ظلت عجلات الإنتاج بشركة “مصر للألومنيوم” لأكثر من نصف قرن تدور دون توقف، لتلبية احتياجات السوق المصرية وتصدير الفائض للخارج، قبل أن تصيبها الشيخوخة فجأة، ويتوقف الضجيج، ويصبح عمالها في ترقب لمصيرهم، بعد موجة خسائر مستجدة قد تطيح بالصرح العملاق
تكشف النتائج الحديثة لأعمال الشركة -التي ازدهرت بها نجع حمادي لسنوات طوال- اختلالاً في قلب الصرح العريق، بعدما سجلت الخسائر 151 مليون جنيه في ثلاثة أشهر فقط، وفقًا لآخر المؤشرات التي أرسلتها الإدارة للبورصة المصرية، حول العام المالي الماضي، الذي سجل 1.6 مليار جنيه خسارة.
أرجعت الشركة تكبدها الخسائر إلى ارتفاع التكلفة في العملية الإنتاجية، فضلاً عن انخفاض السعر الأساسي للمعدن في بورصة المعادن، وإغراق السوق المحلية بمنتجات الألومنيوم الواردة من الخارج ذات التكلفة المنخفضة، تزامنًا مع جائحة كورونا.
وتحتكر الشركة صناعة الألومنيوم الخام في مصر، وتعمل في إنتاج وتصنيع وتسويق وتوزيع معدن الألومنيوم وخاماته ومستلزماته وسبائكه ومشتقاته، لكنها تعاني أخيرًا من ارتفاع تكلفة الكهرباء التي تمثل 40% من تكلفة إنتاج الطن الواحد، وتصل قيمة الخسائر المسجلة بسببها إلى ما يزيد عن 5 مليارات جنيه، هذا فضلاً عن مدخلات الإنتاج الأخرى، وارتفاع أسعار المادة الخام التي يتم استيرادها من الخارج.
6 عنابر و320 ألف طن إنتاج
تأسست “مصر للألومنيوم” في العام 1969 خلال عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، واختير موقعها بعناية فائقة؛ قرب محطة محولات كهرباء السد العالي في نجع حمادي (جهد 500 ك ف)، وميناء سفاجا لسهولة استقبال الألومينا والفحم البترولي الأخضر.
تضم الشركة ستة عنابر إنتاجية، بإجمالي 46 خلية، ارتفعت حاليًا إلى 552 خلية، تنتج 320 ألف طن سنويًا من الألومنيوم الخام.
وتشير اللجنة النقابية لشركة “مصر للألومنيوم” إلى تناقص بأعداد العمال، الذين بلغ عددهم في السنوات الأولى نحو 10 آلاف عامل، بطاقة إنتاجية تعادل ۱۲۰ ألف طن سنويًا، بينما تراجع هذا العدد إلى النصف حاليًا، رغم ارتفاع الطاقة الإنتاجية لـ 320 ألف طن.
رفع الدعم
في نوفمبر من العام الماضي، قدم النائب طارق متولي، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، طلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزراء، حول أزمة “مصر للألومنيوم”، عدد فيه أسباب انهيار أحد أهم قلاع الصناعة الاستراتيجية في مصر، بينها رفع الدعم عن الطاقة، إلى جانب إهدار المال العام المتمثل في توقف ماكينات تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الجنيهات.
وفي إفصاحها الأخير للبورصة، أوضحت الشركة أن إيراداتها تراجعت لأكثر من 5 مليارات جنيه خلال العام المالي المنتهي في يونيو الماضي، مع توقف التصدير بسبب تداعيات كورونا، ما اضطرها إلى بيع جزء من أصولها إلى مصانع أخرى؛ بغرض تدبير احتياجاتها.
واضطرت “مصر للألومنيوم” أخيرًا، إلى رفع أسعار التوريد للمصانع والتجار خلال شهر نوفمبر الحالي، ليتراوح الطن بين 34 و43 ألفًا، بسبب ارتفاع أسعار البورصة العالمية بنحو 160 دولارًا للطن، دون إضافة علاوات التشغيل أو ضريبة القيمة المضافة التي تعادل %14.
وفي تصريحات صحفية سابقة، قال هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، إن مستقبل الشركة مرهون بالسعر العالمي للمعدن، ولا يوجد سبب متعلق بالشركة يمكن للوزارة التدخل فيه، معتبرًا أن قرار وزارة الكهرباء بتخفيض أسعار الطاقة للمصانع، وفر للشركة نحو 500 مليون جنيه سنويًا.
وينقل محمد حنفي، مدير غرفة الصناعات المعدنية، مشكلة الشركة إلى أبعاد دولية في مقدمتها فرض أمريكا رسومًا على وارداتها من الألومنيوم، الذي تسبب في ارتفاع حجم المعروض من الألومنيوم بالسوق العالمية، وجعل سعر الألومنيوم المستورد بمصر أقل من المنتج المحلي، ما يضر بـ”مصر للألومنيوم” بشكل مباشر.
ويقول حنفي إن إنقاذ مصر للألومنيوم لن يتم إلا بخفض أسعار الكهرباء إلى 75 قرشًا للكيلو وات، بحساب سعر الغاز الحالي عند 3.5 دولار، مع خفضها حال هبوط سعر الغاز، لافتًا إلى أن الشركة يتم محاسبتها حاليًا بمتوسط 96 قرشًا للنهار و130 قرشًا لليل.
تنافسية صناعة الألومنيوم في مصر
ووفقًا لدراسة حديثة، تحت عنوان “تنافسية صناعة الألومنيوم في مصر”، فإن حصة مصر من الصادرات العالمية من الألومنيوم نحو 0.28%، وتتسم بالارتفاع والهبوط فبعدما سجلت 497 مليون دولار عام 2010، ارتفعت إلي 665 مليون دولار عام 2011، ثم واصلت الارتفاع لتصل إلي 673 مليون دولار عام 2012، و689 مليون دولار عام 2013، قبل ان تتراج إلي 396 مليون دولار عام 2016 ثم 482 مليون دولار عام 2017.
وتستحوذ الصين حاليًا على ما يزيد عن 65% من الاستيراد العالمي من خام الألومنيوم ومركزاته مما ساعد على خلق مركز احتكاري للألومنيوم الخام للصين في الطلب العالمي للألومنيوم الخام، فيما تستورد مصر كميات قليلة جدا من الألومنيوم الخام ومركزاته.
يشير الدكتور جودة عبد الخالق، في كتابه “الصناعة والتصنيع في مصر”، إلى العلاقة الوثيقة بين سعر الطاقة و”مصر للألومنيوم”، فيقول إن التفكير في إنشائها جاء تزامنًا مع إنشاء السد العالي في الستينيات من القرن العشرين للاستفادة من الطاقة الرخيصة ممثلة في الكهرباء المودة هيدروليكيا، وكان توافر الطاقة من محطة السد العالم الحاسم في توطين تلك الصناعة، وتم التفكير في نجع حمادي لاستحالة نقل الكهرباء من اسوان للقاهرة، والمراكز الصناعية في الشمال.
ويقول عبد الخالق إن معامل استخدام الطاقة في صناعة الألومنيوم يصل إلى 13 الف كيلو وات/ للساعة، وكل زيادة في سعر الكهرباء بنقطة مئوية واحدة يترتب عليه زيادة في تكلفة إنتاج الالومنيوم تعادل 2 مليون جنيه، وطالب صناعة الألومنيوم بإعداد نفسها لحقبة الندرة في موارد الطاقة، ما يتطلب لتخفيض تكلفة إنتاج الألومنيوم الخام وإجراءات لزيادة القيمة المضافة لطن الألومنيوم الخام بتعميق التصنيع وتنويع تشكيلة المنتجات.
ويطالب حنفي بحل مشكلة إغراق السوق بالمنتجات المستوردة التي رغم دفع جمارك عليها بنسبة 10% تظل أقل من سعر مصر للألومنيوم لاعتبارات ارتفاع تكلفة الإنتاج، فالكهرباء وحدها تمثل من سعر الطن قرابة 14 ألف جنيه، بجانب فوائد للبنوك بسبب استراد مستلزمات إنتاج تعادل ما بين 200 و300 جنيه لكل طن.