انضمت فضائية “الشرق بلومبرج”، التي بدأت البث الحي الأسبوع الماضي، إلى قائمة القنوات العربية الإقليمية المتنافسة، وإن كان سيغلب عليها الطابع الاقتصادي بشكل أكثر عمقًا وتأثيرًا عن غيرها من القنوات المملوكة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المتحدة وقطر، وسط غياب تام لمصر عن الخريطة الإعلامية الإقليمية.
تُعرف القناة، وفقًا لما أُعلن عنه في “البرومو” الخاص بها، بأنها فضائية تقدم محتوى عربي للجماهير المهتمة بقطاعي الاقتصاد والأعمال في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
أين مقر الشرق؟ ومن هم نجومها؟
منذ انطلاق “الشرق بلومبيرج”، راح البعض يتساءل أين سيكون مقر هذه القناة؟ من هو ممولها؟ وهل ستكون في السعودية بما أنها أطلقت من قبل المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق التي يترأسها كل من المهندس عبد الرحمن ابراهيم الرويتع، رئيس مجلس إدارة المجموعة، وجمانا الراشد، الرئيس التنفيذي للمجموعة مع مجموعة “بلومبرج” الأمريكية الإعلامية.
القناة يرأس تحريرها الإعلامي الفلسطيني “نبيل الخطيب”، الذي سبق وأدار فضائية العربية السعودية لفترة من الزمن، بقنواتها ومنصاتها المتنوعة وعلى رأسها العربية الحدث.
كما أن المكتب المالك للقناة سيكون في العاصمة الأمريكية “واشنطن” في حين يكون مقر العمل الخاص بها في مركز دبي التجاري العالمي، ومكتبها الإداري في الممكلة العربية السعودية سيقع في منطقة “حي السفارات”.
أي جمهور تستهدفه الشرق؟
وحسب نبيل الخطيب، فإن قناة “الشرق” تأتي لتكون محطة تلفزيونية مترافقة مع العديد من المنصات للتوجه إلى العديد من الفئات التي لم يسبق أن حظيت بخدمة إخبارية ملائمة لاهتماماتها، وهذه المؤسسة ستقدم خدمة فريدة لقادة الأعمال وقادة الرأي وقادة السياسة الحريصين على اقتصادات بلدانهم.
وأوضح الخطيب، في بيان له، أن قطاعا كبيرا من الشباب أكثر من 75% من الناطقين بالعربية هم أقل من 25 سنة، وهؤلاء عادة لا يحصلون على الخدمات من وسائل الإعلام التي تقدم أخبارا موثقة وهنا نحاول أن نقدم لهم خدمة من خلال المنصات الرقمية.
أما عن العائد المالي والتجاري من القناة، أشار الخطيب إلى أن المؤسسات الإخبارية العائد فيها لا يكون مباشرة في النظر إلى المردود خلال 3 أو 5 سنوات، في هذه الحالة هناك عائد استثماري، وهذه المؤسسة مملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق المدرجة في سوق المال، وبالتالي الجانب التجاري حاضر وبقوة.
بيد من انطلاقة المحطة التلفزيونية اهتمامها بالجانب الاقتصادي في المقام الأول، حيث يسعى العاملون فيها إلى استهداف فئات مختلفة من الأعمار في محاولة لجذب قطاعات كبيرة من الجمهور، إلا أنه يظل التساؤل المطروح على الطاولة.. إلى أي مدى يمكن النجاح في ظل حالة التردي في مجال حرية الإعلام وتداول المعلومات التي تواجه العديد من العقبات خلال السنوات القليلة الماضية؟.
مصر الحاضرة بإعلامييها لا بشعارها
تشهد القناة منافسة كبيرة بين عدد من النجوم والوجوه الإعلامية التي سبق وترددت على بعض الفضائيات المحلية والعربية وحتى العالمية، يأتي على رأسها الإعلامي باسم يوسف الذي أشيع أنه سيعود للإعلام العربي مرة أخرى من خلال هذه القناة في برنامج “اسأل باسم”، فيما يشارك في تقديم برامجها اليومية كل من الإعلامي المصري معتز الدمرداش من خلال برنامج “الإرتداد شرقا” الذي سيُعرض على هذه القناة، ورشا الخطيب وهبة جلال من التلفزيون المصري، ومجموعة من مذيعي ومذيعات المنطقة العربية سوف يقدمون العديد من البرامج ذات الطابع الاقتصادي والسياسي وكذلك المجتمعي.
الهدف المُعلن للقناة هو توفير التغطية الإعلامية الشاملة وعلى مدار الساعة لكافة القضايا والمنتديات والقرارات الاقتصادية العربية الهامة التي تجعل المواطن العربي على علم بكل ما يحدث حوله، ولهذا فقد ربط عدد من المحللين بين ما تنوي هذه المنصة الإعلامية الإقليمية تقديمه وما تقدم بعض القنوات العربية التي تُسمى بـ pann media وهي التي تقدم محتواها بصورة إقليمية وأيضا عالمية باللغة العربية، على رأسها قنوات مثل “العربية” المملوكة للملكة العربية السعودية، و”سكاي نيوز” التابعة للإمارات وفضائية الجزيرة التابعة لدولة قطر.
الأجنحة الثلاثة للإعلام العربي
لعقود طويلة تمكنت الجزيرة من توجيه الرأي العام الإقليمي والإطلاع عن قرب لكافة ملفات المنطقة من خلال شبكة قنوات الجزيرة التي تم تأسيسها عام 1996، مقرها الدوحة، واستطاعت أن تجمع حولها جماهير الوطن العربي لسببين أولهما تفردها في ذلك الوقت فضلا عن طرحها للآراء المخالفة والمتعارضة مع أسس المهنية.
اكتسبت “الجزيرة” شهرتها وزاد توسعها في أعقاب أحداث الـ 11 من سبتمبر 2001 وتسليطها الضوء على الحرب في أفغانستان، واستضافتها أشهر أعضاء تنظيم القاعدة المتورطين في العملية الإرهابية التي غيرت مجرى الشرق الأوسط في القرن العشرين.
في ذلك الوقت ولأسباب سياسية دولية، أعلنت المملكة العربية السعودية عام 2003 إطلاق قناة “العربية” باستثمار سعودي وعدة دول عربية، من خلال مركز تلفزيون الشرق الأوسط، ممثلة في مجموعة الحريري بالإضافة إلى مستثمرين من عدة دول عربية أخرى، إلا أن المحطة التفزيونية التي بدأت البث من مدينة الإنتاج الإعلام ومن ثم نقلته إلى دبي، لم تحقق الانتشار الكبير المرجو من التجربة.
كذا لم تغب الإمارات العربية المتحدة عن الاستثمار في مجال الإعلام، إذ خرجت قناة سكاي نيوز لتكون حاضرة بقوة في المشهد الأقليمي وخاص المنطقة العربية، إذ انطلقت عام 2012 باستثمار إماراتي بريطاني بتوقيع شراكة أبوظبي للاستثمار الإعلامي ومؤسسة سكاي البريطانية، متخذة من أبو ظبي مقرا لها بجانب عدد من المكاتب في دول عربية وأجنبية بجميع أنحاء العالم.
ولا يخفى على أحد السياسة التحريرية التي تتبعها كل منصة أو كيان من تلك الكيانات العربية، وبالرغم من أن تجربة الشرق ليست الوحيدة وبالتأكيد لن تكون الأخيرة في ظل المعارك الرقمية والتطلعات الإقليمية، يظل المتابع المصري يتساءل عن غياب الإعلام المصري بأجهزته ومؤسساته وليس أشخاصه فقط من هذا المشهد الإعلامي ذي الطابع الإقليمي والدولي.
تحدي مصر مؤجل
يمثل ملف الإعلام تحديًا من نوع خاص للدولة المصرية لذا يحظى باهتمام من الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتجلى ذلك من ذكره لدور الإعلام وأهميته ورؤية الدوة لتطويره قائلا: “بدأنا في مسألة تطوير المحتوى وأتصور أنه خلال السنتين أو الثلاثة القادمة سيكون المحتوى أفضل بكثير، ونضع في الاعتبار أن الإعلام (تليفزيون وراديو) لم يعد الوسيلة الوحيدة فقط التي يتم توصيل المعلومات من خلالها للناس، واليوم هناك أشياء كثيرة جدا ونحن مهتمين للتحرك بها لمواكبة العصر الموجودين فيه.
في تلك الفترة كثر الحديث حول رغبة الدولة عبر أجهزتها المختلفة في تدشين شبكة تلفزيونية ذات محتوى متنوع وأقليمي، إلا أنه رغم ذلك لم يكلل المشروع بالاكتمال، إذ واجهته العديد من العقبات وهو ما أجل الخطوة بشكل كبير.
وأعلن الرئيس في وقت سابق في العام 2017، إنه يجرى الإعداد لإطلاق قناة تلفزيونية إخبارية مصرية بمعايير عالمية قريبا، لكنه أكد في الوقت ذاته أن مثل هذه القنوات ذات المستوى الرفيع تحتاج إلى تكلفة باهظة، وهو ما قد يفسر سبب عدم إطلاق هذه القناة إلى وقتنا هذا.
واختتم الرئيس حديثه ضمن فعاليات مؤتمر الشباب نسخة 2019: “خلال العامين أو ثلاثة القادمين سنكون في مكان أفضل كثيرا من المكان الذي نحن فيه ونحن نسعى إننا نعمل هذا بشكل أو بآخر وأيضا التوافق مع الصناعة الموجودة في هذا المكان”.
لماذا غابت مصر عن المشهد الإعلامي الإقليمي؟
الدكتور ياسر عبدالعزيز، أستاذ الإعلام، يرى أن مصر خلال الفترة الأخيرة انقطعت كليا عن المشهد الإعلامي الإقليمي، فأصبحت الهيمنة الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط لم تعد مصرية على أي حال، لذا سحب البساط من أسفل قدميها بشكل شبه تام، فيما هيمنت السعودية والإمارات وقطر على المشهد برمته من خلال قنوات وجهتها للمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط كله، فضلا عن القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية، وتحدث ياسر هنا عن روسيا اليوم وفرانس 24 والـ بي بي سي تحديدا.
وأشار عبدالعزيز إلى أن الوجود المصري في الفضاء الإقليمي للمنطقة بات منحسرا وخجولًا للغاية بموازاة ذلك تصاعد التأثير والتركيز السعودي والإماراتي إلى جانب بعض الوسائل الأجنبية الناطقة بالعربية.
على الجانب الآخر، وجدت الخبيرة الإعلامية وأستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، ليلى عبدالمجيد، أن الإعلام المصري يحاول جاهدا خلال الفترة الأخيرة من خلال قناة “أكسترا نيوز” أن يتحول إلى المشهد الإقليمي وليس المحلي فقط..
تشرح عبدالمجيد: “القناة حاولت استقدام بعض المذيعين العرب، فأنا أرى أننا بدأنا استعادة قوة الخدمات الإقليمية في إعلامنا بصورة ملحوظة، ولكننا نحتاج إلى المزيد من التوغل في القضايا العربية أكثر من ذلك”، معولة على التقدم التكنولوجي الذي دفع الكثير من القنوات العربية للتركيز على كل ما يخط الإقليم العربي والعالم كله وليس المستوى المحلي فقط.
بين نجاح وإخفاق.. هكذا ترنحت القنوات العربية الإقليمية
يؤكد ياسر عبدالعزيز على أن قنوات مثل العربية وسكاي نيوز وكذلك الجزيرة، بما أنهم القنوات التي تخللت إلى كل بيت عربي، نجحت في هذا الأمر بفضل توافر شروط التمركز والتأثير، وكذلك الشرق السعودية والغد الإماراتية.
برأي عبدالعزيز، فإن الشرق بدأت قوية لأنها تعتمد على أساليب عمل احترافية وتستخدم موارد كبيرة، ولديها قدرة تنافسية عالية، وكل هذا إن دل على شيء فإنه يدل على رسم الصراع في الفضاء العربي.
وبالرغم من المكانة التي حققتها تلك القنوات، إلا أن هناك بعض الإخفاقات يرصدها عبد العزيز في تراجع نسب المشاهدة العربية لقناتي سكاي نيوز والعربية، في حين تراجعت الجزيرة إعلاميا ومهنيا خلال السنوات الأخيرة، بسبب الانحياز السياسي والتحريض على العنف والإغراق المفرط في الانحيازات مما أدى إلى تراجع دورها الإقليمي وتأثيرها بصورة كبيرة وملحوظة.
إنشاء مؤسسة عربية قادرة على المنافسة في هذا الإطار أمر يحتاج إلى إرادة سياسية وتمركز إقليمي وموارد كبيرة، وفقا لعبد العزيز، مشيرا إلى أن هذه العوامل غير متوافرة الآن في الواقع المصري مما جعل ما وصفهم أستاذ الإعلام بـ “الفاعلون الجاهزون” هم من يحتلون تلك المساحة.