خمسة عشر عاما، هم سنوات عمل نادية بنادي المدينة الرياضي بالأقصر، قضتهم السيدة بين نظافة الملاعب ودورات المياه حتى غرف اللاعبين الرياضين وغسل ملابسهم وأغطية سرائرهم، كي تتقاضى آخر كل شهر مبلغ زهيد لا يزيد عن 500 جنيه، منذ أن بدأت عملها في 2006.
“كانت معايا طفلة عمرها سنتين عايزه أربيها وأيامها كنت باخد 150 جنيه ومن 15 سنة الفلوس دي كانت بتعمل حاجة، لكن دلوقتي الـ500 تصرف قبل استلامها” تقول نادية.
طمحت نادية بأن تلتحق بوظيفة حكومية، ظنا بأنها ستكون ظهيرا تستعيض بها عن زوجها الذي انفصل عنها وترك لها طفلة تبلغ عامين، لتفاجئ بعد ثورة 25 يناير بأن وضعها القانوني يختلف عن الآخرين: “اتفاجئنا بتثبيت ممن كانوا ماضين لهم عقود من الوزير لكن انتوا قرار مجلس إدارة متتثبتوش”.
نادية تمثل آلاف العاملين المؤقتين بالأندية ومراكز الشباب، الذين يقضون أعمارهم في انتظار أنصاف الفرص للالتحاق بالدولاب الحكومي، متشبسين بأحبال ووعود قد لا تتحقق على المدى القريب، وإن تحققت يكون فات آوانها بتقدمك في السن.
وينتشر بمحافظة الأقصر 87 مركز شباب، بخلاف الأندية الرياضية التي يصل عددها إلى خمسة عشر نادي أشهرها نادي الأقصر الرياضي، ونادي المدينة المنورة.
وتقدر أعداد العمالة غير المنتظمة أو المؤقتة في الأندية الرياضية في محافظات الجمهورية بنحو 19 ألفا و407 عمال في 439 نادى رياضي، و8 آلاف و702 عامل في 27 مركز شباب، بإجمالي 28 ألفا و109 عمال يعملون ضمن فئة العمالة غير المنتظمة، حسبما أعلن زير الشباب والرياضة أشرف صبحي.
استمرت نادية في عملها الذي تقتطع منه مبلغ 10 جنيهات يوميا بند ثابت للمواصلات فقط، “بتحرك من قرية الحبيل وباخد أكثر من مواصة لأصل للنادي ولو اتأخرت أو غبت عن العمل بيتخصملي”.
تتطور الحياة سريعا حول نادية، التي تسكن مع أهلها، لتكتشف أن مبلغ الـ 500 جنيه لا يكفي حياتها البسيطة، التي تنحصر بين المأكل والمشرب والمواصلات، “لايوجد من يساعدني، والدي توفى من 10 سنوات ومن وقتها بقيت باخد معاش 500 جنيه أكمل به الشهر والبنت أوقات بتنزل شغل في حضانه تساعد مع مساعدات من طليقي لأبنتي، وربنا بيفرجها”.
“عمرنا فاننيناه في النادي منتظرين التعيين في وظيفة حكومية ثبتوا الدنيا كلها وجات علينا احنا ووقفت”. تنتظر نادية مع العمال أملا منهم بتحقيق وعد واحد من الذين مروا على آذانهم بداية من قيام الثورة وحتى العام الماضي:” المديرية بتبعت للنادي جواب عايزين أسماء العمال، ثم لا يوجد أى تحرك آخر كلها مجرد وعود لا يتحقق، مش لاقيين درجة يحطونا عليها”.
عايشت نادية وزميلتها سميرة التي تكبرها بالعمر زيارة لوزير الشباب السابق طاهر أبو زيد لمقر النادي وطالبوه بالتعيين ومن ثم أمر بتوقيع عقودهم، تضيف نادية” قاموا بتعيين أشخاص آخرين.. احنا مش في دماغهم أصلا”.
أحلام بالتأمين
تتعامل نادية هي وزملائها في العمل معاملة مختلفة فهم عمال بدون عقود أو تثبيت ولكنهم مقيدين اسمائهم فقط في مضابط مجلس الإدارة.
حسن، دبلوم تجارة، رب أسرة، التحق بالعمل منذ 5 سنوات بعدما رشحه صديقه ليعمل فرد أمن بالنادي، من أجل زيادة دخله الأساسي بالعمل في اليومية.
وافق حسن على العمل بمرتب 500 جنيه آملا في الحصول على معاش في وقت لاحق يضمن له دخلا ثابتا: “قلت نادي شبه وظيفه ونثبت، ننزل مرتبات ضعيفة مثل كل العقود وحطيت في دماغي انهم ممكن يثبتوني، لما اشتغلت أخدوا بطاقتي بس وكتبوا اسمي في محضر الإدارة”.
حاول حسن مساعدة زملائه الذين يكبرون عنه بسنوات خبرة في تقديم الشكاوى والطلبات، “عرضنا على مجلس الإدارة الحالي يقتطعوا جزء من المرتب ويأمنوا علينا وكان الرد هنشوف ومر سنة”، مضيفا “كان كل أملي اتثبت في وظيفة حكومية حلم أى حد وظيفة وأنا شايف إن السن دلوقتي لا يصلح لوظيفة وسني ضاع هنا”.
تنادي نادية طوال الوقت وتحزن على حالها لأنها لن تترك ما يكفى أبنتها،”أنا فاكرة إن احنا متأمن علينا بس لأ إحنا قرار مجلس إدارة”، وتضيف:” سني كبر مفيش شغل هيقبلنا.. ونفسي يتأمن علينا عشان يبقالنا سلطه لكن إحنا عمال ومالناش أي حاجه عندهم لو وقعنا في النادي هيرمونا بره مفيش تأمين علينا شغالين بالبركة”.
“كورونا تشوط الكل”
حلت جائحة كورونا على البلاد دون التغاضي عن أحوال الطبقات الفقيرة، الذين تعسر بهم الأمر أكثر مما مضى، فقبض نادية على سبيل المثال كان يتأخر شهرين على الأقل، ما أجبرها على تقليل مصاريفها.
وذكرت دراسة نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في أكتوبر الماضي لقياس أثر فيروس كورونا على ثلاث فترات متتالية منذ بداية ظهور الجائحة في نهاية شهر فبراير حتى سبتمبر الماضي، أن 54.9 % من إجمالى الأفراد المشتغلين تغيرت حالتهم العملية، وترتفع تلك النسبة قليلا في الحضر لتصل إلى 58.4% مقابل52.2 % في الريف.
أما حسن فعاد إلى والده للاعتماد عليه مره أخرى، بعدما ذهب مبلغ الـ 500 جنيه كاملا لإيجار شقته، كما لجأ إلى والده لمساعدته في أعباء بيته.
قبل جائحة كورونا كان يساعد حسن نفسه بالعمل في العمل اليومي المتفرق بين ضيافة زبائن شركات البالون من البر الشرقي للغربي أو القيادة، أو مساعد طباخ في الأفراح،”كانت 50 و 80 جنيه في اليوم بتسند، لكن بعد توقف الحياة والسياحة لم يعد هناك عمل باليومية.
دفع حسن 5 سنوات من عمره حتى وصل لسن الـ 33 عاما، انتظارا للتثبيت مع الآخرين، ولكن مع البحث اكتشف بأن ذلك العمل لا يعتبر عمل حكومي فهو عمل خاص يندرج تحت أعمال مجلس الإدارة أي عمل خاص، “حتى الخاص مش بيقبضوا فيه 500 جنيه، وبعد ما شفت مأساة زملائي الذين يعملون بالـ 15 عام و 20 بدون مرتب ولا تأمين هسامح في عمري واترك العمل في حال وجدت بديل”.
وشهدت الفترة الماضية انخفاض الاعتماد على مساعدات أهل الخير حيث بلغت في الفترة الثالثة 13.7% مقابل 17.3% خلال الفترة الأولى بنسبة انخفاض 3.6% ، كما أفادت حوالى نصف الأسر خلال جائحة كورونا، بالقيام بالإقتراض من الغير في حالة عدم كفاية الدخل للوفاء باحتياجاتها، وفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
إلى ذلك، أثار قرار اعتماد الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة برئاسة الدكتور صالح الشيخ في أغسطس الماضي، لتثبيت دفعة جديدة من العمالة المؤقتة بالجهات الحكومية المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية، حفيظة العاملين بقرار مجلس الإدارة بالأندية ومراكز الشباب على مستوى المحافظات، على صفحتهم الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي.
ووزارة الشباب والرياضة ليس فيها عدالة، قدمنا لهم من سنة إحنا العاملين بقرار مجلس إدارة في مراكز الشباب الورق المطلوب للتثبيت، ولم يحدث جديد من الواضح إنه تم خداعنا، وذكر محمد: “أين نحن من ذلك التثبيت ولا سنظل نسمع ونتحصر فقط”، يقول علاء، أحد العاملين بنادي الأقصر.
وكشف محمود مختار، أخصائي طلائع بمديرية الشباب والرياضة بسوهاج، أن عقود مجلس الإدارة لا تخضع لأي ميزانية أو باب من أبواب الموازنة العامة للدولة، مشيرا إلى أن الصناديق الخاصة تكون في هيكل الوزارات، أما مرتبات العاملين بعقود مجلس الإدارة فيتم صرفها من إيرادات مراكز الشباب والأندية والعقد مدته ٥٥ يوم ويتفصل ٥ أيام ويجدد العقد بقرار جديد ومدة جديدة.
لم تقف عقود مجلس الإدارة حد العمال وأفراد الأمن، فيقول محمد مدير لأحد مراكز الشباب بالبحيرة لمدة 7 سنوات، إنه يتقاضى عن عمله 300 جنيه بعد زيادته من مبلغ 150 جنيه منذ عام مضى، وبسبب جائحة كورونا لم يحصل على راتبه لمدة 6 أشهر نظرا لقلة الموارد.
وعن تلقى المركز دعم من الوزارة، “حصل المركز على مبلغ 5 ألاف جنيه ولكنه جاءت تعليمات من المديرية بعدم استخدام ذلك الدعم في بند المرتبات”.
ساعد محمد على تنمية المركز الذي يأمل أن يتم تثبيته: “تواصلنا مع الوزارة والتنظيم والإدارة ولكن كل الوعود “حقنة بنج تستريح شوية وبعدها خلاص”.
وأضاف محمد، الحاصل على بكالوريوس رقابة جودة، إنه قبل بذلك العمل أملا في التثبيت في وظيفة حكومية” كلها وعود تأتي مع الانتخابات وتتبخر”، مضيفا قدمنا جميع الأوراق والمستندات المطلوب للتثبيت ولكن دون جدوى”.
أحلام المؤقتين تحت رحمة النواب
وفي فبراير 2018 ناقشت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، برئاسة النائب جبالى المراغى، 5 طلبات إحاطة بشأن تثبيت العاملين المؤقتين فى أكثر من جهة. من بينهم تثبيت العاملين المؤقتين بمحاضر مجالس إدارات مراكز الشباب، وعليه قدم وزير الشباب والرياضة السابق المهندس خالد عبد العزيز ، وعدا للعاملين بمراكز الشباب، من عمالة الخدمات المعاونة، ببحث وضعهم مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة والجهات المعنية، مع إجراء حصر شامل لهم على مستوى الجمهورية لعرضه على لجنة القوى العاملة بمجلس النواب.
كما ناقشت لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب برئاسة المهندس طارق السيد وكيل اللجنة، عددا من طلبات الإحاطة المقدمة من بعض النواب بشأن تثبيت العمالة المؤقتة بكافة مراكز الشباب، بهدف الاستقرار الاجتماعي والاسري.
وطالب وكيل اللجنة، بضرورة إلزام مجالس إدارات مراكز الشباب بتطبيق قانون التأمينات الإجتماعية، وعمل عقود عمل لكافة العاملين بالمراكز من عمال اليومية أو المكافأة، مطالبا بموافاة اللجنة بالحصر الذي يفيد بعدد العمالة بمراكز الشباب، من غير المؤمن عليهم على مستوى الجمهورية.
وأكد وزير الشباب والرياضة، في تصريحات صحفية، أنه لا مساس بالعمالة المؤقتة المُعينة بقرارات مجالس إدارات الأندية كعمال النظافة والأمن والخدمات المعاونة بالأندية ومراكز الشباب، مشيرا إلى أن الوزارة دعمت كافة الأندية بالأقاليم عقب تجميد النشاط الرياضي بسبب جانحة “كورونا” بـ30 مليون جنيه، مؤكدًا أن هذه المبالغ لن تكفى لمواجهة الفترة القادمة، وتغطية أجور العاملين بها وسداد مستحقاتها، فضلًا عن التمهيد لعمل صندوق لدعم تلك الفئة، مقترحًا تدريبهم إلكترونيًّا بالتعاون مع وزارتَي الاتصالات والتضامن الاجتماعي.