“النور مكانة في القلوب”.. كلمات من إحدى أغاني المطرب المصري مدحت صالح، قدمها في “أمير الظلام، أحد الأفلام القليلة التي تناوت واقع المكفوفين، لكنها وجدت تطبيقا لها على أرض الواقع بين مجموعة من الشباب المصريين، قرروا مساعدة غيرهم من المكفوفين تحت شعار “ساعد غيرك تتساعد”، من خلال تقديم خدمات تطوعية للمكفوفين تساعدهم على ممارسة الحياة، والدراسة، وغيرها من الأنشطة اليومية.
طريق النور
هدير هاني شابة تبلغ من العمر 35 عاما، اعتادت المشاركة في أنشطة تابعة لجمعيات معنية بالأنشطة الخيرية، ومنذ ما يقرب من 6 سنوات قررت مع زملائها تكوين مجموعة لخدمة المكفوفين. تقول: “قررنا نكون طريق النور لفاقدي البصر نساعدهم على القراءة والخروج والعمل لنكون طريقهم الصحيح وبالفعل نجحنا في تكوين أسرة كبيرة من المتطوعين والمكفرفين أيضا”.
بدأت الفكرة بتجمع “هدير” والعشرات من أصديقائها من المتطوعين والمتطوعات بالأعمال الخيرية، ثم دشنوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعي، لإعلان بدء نشاطهم بمساعدة المكفوفين، منتظرين رد الفعل الذي جاء غير متوقع بحسب وصفها، فوجدوا الآلاف ينضمون للصفحة ويعلنون إعجابهم بها، ويسألون عن الأنشطة المتاحة ويطلبون المشاركة.
عمل هدير بشكل تطوعي بإحدى الجمعيات الخيرية بمحافظة بورسعيد، جعلها تلتقي العديد من فاقدي البصر والمكفوفين، فكانوا يترددون على الجمعية بحثا عن المساعدة، وهنا قررت هي ومجموعة أخرى من المتطوعين مساعدتهم.
أشكال المساعدة التي تقدمها هدير وزملائها متعددة ومتنوعة، أبرزها كتابة المقررات الدراسية ورسائل الدكتوراة والماجستير للمكفوفين، ففي حديثها قالت إن العديد من الجامعات المصرية لا توفر الكتب بطريقة برايل للمكفوفين، فتمنح الطلاب الكتاب الأصلي أو نسخة على “ملف ورد”، وهنا دور الفريق تحويل النسخة إلى برايل عن طريق وضعها في الماكينة المخصصة لهذا النوع من الطباعة, والتي حصلوا عليها من خلال الجهود الذايتة وجمع الأموال من بعضهم البعض.
وعند أخذ النسخة الأصلية من الكتاب، هنا يبدأ المتطوعون عملهم، فيتم تقسيم صفحات الكتاب عليهم لكتابته، ثم جمعه وإرسالة لأحد المتطوعين معهم، والمسؤول عن عملية المراجعة والتصحيح، والمرحلة الأخيرة هي مرحلة طبع الكتاب بطريقة برايل حتى يستطيع الطالب الكفيف الحصول عليه، أو تسجيل الكتب صوتيا على شرائط كاسيت.
خلية نحل لخدمة المكفوفين
تتنوع الكتب ما بين كتب دراسية وثقافية أو الروايات، فمحبو القراءة بكل أنواعها ومجالاتها من المكفوفين لهم نصيب أيضا من الخدمات، كما يرى الفريق أن لهم الحق في الإطلاع على الثقافة وممارسة هواية القراء أيضا بعيدا عن الدراسة.
الفريق اعتبر نفسه بمثابة خلية النحل التي تعمل على خدمة المكفوف أنشطة آخرى، فبعد مرور ما يقرب من 6 أعوام على تأسيسه بلغ عدد المتطوعين 500 شخصا بمختلف المحافظات، استطاعوا تكوين روابط قوية مع المكفوفين، فهناك من يطلب منهم المساعدة والمرافقة في مكان ما لقضاء مهمة أو حتى الخروج والتنزة فتبدأ خلية العمل اتصالاتها لتحدد المتطوع الأقرب للكفيف ومرافقته، أو تلجأ لمواقع التواصل الاجتماعي تبحث عن متطوع للمشاركة ومرافقة صديقهم المكفوف، لينضم إليهم صديق جديد لعائلة المتطوعين.
الهواتف الذكية تضم العديد من التطبيقات التي تساعد المكفوفين، ولكن لا تنتشر تلك التطبيقات بالدول العربية كثيرا برغم أنها تدعم اللغة العربية، ولكنها معروفة أكثر بالدول الأجنبية ويعتمد عليها قطاع كبير من فاقدي البصر، وأبرز تلك التطبيقات، هو تطبيق سهل يمكن تحميله على الهاتف المحمول باسم “”be my eyes، أو “كن عيني” باللغة العربية، وتقوم فكرته عن طريق تصوير الشئ الموجود أمام الكفيف، ثم إرسالة عبر التطبيق فيرد عليه المتطوعين عبر التطبيق، كما أنه يدعم طلبات المساعدة من المكفوفين عبر الرسائل الصوتية، أو مقطاع الفيديو، ويلجأ المكفوفين للأوامر الصوتية المزودة بالهواتف لإمكانية تصفحها، والبحث من خلالها.
علاقات وروابط
منة على طالبة بالجامعة، متطوعة بإحدى الجمعيات الخيرية، قالت إنها شاركت في ماراثون جري نظمته الجمعية للمكفوفين، استعانت فيه بالعصى البيضاء وزعت على المكفوفين لتجنب التصادم أثناء الحركة، وهي عصا يتم صنعها من البلاستيك أو المعدن الخفيف، كما تم إعداد ورشة لتعليم الفتيات الكفيفات فنون الطهي.
“منة” أنها دخلت في مرحلة جديدة من بناء علاقات وروابط مع المكفوفين وذويهم، فالأمر أصبح غير مقتصر على الخدمات الدراسية فقط، ولكن أصبح صداقة تجمع أسرة المتطوعين بالمكفوفين وفعاليات عدة لمشاركته بأنشطة مختلفة.
وفي حديثها قالت “منة” إنها تخصصت في مجال كان الأقرب لقلبها في التطوع والعمل الخيري، وهو كتب الأطفال المكفوفين، عبارة عن كتب بطريقة برايل لمجسمات محفورة لتعليم الأطفال الأشياء والصور، كما ترافق العديد من الأطفال في جلسات للتعليم في المنزل، أو خلال اصطحابهم في نزهم وتعليمهم أيضا.
وتحرص المجموعات التي تعمل على مساعدة المكفوفين وفاقدي البصر في جميع المحافظات المصرية على البحث دائما عن الشريك في التطوع، والشريك في الحلم أيضا وهو إسعاد المكفوفين ومساعدتهم.