كانت تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي، مسرحًا لحرب باردة بين الجمهورية الإسلامية الحديثة في إيران (1979) بزعامة الخميني، والإدارة الأمريكية.
كسبت الولايات المتحدة المعركة الأولى في هذه الحرب بنجاح انقلاب 1980، الذي دعمته في تركيا، وقالت عنه: “لقد فعلها أولادنا”.
أما الجمهورية الإسلامية، فكانت تسعى ببطء مدروس، يستهدف تحويل الدولة العسكرية التي تحمي المبادئ الأتاتوركية إلى أخرى إسلامية، تحقق لها انتشارها الإقليمي المطلوب.
تفاصيل هذه الاستراتيجية الإيرانية في تركيا، كشفتها وثائق حديثة، تناولت علاقة طهران بصديق طفولة الرئيس التركي الحالي ومساعده المقرب “متين كولونك”.
أردوغان والأقليات.. كيف يتنقل “الذئب الرمادي” بخفة في صراعات الإقليم؟
وثائق “نورديك مونيتور”
قبل يومين، نشر الموقع السويدي “نورديك مونيتور”، وثائقًا، أوضح أنها تخص ملف قضية الصحفي اليساري التركي أوغور ممكو، المقتول في 1993 على يد أتراك، دربتهم المخابرات الإيرانية.
أوضحت الوثائق أن “متين كولونك” رجل أردوغان ومدير شبكته السرية في أوروبا، كان مهرب أسلحة يتعامل مع مجموعة المغيرين (أكينجيلار) -المصنفة إرهابية- والمرتبطة بإيران.
كشف هوية “كولونك” السرية رفيقه في السلاح بمجموعة “المغيرين” إحسان ناز، الذي اعتقل عقب عودته من إيران في 1982.
وكان “ناز” حصل على تدريبات عسكرية، ودورات مكثفة عن الثورة الإيرانية أثناء فترة هروبه بإيران.
من هم “المغيرون”؟
مجموعة المغيرون (أكينجيلار) هو اسم يطلق على سلاح الفرسان الخفيف غير النظامي، الذي خدم كقوات متقدمة لجيش الإمبراطورية العثمانية.
وكانت تُسند إلى فرقة “المغيرين” مهمة الاستطلاع قبل وصول الجيش النظامي.
“كولونك” عضو فريق الاغتيالات
كشف “ناز” في التحقيقات، أن “كولونك” كان أحد أعضاء فريق اغتيالات شكلته مجموعة “المغيرين”، وكان مسؤولاً عن توفير الأسلحة، وأيضًا نائبًا لقائد الفريق.
وأكد “ناز” في التحقيقات أيضًا أن “كولونك” كان مسؤولاً عن تدريب مجموعات الشباب على حمل السلاح، كما شارك في التظاهرات المؤيدة لنظام الخميني أمام القنصلية الإيرانية في إسطنبول في العام 1981.
وأشارت التحقيقات إلى مجموعة “المغيرين” كانت على صلة بشخص يُدعى “إمدات كايا”، وهو مواطن تركي كان على اتصال بعملاء استخبارات تم تعيينهم كضباط قنصليين في القنصلية الإيرانية العامة في إسطنبول. وكان كايا يعمل عن كثب مع “كولونك”.
ووفق، “ناز”، كان لـ”المغيرين” صلات دولية بجماعة الإخوان في مصر، والشباب الإسلامي في ألمانيا، وحزب الإسلام في أفغانستان، وحزب الجمهورية الإيراني، الذي اعتاد ممثلوهم القدوم إلى تركيا للالتقاء والتحدث مع المجموعة التي كان “كولونك” أحد أفرادها الأساسيين.
أردوغان و”المغيّرون”
كان “المغيرون” داعمون لحزب الإنقاذ القومي (ميلي سيلاميت باريسي)، وهو الحزب السابق للرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.
وأسس حزب الإنقاذ معلم أردوغان نجم الدين أربكان، وكان متحالفًا مع النظام الملالي في إيران.
وتربط “كولونك” بأردوغان علاقة صداقة مقربة بدأت في فترة شبابهما.
قبل عام 1980، كان “المغيرون” عرضة للحظر في تركيا بناءً على عدة تحقيقات قضائية.
وواجهوا حملة قمع كبرى في أعقاب انقلاب سبتمبر 1980.
ولم ينقذهم سوى تولي أردوغان السلطة في انتخابات نوفمبر 2002.
هذا التحول في الداخل التركي لصالح أردوغان، ساعد “كولونك” -رجل إيران في تركيا- كثيرًا.
فانضم لحزب العدالة والتنمية الحاكم بأسطنبول لسنوات، وانتخب بعد ذلك عضوًا بالبرلمان في انتخابات 2011.
مرتزقة أردوغان.. حروب في الخارج وفتونة في الداخل
وفي الأثناء، كلف أردوغان “كولونك” بإدارة العمليات الخارجية للحزب، وإنشاء شبكة سرية، تستهدف معارضي النظام في أوروبا.
بين عامي 2008 و2013، ظهر اسم “كولونك” في تركيا، كمشتبه به في العديد من تحقيقات الشرطة مع عصابات موالية لإيران والقاعدة والحرس الثوري الإيراني، قبل أن يتدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتبييض جرائمه، كما يشير الموقع السويدي “نورديك مونيتور”.
ولا يزال كولونك (60 عامًا)، يواصل إدارة عملياته من إسطنبول، مع التركيز على مجموعات الشباب بتركيا والخارج، لدعم أردوغان.