في الثاني والعشرين من أبريل 1980، عقد بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني، اجتماعًا منفردًا استمر قرابة 45 دقيقة، مع شخص لم يكن رئيسًا أو زعيمًا شعبيًا، وإنما عضوًا بمجلس الشيوخ الأمريكي، بالكاد أتم عامًا من ولايته الثانية، هو جو بايدن الرئيس الحالي الثاني كاثوليكيًا بعد سلفه جون كيندي في تاريخ الولايات المتحدة، وفق النتائج التي أعلنتها أمس عديد من وسائل الإعلام الأمريكية.
حينها، اتسم اللقاء بين البابا الراحل وجو الشاب بكثير من الود “إذ منع البابا مساعديه من مقاطعة اللقاء عدة مرات، ولم يجلس على مكتبه، بل إلى جوار بايدن، حيث ناقشا عددًا من الأمور السياسية بدءًا من سياسات أوروبا الشرقية إلى انتشار الشيوعية في أمريكا اللاتينية”، وفق ما ذكرت خدمة الأخبار الكاثوليكية التابعة للفاتيكان في أرشيفيها عن هذا الاجتماع.
نظرة مختلفة للدين
رغم هذا اللقاء الودي، لم يلتزم بايدن بتقليد متعارف عليه عند تحية كبار رجال الدين، رافضًا تقبيل خاتم البابا، وهو ما يُفسر نظرة بايدن للأمور الدينية، القائمة على تجنب الهوس بالطاعة للكرسي الرسولي في مسائل السياسة، وهو أمر لطالما شغل المجتمع الأمريكي في حكمه على السياسيين ذوي المعتقدات الكاثوليكية، وأشهرهم الرئيس السابق جون كيندي، الذي واجه اتهامات خلال فترة ترشحه للرئاسة، بمحاولة إرضاء تعاليمه الدينية على حساب مصالح الولايات المتحدة، ما اضطره إلى شراء نصف ساعة من البثّ التلفزيوني، لمخاطبة الناخبين في ولاية ويست فيرجينيا، ليؤكد لهم إيمانه بقيم الدستور الأمريكي لناحية الفصل الكامل بين الكنيسة والدولة.
وبالعودة إلى بايدن، فإن موقفه القديم مع بابا الفاتيكان الراحل يفسر أيضًا التباين الواضح بين موقفه كرئيس وإيمانه ككاثوليكي متدين، في المسائل الخلافية، ومنها سياسة الإجهاض.
ولد جوزيف روبينيت بايدن، لأسرة كاثوليكية من أصول إيرلندية، في 20 نوفمبر عام 1942، في مدينة سكرانتون العمالية الواقعة شمالي شرق بنسلفانيا، وهي الولاية التي حسمت له وصوله إلى حلم سعى سنوات منذ 1987 حتى تمكن من تحقيقه.
تشرب بايدن تعاليمه الدينية على يد راهبات مدينته، وهو ما يبدو جليًا في تصرفاته وفي حملته الرئاسية وشعارته ومسبحته التي تلازمه في كل جولاته، وحتى في استعداده لإعلان نتائج الانتخابات التي تنافس فيها أمام دونالد ترامب، إذ توجه إلى الكنيسة صباح الثلاثاء الماضي، وزار قبر ابنه المتوفي بو بايدن، في مؤشر على مدى اهتمامه باتباع التقاليد الكاثوليكية.
لكنه مع ذلك، لم يحصل سوى على ما يتراوح بين 37 و49% من أصوات الكاثوليك الأمريكيين في أحدث استطلاع للرأي، وفق ما أورد موقع “ناشيونال كاثوليك ريبورتر” الأمريكي، الذي أرجع تصويت نسبة الـ 50% الأخرى من الكاثوليك لصالح ترامب إلى سبب وحيد، هو موقف الديمقراطيين من مسألة الإجهاض.
ما هو موقف بايدن من الإجهاض؟
في تغريدة عبر حسابه بـ”تويتر” أكتوبر الماضي، اتهم الجمهوري دونالد ترامب منافسه الديمقراطي على منصب الرئيس، بأنه مؤيد لعمليات الإجهاض المتأخر، وكتب داعيًا الأمريكيين للتصويت له بدلاً من بايدن “الديمقراطيون يؤيدون جدًا الإجهاض المتأخر حتى وقت الولادة، وهو أمر بمثابة الإعدام. حتى أن بايدن أيد حاكم ولاية فرجينيا، الذي صرح بهذا بوضوح.. ليسمع الجميع. أخرجوا وصوتوا في الانتخابات”.
Biden and Democrats just clarified the fact that they are fully in favor of (very) LATE TERM ABORTION, right up until the time of birth, and beyond – which would be execution. Biden even endorsed the Governor of Virginia, who stated this clearly for all to hear. GET OUT & VOTE!!!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 6, 2020
كان ذلك ردًا على تصريح أدلى به بايدن، أكد خلاله أنه سيتحرك لحماية حقوق الإجهاض، إذا أسقطت المحكمة العليا قرار “رو ضد ويد”، التاريخي الذي حمى حق المرأة في الإجهاض بالولايات المتحدة.
وهنا، أوضحت مجلة “نيوزويك” الأمريكية، في تقرير حول هذا الاتهام، أن المسألة لدى بايدن أكثر تعقيدًا مما ادعاه ترامب، فيما نقلت عن تصريحات سابقة لسكرتيره الصحفي، بأن بايدن “يعتقد بشكل راسخ أن قانون رو ضد ويد لا ينبغي نقضه”، وأنه والحزب الديمقراطي يؤمنون بضرورة حصول كل امرأة على إمكانية الوصول إلى إجهاض آمن وقانوني، لكنه لا يحدد موقفه بشأن المدة التي يجب أن يتم فيها إجراء الإجهاض في الحمل.
رئيس يوحد الأمريكيين
ورغم أن ترامب حافظ خلال مدة الحملة الانتخابية بأكملها على تكرار هذا الاتهام لبايدن والتشكيك في سياساته الأخرى، حافظ بايدن على خطابه الذي بدا في كثير من الأحيان إيمانيًا، وتابع التزامه باقتباسات الكتاب المقدس، مخاطبًا الأمريكيين بمسعاه نحو محاربة العنصرية وإنهاء التمييز بين المواطنين، وانتشال “الأمة من البرية”، وهو ما فسره البعض بأنه أحد أسباب فوز بايدن في مقابل ترامب، الذي اتسمت فترة إدارته بظاهرة العنصرية والاحتجاجات القائمة على أساس اللون والعرق، إلى جانب أزمة كورونا التي أخفق ترامب شخصيًا في التعاطي معها، رغم ما حققه من مكاسب اقتصادية داخلية.
وفي خطاب فوزه أمس، تعهد الرئيس المنتخب الـ 46 للولايات المتحدة جو بايدن أمام أنصاره في ويلمينغتون ديلاوير بأن يكون “أميركيًا يوحد الجميع ويسعى لأن يحظى بثقة الجميع”، مضيفًا أنه يتفهم خيبة أمل الذين صوتوا لترامب، مشيرًا إلى أن جزءًا من التفويض الذي أعطي له هو أن يتعاون الجمهوريون وداليمقراطيون من أجل رفعة أميركا”.
وحول أزمة كورونا، أكد بايدن أنه سيباشر فور تسلمه مهام منصبه بتشكيل لجنة من الخبراء للتعامل مع الجائحة، مضيفًا: “نحن مطالبون بالعمل لاحتواء فيروس كوفيد وبناء العدالة والقضاء على العنصرية”.
وتدليلاً على فرحة أنصار بايدن، نشرت شبكة “سي إن إن” مقطع فيديو، أظهر المعلق السياسي فان جونز، يبكي معلقًا على إعلان الرئيس الجديد، قائلاً إن “الوضع بات أفضل الآن للأمريكيين والآباء والمسلمين والمهاجرين”.
اقرأ أيضًا
بايدن رئيسًا ودونالد يلعب الجولف.. ترامب يواصل التشكيك في نزاهة الانتخابات الأمريكية
بعد إعلانه الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة.. محطات بايدن نحو البيت الأبيض