وأحمد عاشور، مرشح حزب الشعب الجمهورى، على نائب العمرانية محمد فؤاد، المرشح عن حزب المصري الديمقراطي، رغم إعلان الأخير جولة الإعادة بعد مرور ساعات من فرز الصناديق.
ورغم مشاركة الحزب المصري الديمقراطي في القائمة الوطنية من أجل مصر، إلا أنه اتهم شركاءه في نفس التحالف بالتلاعب الفج بإرادة الناخبين، واصفا ما حدث في العمرانية والطالبية وبعض دوائر الجيزة بأنه أصاب أعداد كبيرة من المواطنين بصدمة كبيرة ومن المتوقع أن يعيدهم إلى مربع الإحباط والعزوف عن المشاركة.
الشعب الجمهوري المنافس الجديد
اتهامات المال السياسي والتأثير على إرادة الناخبين لم تلاحق مستقبل وطن فحسب، إنما لاحقت حزب الشعب الجمهوري أيضا في دائرة حلايب وشلاتين، لكن هذه المرة من حزب معارض لا يتحالف مع السلطة، وهو حزب المحافظين، الذي خسر مرشحه مصطفى كنشيب لصالح علي نور مرشح حزب الشعب الجمهوري.
وقال الحزب إن انتخابات هذه الدائرة شهد تزويرا رسميا لصالح الشعب الجمهوري، رغم تسلمهم محاضر الفرز من اللجان الانتخابية وتهنئة مرشحهم بالفوز في العملية الانتخابية.
مقعد حلايب ضمن 4 مقاعد حسمها الشعب الجمهوري في الجولة الأولى، وينتظر خوض الإعادة في 19 دائرة، ما يجعله الحزب رقم 2 في البرلمان المقبل.
أسس حزب الشعب الجمهوري، في سبتمبر 2012 برئاسة المهندس حازم عمر، إلا أنه لمع نجمه بشدة بعد 3 سنوات حين حصد الحزب الوليد 13 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2015.
ودعم الحزب، صفوفه جيدًا في الأشهر الأخيرة بحوالي 50 شخصية ينتمي أغلبها إلى مجتمع رجال الأعمال، أبرزهم أحمد أبو هشيمة الذي انتقل من دعم “مستقبل وطن” إلى “الشعب الجمهوري”، وشغل منصب نائب رئيس الحزب، وحصل مؤخرا على عضوية مجلس الشيوخ.
“خسائر الوفد مالهاش عد”
تجسد الانتخابات الحالية أزمة التخبط الإداري وحرب المصالح التي يعيشها حزب الوفد على خلفية انقسام الوفديين حول استمرار المستشار بهاء أبو شقة في منصب رئيس الحزب.
ودفع الحزب فاتورة التدخلات والانقسامات بخروجه صفر اليدين من الجولة الأولى التي دفع فيها بـ28 مرشحا خسروا جميعا، ليكرر سقوطه المدوي في انتخابات مجلس الشيوخ التي اكتفى فيها بـ6 مقاعد فازوا عن طريق القائمة وخسر 22 مقعدا بنظام الفردي.
حزب الأمة ربما يكتفي المقاعد المخصصة له في القائمة الوطنية، لتتضاءل فرصة في إحداث أي تأثير داخل مجلس النواب، وربما يكون التمثيل الأضعف له في العقود الأخيرة، خصوصا أن القائمة خصصت له 6 مقاعد فقط من داخل الحزب بينما دفعت بـ13 سيدة ليست بينهن عضوات بالحزب.
معارض يتيم
بخسارة مرشح المحافظين ومرشحي الحزب المصري الديمقراطي، لم يبق للمعارضة ممثلا في انتخابات المرحلة الأولى سوى النائب الحالي هيثم الحريري الذي استطاع أن يصل إلى جولة الإعادة في دائرة محرم بك بالإسكندرية، ويستعد للتنافس مع ثلاثي على مقعدي الدائرة.
ولم يكن يمتلك الحريري، مرشح ائتلاف 25/30 النيابي المعارض، فرصة كبيرة في ظل المنافسة الشرسة بعد اتساع الدائرة في قانون تقسيم الدوائر، لكنه نجح في الحصول على 22 ألف صوت ليضمن دخول الإعادة أمام مرشح مستقبل وطن محمد جبريل الذي حصل على 39 ألف صوت، إلى جانب محمود سامح الذي حصل على 29 ألف صوت وعمرو كمال الذي حصل على 16 ألف صوت.