للأسبوع الثاني على التوالي، يقف “الحاج مطاوع” أمام إحدى الجمعيات الأهلية بأسوان، والتي كانت توفر له مساعدات مالية، تعينه على جلسات الغسيل الكلوي التي يجريها، والتي باتت رهينة لائحة تنفيذية، لم تصدر بعد، رغم مرور عام على إصدار قانون الجمعيات الأهلية في 2019.
منتظرا الرد، يأتي الموظف إلى “الحاج مطاوع”: “للأسف، مش عارفين لسه نسحب فلوس”، فيعود إلى منزله، دون أمل، يفكر في كيفية تدبير نفقات الجلسات التي يجريها 3 مرات أسبوعيًا.
ويخضع الحاج “مطاوع علي” لجلسات غسيل كلوي أسبوعية، تكلفه 1000 جنيه، تعينه عليها جمعية “المدينة المنورة”، التي أصبحت الداعم الأساسي له في رحلة علاجة الطويلة، والتي توقف عملها حاليًا بسبب تأخر إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية.
اقرأ أيضًا: اللائحة التنفيذية لـ “العمل الأهلي” تثير مخاوف 56 ألف جمعية
أزمة قانون 2017
في أواخر عام 2016، قدمت لجنة التضامن الاجتماعي في مجلس النواب مشروع قانون لعرضه على المجلس، معني بتنظيم عمل الجمعيات الأهلية في مصر.
تم عرض القانون للمناقشة على أعضاء المجلس، والموافقة عليه في جلسة 29 نوفمبر 2016 بعد الأخذ بملاحظات مجلس الدولة.
وفي 24 مايو عام 2017، أي بعد حوالي ستة أشهر من موافقة مجلس النواب، نشرت الجريدة الرسمية القانون الجديد رقم (70) لسنة 2017، بشأن تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، بعد موافقة رئيس الجمهورية.
تضمن القانون بعض الإشكاليات التي أعاقت عمله، ومنها أنه تم التقدم به دون طرحه للنقاش أو الحوار مع أي من ممثلي منظمات العمل الأهلي، وعدم قيام مجلس النواب بانتظار مشروع الحكومة المعد من خلال وزارة التضامن الاجتماعي.
كما شابت بعض مواد القانون (89 مادة) شبهة عدم الدستورية، لتعارضها مع مواد دستور 2014. وتم النظر إلى بعض المواد الأخرى على أنها تضيق العمل على المنظمات العاملة في المجال العام، بينما جاءت مواد أخرى تنص على عقوبات سالبة للحرية وغرامات باهظة، بالإضافة إلى المواد التي بالغت في الشروط الإدارية والمالية لإنشاء الجمعيات الجديدة.
وجاءت صياغة العديد من المواد بشكل يعطي صلاحيات وسلطات واسعة للجهة الإدارية والجهات والكيانات الحكومية والأمنية للتدخل في عمل الجمعيات الأهلية، فضلاً عن استحداث كيان يضمّ في عضويته ممثلين عن وزارات الدفاع والخارجية والمخابرات العامة، لتنظيم عمل المنظّمات الأجنبية والتمويل الأجنبي للجمعيات المصرية.
تعديل جديد لحل العوار
عقب ذلك، قرر الرئيس عبدالفتاح السيسي تشكيل لجنة لإجراء حوار مجتمعي حول القانون، وإعادة الجهات المعنية في الدولة تقديم القانون مرة أخرى إلى مجلس النواب.
تشكلت اللجنة من وزارات: التضامن الاجتماعي، والخارجية، والعدل، لإقامة حوارٍ مجتمعي حول القانون، وتم تنفيذ 4 حوارات مجتمعية على مستوى المحافظات، شارك فيها قرابة ١١٦٤ جمعية ومؤسسة أهلية تمثل كافة المحافظات المصرية، وممثلو الاتحاد العام والاتحادات الإقليمية والنوعية، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة والمفكرين وأساتذة الجامعة والمراكز البحثية، بهدف تعديل القانون رقم (70) بما يحقق طموحات المجتمع المدني.
خرج الحوار المجتمعي بما يلي:
الاتفاق على أهمية ترسيخ مبدأ حرية التنظيم اتساقًا مع أحكام الدستور وأحكام المواثيق الدولية الملزمة، وفقا للنقاط التالية:
إعادة النظر في الإجراءات الإدارية والمالية الخاصة بتأسيس الجمعيات، بحيث لا تكون عائقًا عند ممارسة الحق في التأسيس. والاكتفاء بالإخطار لمد النشاط وفتح مقرات أو مكاتب في محافظة أخري.
صياغة مواد مستقلة فيما يخص تأسيس الجمعيات التي تضم بين مؤسسيها أشخاص أجانب وفصلها عن الجمعيات التي تُشهر من قبل مصريين.
عدم حصر مجالات عمل الجمعيات الأهلية في نطاق خطط الدولة، على أن تكون الجمعيات أحد داعمي تلك الخطط ولها الحق في رصد الاحتياجات المجتمعية والتعامل معها.
فيما يخص التمويلات الأجنبية تكون الموافقة بحد أقصى 30 يومًا، وفى حالة عدم الرد تعتبر موافقة على أن تكون الرقابة لاحقة على التمويل من الجهة الإدارية، أما في حالة الرفض يكون هناك قرار مسبب بالمبررات ويسمح لصاحب المصلحة بالطعن على القرار.
النص صراحة بأنه في حالة قيام الجمعية بعمل استطلاع رأي يتم الاكتفاء بالموافقة الرسمية للجهة المختصة وهي الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
أن يتضمن القانون بنودًا لإنشاء هيئة لضمان واعتماد جودة الجمعيات الأهلية وكذلك مدونة لسلوك منظمات المجتمع المدني.
تحديد نسبة لأعضاء مجالس إدارة جمعيات المعاقين من الأشخاص ذوي الاعاقة، وضمان تمثيل مناسب للمرأة والشباب في مجالس إدارات الجمعيات.
اقرأ أيضًا: قبل الإعلان عنه ..ننشر أبرز ملاحظات التقرير السنوي لـ “قومي حقوق الإنسان”
رفع الحظر الوارد للحد الأقصى للحسابات البنكية المصرح به لكل جمعية وضبط متابعة الحسابات من خلال الجهة الإدارية والحسابات الختامية للجمعية، مع السماح بفتح حسابات بمكاتب البريد، وطرح نموذج محاسبي استرشادي للتعميم على الجمعيات الأهلية فيما يخص الميزانيات والحساب الختامي.
إلغاء المواد الخاصة بتنظيم الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية وقصر عملية المراجعة والمتابعة والإشراف والتصاريح على الجهة الإدارية ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي.
إلغاء الباب الخاص بالعقوبات السالبة للحرية وإحالتها لقانون العقوبات، وترسيخ مبدأ شخصية العقوبة.
تحديد الحالات الخاصة بحل الجمعية على أن يكون الحل بحكم قضائي وعدم جواز إيقاف نشاط الجمعية إلا بحكم قضائي.
إلغاء المادة الخاصة بنسبة 1% من صافي حصيلة جمع المال الموجهة إلى صندوق إعانات الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
إعادة النظر في تسهيل الإجراءات الخاصة بالتمويل وجمع المال واعتمادها باللائحة التنفيذية. والعمل على زيادة موارد الجمعيات الأهلية بالسماح بعمل مشروعات ومنها على سبيل المثال تأسيس شركات تخدم نشاطها.
إعفاء جميع أنشطة المؤسسات والجمعيات الأهلية من شتى أنواع الضرائب المفروضة.
نشر ثقافة التطوع، مع وضع قواعد توضح حقوق المتطوعين وواجباتهم.
الاتفاق على ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والجمعيات الأهلية على أساس من الشراكة الحقيقة والثقة المتبادلة بين الطرفين؛ لدعم خطط التنمية المستقبلية بما يضمن تحقيق التوازن اللازم بين حرية العمل الأهلي المسئول، ومقتضيات الأمن القومي، بما يؤدي لتعزيز الهوية المصرية والحفاظ على الاستقرار والأمن الاجتماعي والمشاركة المجتمعية واحترام حقوق الإنسان.
ووفق لهذه المخرجات، أعدت وزارة التضامن الاجتماعي مشروعًا معدلاً لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، وأحالته إلى مجلس النواب الذي وافق عليه في جلسته العامة في 15 يوليو 2019، وذلك بشكل نهائي، واشتمل مشروع القانون على تسع مواد للإصدار، وقانون مرافق تضمن عشر أبواب منفصلة، احتوت على ثمان وتسعون مادة.
تم نشر القانون الذي حمل رقم (149) لسنة 2019 في العدد 33 مكرر (ب) في 19 أغسطس سنة 2019، بعد مصادقة رئيس الجمهورية.
منح الجمعيات الأهلية
قالت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، في بيان صحفي سابق، إن الوزارة بصدد إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية.
وأوضحت أن التضامن الاجتماعي أن اللائحة التنفيذية وضعت بالشراكة مع القيادات المجتمعية والجمعيات الأهلية وممثلين عن مجلس النواب وخبراء متخصصين وغيرهم من قادة الفكر والرأي.
وأوضحت وزارة التضامن الاجتماعي إن إجمالى قيمة المنح التى تلقتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية خلال شهرى أغسطس وسبتمبر من العام الجارى بلغت 663 مليونًا و436 ألفًا و460 جنيهًا، موزعة على 254 منحة من 107 جهات مانحة استفادت منها 81 جمعية.
وأوضح مصدر بوزارة التضامن الاجتماعي أن حجم المنح والتمويلات الأجنبية التي حصلت عليها الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني خلال 10 أشهر، بلغت أكثر من مليار ونصف جنيه، في الفترة من من يناير وحتى أكتوبر 2020.
وأشار المصدر إلى أن الوزارة تفرق بين الجمعيات الأهلية التي تقدم خدمات للفئات المستحقة، وأخرى صدر لها ترخيص، لكن ليس لها تواجد فعلي بأرض الواقع.
ووضعت وزارة التضامن الاجتماعي عدد من الإجراءات الازمة لتأسيس الجمعيات الأهلية، شملت:
الحصول على أوراق التأسيس من الاتحاد الإقليمي للجمعيات والمؤسسات الأهلية الواقع بدائرته المتقدم.
تقديم سند يتضمن اسم الشخص المفوض والمسؤول عن القيام باتخاذ إجراءات القيد بالجهة الإدارية.
اختيار اسم للجمعية، بشرط ألا يؤدي هذا الاسم إلى اللبس بينها وبين جمعية أخرى، تشترك معها في نطاق عملها الجغرافي.
التمويل
وينقسم تمويل الجمعيات الأهلية إلى شقين؛ داخلي وخارجي، الأول يأتي عبر ترخيص الجمعيات، وتحصل من خلاله الجمعية بموافقة وزارة التضامن الاجتماعي على مبالغ مالية لا تزيد عن ١٠ آلاف جنيه بصورة نقدية، وأكثر من ذلك يكون من خلال الشيكات أو الحساب البنكي.
أما التمويل الخارجي فيكون من خلال اتفاقية مع المانح، وخلال ٣٠ يومًا يبلغ بهذه الاتفاقية، وخلال ٦٠ يوم تحصل على الموافقة، وإذا مرت 60 يومًا دون أن تحصل الجمعية على موافقة، فهذه بالنسبة لها موافقة بحكم القانون. وتكون مراقبة تلك التمويلات من خلال وزارة التضامن الاجتماعي.
اقرأ أيضًا: البرلمان والرئيس.. قوانين عطلها السيسي لمجلس النواب
50 ألف جمعية وعملة صعبة متوقفة
تضم شبكة الجمعيات الأهلية في مصر أكثر من 50 ألف جمعية مسجلة في 2019، بارتفاع 7 آلاف و72 جمعية عما سُجل في 2013، و13 ألفًا و72 جمعية في العام 2012، وفق دراسة للهيئة العامة للاستعلامات.
وتمارس هذه الجمعيات أنشطة متباينة في التعليم والثقافة والأعمال الخيرية والخدمية وغيرها من مناحي الحياة، تضررت جميعها، ومنع معها وصول منح أجنبية، قُدرت في الفترة أول يناير 2016 وحتى نهاية يوليو 2018 فقط، بـ 3 مليارات و90 مليون جنيه، حصلت عليها 437 جمعية ومؤسسة أهلية، رغم التضييق والعوار الذي شاب قانون سنة 2017.
احتجاز أموال
أوضح محمد عبد التواب، أحد المسؤولين عن جمعية “شعيب” بالإسماعيلية، لـ”مصر 360″ حجم المشكلة، وقال: “بنقابل يوميًا حالات متعودة على خدماتنا، بس مش قادرين نوفي التزامتنا معاهم لأن الحياة بالجمعية متوقفة”.
وأشار عبدالتواب إلى الجمعيات التي تعمل بمجالات الصحة ودعم ذوي الإعاقة وإعانات التعليم، التي تحتاج لموارد مستمرة. ولفت إلى أن البنوك تتعامل ورقيًا، ولا علاقة لها بتأخر صدور اللائحة، الذي يعطل إجراء انتخابات، دونها تُعد مجالس الإدارات الحالية منتهية، لا يعتد بصحة توقيعها.
وتُرجع زينب خيري، رئيس مجلس إدارة إحدى الجمعيات الأهلية، تأخر صدور اللائحة إلى أن ضخامة قانون الجمعيات الأهلية، وأجزاءه المتداخلة، ومنها ما يخص القطاع الأمني.
وتوضح أن اللائحة كانت على وشك الصدور في فبراير الماضي، قبل حلول فيروس كورونا الذي عطل صدورها، المتوقف أيضًا على الجزء الخاص بالرعاية البديلة وأماكن الحضانات، وفق معلومات من وزارة التضامن الاجتماعي.
وتضيف: “احنا مش عارفين نعمل انتخابات، وبالتالي أنا في منصبي اللي عدى عليه أربع سنين. والسحب من الحسابات موقوف برغم إن الإيداع شغال عادي”.
ومن المقرر أن تصدر اللائحة الخاصة بأي قانون في مدة أقصاها 6 أشهر من صدور القانون، إلا أنه حتى كتابة تلك السطور، لم تصدر اللائحة الخاصة بقانون الجمعيات الأهلية الصدر في 2019. وترى “زينب” أن الجمعيات تتعرض حاليًا لشكل من احتجاز الأموال.