تحتشد مواقف متفاوتة داخل النظام الإيراني، بخصوص الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا، جو بايدن، وتأثيرات سياساته الخارجية باتجاه طهران، خاصة في ظل استراتيجية “الضغط القصوى”، التي اتبعتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.

وتعكس تلك المواقف المتباينة، الاتجاهات السياسية والأيدولوجية التقليدية داخل نظام الولي الفقيه، والمتمثل في التيار الراديكالي، المقرب من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، وكذا الحرس الثوري، من جهة، والتيار الذي يوصف بـ”المعتدل”، المقرب من الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من جهة أخرى.

مثلت الانتخابات الأمريكية التي تابعها الإيرانيون، رسمياً وشعبياً، أهمية فائقة، كما أن لها ضرورة ملحة وتكتيكية، تتصل بإيجاد هامش مناورة للنظام، في حال فوز بايدن، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته من حجم التغطية التي حازتها في الصحف المحلية بطهران، وعبرت عن مختلف الاتجاهات في الدوائر السياسية الرسمية، إذ إن إستراتيجية “الضغط القصوى”، التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب ضد طهران، قد وصلت ذروتها مع استهداف قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، وقائد الحشد الشعبي بالعراق، أبي مهدي المهندس، في بغداد، مطلع العام الحالي.

ويضاف إلى ذلك، العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فاقمت من أزمات طهران، لاسيما في ظل الاحتجاجات الشعبية، الاجتماعية والحقوقية، منذ نهايات العام 2017. 

وتعد حالة الانسداد السياسي بين واشنطن وطهران في فترة ترامب، من أصعب المحطات التي عرجت عليها العلاقة المعقدة بينهما منذ العام 1979، لذا تحتل سياسة بايدن الخارجية باتجاه طهران أولوية قصوى.

“حاول ترامب عبر سياسة الضغط إعادة إيران إلى المفاوضات، وليس من المرجح أن تقود رئاسة ترامب أو بايدن إلى تغيير أو انهيار في النظام”، يقول الباحث الإيراني رحيم حميد.

ويضيف حميد لـ”مصر 360″: “حاولت إدارة ترامب صنع حالة من التوازن بين انسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، عبر الدفع من أجل التطبيع والاندماج الإقليميين، ومحاولة علاج الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفرض عقوبات قاسية على إيران. ومثل ذلك طريقة لدفع القوى المحلية للوقوف في وجه العدوان الإيراني مع تقليل التدخل الأمريكي”.

المشروع النووي

وسيكون المشروع النووي لإيران من بين أبرز الملفات التي سيتحرى الرئيس الأمريكي المنتخب التعاطي معها، لاسيما وأنه أشار إلى استئناف سياسة “الدبلوماسية المرنة”، ثم أنشطة الحرس الثوري، المنخرط في الصراعات الإقليمية المحتدمة، في سوريا واليمن ولبنان وليبيا.

بيد أن الملف الحقوقي الإيراني سيظل إلى جانب المشروع النووي، يمثل عائقاً في حدوث انفراجة كاملة مع واشنطن. 

وشدد بايدن أثناء حملته الانتخابية على مواصلة “استخدام العقوبات الموجهة ضد انتهاكات إيران لحقوق الإنسان، ودعمها للإرهاب، وبرنامج الصواريخ الباليستية”.

وعلى ما يبدو أن الاتجاه الراديكالي في إيران، ظل متماهياً داخل خطابه الأيدولوجي المتشدد باتجاه واشنطن، وقد عبر عن ذلك خامنئي الذي وصف فوز بايدن بأن “العدو غير المقنع قد ذهب، بينما العدو المقنع أتى”.

كيف استقبل إيران فوز بايدن؟

واصطف مع الموقف الأخير، رئيس مجلس النواب الإيراني، محمد باقر قالبيقاف، الذي قال إن الرئيس الأمريكي المنتخب سيحول سياسة الضغط الأقصى إلى سياسة “الضغط الذكي” ضد الشعب الإيراني.

لكن إيران لا تعول كثيرا على بايدن، حيث قال قالبيقاف إنه “في أفضل الحالات، لن يختلف بايدن عن أوباما واضع العقوبات القاسية ضد إيران”.

وشدد الجنرال السابق في الحرس الثوري، على ضرورة ألا تكون “حياة الشعب الإيراني مرهونة بمن يصل إلى البيت الأبيض”.

لكن الخطاب السياسي الذي مرره الرئيس الإيراني، ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، يفصح عن احتمالات مغايرة، واتجاهات مختلفة، تتناقض وخطاب المرشد، حيث تبحث عن انفراجة أو تعديل المواقف الصلبة باتجاه طهران.

وقال روحاني في بيان رسمي، نشر على المنصة الإلكترونية للرئاسة الإيرانية، إن “سياسة الإدارة الأمريكية المؤذية والخاطئة، في الأعوام الثلاثة الماضية، لم تكن مدانة من قبل الناس في كل أنحاء العالم فحسب، بل أيضاً لقيت معارضة من سكان هذا البلد ( يقصد الولايات المتحدة) في الانتخابات الأخيرة، والآن، ثمة فرصة للإدارة الأميركية المقبلة للتعويض عن أخطائها السابقة، والعودة إلى مسار احترام الالتزامات الدولية”.

وغرد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أن “العالم يراقب الآن ما إذا كان القادة الجدد سيتخلون عن الأسلوب المدمر وغير القانوني والبلطجي للنظام الراحل، ويختارون التعددية والتعاون واحترام القانون أم لا… العمل هو المهم أكثر من كل شيء آخر”.

إقرأ أيضا:

هذا ما سيفعله بايدن في حرب اليمن والاتفاق النووي وملف حقوق الإنسان

 

وبحسب الباحث الإيراني رحيم حميد، فقد استخدمت الولايات المتحدة الضغط المالي لإعادة الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات.

ويتابع: “فرضت وزارة الخزانة الأمريكية قبل أسبوع، عقوبات جديدة على إيران، شملت 4 أفراد و6 كيانات على صلة بالنظام في طهران، إذ اتهمت الوزارة في بيان رسمي الشركات والأفراد بتسهيل شراء سلع حساسة، منها مكونات إلكترونية أمريكية المنشأ، لصالح شركة “إيران كوميونيكيشن إندستريز”، وهي شركة تابعة للجيش الإيراني، ومدرجة على القائمة السوداء من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي”.

ويلفت حميد إلى أن ترامب كان قلقاً من السعي وراء تغيير عنيف في النظام، الأمر الذي ربما يقود إلى حرب أهلية داخل إيران، من شأنها اجتذاب الجهاديين وزعزعة استقرار المنطقة.

المبعوث الأمريكي الخاص بالملف الإيراني، أليوت إبرامز، قام بجولة في عدد من دول المنطقة أثناء الانتخابات الأمريكية، بهدف “إطلاع الدول على العقوبات الجديدة، التي تنوي الإدارة الأمريكية فرضها على طهران، خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس ترامب”.

وفي ظل تأكيدات إبرامز على عدم العدول عن سياسة العقوبات، خاصة وأنها تتصل بـ”الأسلحة النووية، وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب”.

لكن حميد يشدد على أن ترامب كان سيواصل هذه السياسة، لو حصل على فترة رئاسية ثانية، غير أن إدارة بايدن سوف تسعى إلى التفاوض فوراً مع إيران، ودون شروط مسبقة، ورفع العقوبات عن طهران، حتى تبدو أمريكا شريكاً دبلوماسياً متساوياً يدرك دور إيران في المنطقة.