تتسارع الأحداث في إثيوبيا بشكل خطير، وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية، مع اشتداد الصراع بين حكومة أديس أبابا التي يقودها آبي أحمد وحكومة إقليم تيجراي في الشمال، وذلك في أعقاب هجوم قال رئيس الوزراء إن “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي” استهدفت به حامية للجيش.
من هم التيجراي؟
يشكل التجراي نحو 6.1% من الشعب الإثيوبي، يعيش أغلبهم في إقليم خاص شمالي البلاد، وهم القومية الأكثر سيطرة على اقتصاد البلاد، وأصحاب الكلمة العليا في الحكومة الإثيوبية منذ مطلع التسعينيات وحتى العام 2018، حينما تراجع نفوذهم مع تسلم رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، المنتمي لإثنية الأرومو.
لعبت جبهة “تحرير شعب تيجراي” دورًا هامًا في التحالف الذي أطاح بالنظام الماركسي وقائده في البلاد منجستو هيلا مريم عام 1991، بعد حكم دام 30 عامًا، كما ساهمت الجبهة في صياغة الدستور الذي يمنح الجماعات العرقية الحق في تقرير مصيرها ودولتها الذاتية.
ويتكون النظام السياسي في إثيوبيا من عشرة أقاليم تتمتع بإدارات ذاتية مستقلة، بينما أكبر العرقيات هي “أوروميا” التي ينتمي إليها آبي أحمد، تليها الأمهرة، ثم العرقيات الأخرى ومن بينها “تيجراي”.
يملك إقليم “تيجراي” الذي حكم البلاد لمدة ثلاث عقود جيشًا محليًا، يضم 250 ألف جنديًا، ويمثل أبناء الإقليم نصف تعداد الجيش الفيدرالي، وهو ما يجعل الإقليم ذو أهمية كبرى على المستوى الاستيراتيجي والجغرافي، بحسب مجموعة الأزمات الدولية.
لماذا الحرب؟
حاول إقليم تيجراي، في وقت سابق، استغلال موقعه الجغرافي الهام والمجاور لإريتريا، في عرقلة اتفاق السلام الذي وقعه آبي أحمد مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ونال على خلفيته جائزة “نوبل للسلام”، إذ رفض الإقليم تسليم “مثلث بادمي” لإريتريا، ودعا إلى استمرار إغلاق الحدود بين الجانبين، ما وقف عائقًا أمام صاحب نوبل، الذي سعى بدوره إلى محاولة إعادة فرض سلطة الحكومة الفيدرالية على الإقليم.
على مدار الأشهر الأخيرة، زادت حدة التوترات بين الحكومة والإقليم، لاسيما بعد أن أجرى الإقليم وحزبه الوليد “جبهة تحرير شعب تيجراي”، الانتخابات البرلمانية، في التاسع من سبتمبر الماضي، في تحد واضح لقرارات الحكومة بتأجيل الانتخابات على مستوى البلاد بسبب تفشي فيروس كورونا.
في المقابل، وصفت الحكومة انتخابات تيجراي بأنها “غير قانونية”، وصوت المشرعون الإثيوبيون على قطع التمويل عن المنطقة في أكتوبر الماضي، وهي خطوة أثارت غضب زعماء تيجراي، الذين اتهموا “آبي أحمد” بتطهير السلطة من جماعتهم، مستدلين على ذلك بحملة الاعتقال التي نالت من بعضهم على خلفية قضايا فساد، وهو ما فتح هوة الصراع بين الإقليم وحكومة آبي، بحسب “نيويورك تايمز” الأمريكية.
اشتعال الوضع
الأربعاء الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية أنها حركت قوات الدفاع للتدخل و”حماية البلاد من هجمات جبهة تحرير تيجراي”. وقال رئيس الوزراء آبي أحمد، إن “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هاجمت معسكرًا للدفاع الوطني، وحاولت احتلال منطقة قوات درع شمال البلاد في منطقة دانشا” بإقليم أمهرة، لتبدأ المعارك بين الجانبين، مع إعلان البرلمان الإثيوبي التصويت على حل الحكومة المحلية في “تيجراي” وتعيين حكومة محلية جديدة مؤقتة، وإعلان حالة الطوارئ.
وقصفت الطائرات الإثيوبية تيجراي، يوم الجمعة الماضي، بينما تعهد آبي أحمد بمواصلة العملية العسكرية، التي دافع عنها قائلاً إن المخاوف من احتمال انزلاق الوضع في إثيوبيا إلى حالة من الفوضى “لا أساس لها من الصحة ونتاج عدم فهم للوضع السائد”، في وقت أكدت المتحدثة باسمه بيلين سيوم، أنه لا يرفض الدعوات الدولية للهدوء في الإقليم.
وحذرت الأمم المتحدة من أن 9 ملايين شخص مهددون بالنزوح عن منازلهم جراء الصراع الدائر بالإقليم، وأن إعلان أديس أبابا حالة الطوارئ يمنع وصول الغذاء ومساعدات أخرى.
وفي تواصل للاشتباكات، نقلت وكالة “رويترز” اليوم الثلاثاء، أن عشرات الإثيوبيين، وبينهم جنود في الجيش، فروا من القتال المحتدم في إقليم تيجراي، بينما أكدت مصادر إثيوبية للوكالة أن الصراع شمال البلاد في المنطقة المتاخمة لإريتريا والسودان، تسبب في مقتل المئات، على الرغم من سعي رئيس الوزراء أبي أحمد إلى طمأنة المواطنين بأن “بلاده لن تنزلق إلى حرب أهلية”.
مخاوف من التفكك
وتحت عنوان “مخاوف من احتمال تفكك إثيوبيا”، نشرت “بي بي سي” في نسختها الإنجليزية، تقريرًا حول مخاطر تفكك إثيوبيا بسبب الصراع العسكري الحاصل حاليًا، أشارت فيه إلى وفد ضم 50 من القادة والمشايخ بالعاصمة أديس أبابا، انتقلوا في 16 أغسطس الماضي إلى مدينة ميكيلي، في محاولة لتخفيف حدة التوترات والوساطة، التي لم تظهر نتائجها بعد، بحسب ما ذكره التقرير.
ومن جانبها، ذكرت مجموعة الأزمات الدولية أنه قد تكون هناك حاجة إلى وسطاء “أثقل وزنًا”، وأن “رجال الدولة الذين تربطهم علاقات قوية بكل من جبهة تحرير تيجراي وآبي أحمد يمكن أن يلعبوا هذا الدور، وعقد الصلح، الذي يعد أمرًا حيويًا لإنجاح مبادرة السلام المتوقفة بين إثيوبيا وإريتريا، كما يؤكد المحللون والمختصون بالشأن الإثيوبي.
وتحدث تقرير “بي بي سي” عن خطر انقسام الجيش الإثيوبي على أسس عرقية، وانشقاق أبناء تيجراي وانضمامهم لقوات الإقليم، إذ يشير خبراء إلى إن هناك مؤشرات على إمكانية حدوث ذلك.
وبالعودة إلى الاشتباكات، أشار تقرير للأمن الداخلي أصدرته الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، إلى أن قوات تيجراي تسيطر على مقر القيادة الشمالية للجيش الاتحادي في مدينة ميكلي، في وقت تحشد الحكومة القوات من مختلف أنحاء البلاد وترسلها إلى تيجراي، وهو أمر قد يحدث معه فراغ أمني في أجزاء أخرى من إثيوبيا، يستعر فيها العنف والاضرابات على أسس عرقية مماثلة لتيجراي، وفق “رويترز”.