أحمد البرديني وسوزان عبد الغني
ارتبطت إثارة الجدل في مصر مؤخرًا ببعض الأسماء المنتمية للمؤسسات الدينية الرسمية، وذلك على خلفية تصريحاتهم التي تصنع حالة من الجدل الفقهي، إما بقصد أو بسوء تفسير، ولأهداف مختلفة، بعضها بحثًا عن شهرة إعلامية مفقودة، وأخرى مستندة إلى أفكار تأثروا بها ومراجع دينية لم تتزحزح من عقولهم.
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف آمنة نصير واحدة ممن يطلق عليهن المجددات أو الباحثات عن التجديد في المؤسسة الأم.
زواج المسلمات من غير المسلمين
حركت نصير المياه الراكدة بقولها “لا يوجد نص شرعي يمنع زواج المسلمة من شخص من أهل الكتاب (مسيحي أو يهودي)”.
وأضافت: “القرآن اللي سماهم كده، فهم ليس عباد أصنام أو منكرين لله سبحانه وتعالى لكن لهم ديانة أخرى تختلف عننا”.
وصحيح أن نصير تراجعت عن تصريحها الأخير تأييدًا لما جاء من رأي جمهور الفقهاء بخصوص تحريم الزواج من الكتابي.
وهذا الرأي مستند إلى اجتناب تسرب الأبناء أو تشتت إيمانهم بين الأم المسلمة والأب المنتمي لأهل الكتاب.
كما أنه يستند إلى أن الزواج من مشرك أو مشركة محرم تحريمًا قطعيًا لوجود نص قرآني صريح بتحريمه، لا يجوز فيه أي اجتهاد من أي نوع.
لكنها لم تكن بالجدل المثار بالتصريح الأول تبحث عن شهرة، ولا تلتبس عليها الأمور بين ما هو محرم وقابل للاجتهاد الديني.
وإنما آراؤها دائمًا نابعة من تقبل الآخر، وتبني فلسفة الحوار مع الأديان، بحكم دراستها للفلسفة.
كما أن لها تجربة شخصية مختلفة عاشتها مع طليقها المستشار الدمرداش العقالي، الذي تحول من السنة إلى التشيع، وكان له رأي أخذت به الدولة حل أزمة فقيه كبيرة في العام 2006.
العبّارة السلام
في 2006، كانت مصر على موعد مع كارثة غرق العبّارة “السلام 98″، التي راح ضحيتها 1200 شخص، بينهم 700 مفقودين، تحايلت الشركة المالكة للهرب من تعويضاتهم، متعللة بالفقه وأحكامه.
حسب مذهب أبوحنيفة؛ المفقود لا يعتبر ميتًا حتى يمضي عليه 60 عامًا، وأما بن حنبل فحكم المفقود 15 سنة، أنقصها ابن تيمية إلى 5 سنوات.
هذه الدعوة للانتظار 5 سنوات حتى صرف تعويضات المفقودين، أثارت الرأي العام حينها، ما وضع مفتي الأزهر محمد سيد طنطاوي في مأزق كبير.
وللخروج من هذا المأزق، ما كان على طنطاوي سوى اللجوء إلى رأي نصحه به المستشار الدمرداش العقالي الذي عمل مستشارًا للرئيس الأسبق مبارك.
طالب العقالي الشيخ طنطاوي بالنظر في رأي “الاثنا عشرية” أو الشيعة الإمامية، المعترف بهم في مصر كخامس المذاهب الفقيه.
وينص مذهبهم على أن المفقود “إذا فقد في حال لا تتصوّر معها بقاء الحياة عُد ميتًا ولو بعد ساعة، كأن يكون قد دخل في النهر ولم يخرج أو ابتلعه حوت فلم يخرج”.
كان هذا الرأي الحل الأمثل لأزمة تعويضات مفقودي “عبّارة السلام”، وإن كان مثيرًا للجدل داخل مجلس الشعب -وقتها- بسبب المذهب والناصح به الذي عُرف بالزعيم الروحي لشيعة مصر.
من هو الدمرداش العقالي؟
المستشار الدمرداش العقالي، هو الزعيم الروحي لشيعة مصر، عمل على نشر أفكارهم في الصعيد، كما أسس أكثر من جمعية لنشر التشيع مع مطلع الألفية.
لم يكتف بدوره في مصر، بل زار إيران لتعلم فقه الإمام جعفر الصادق، وقدم نفسه لحسينيات الكويت والبحرين باعتباره فقيهًا يجمع بين أركان الشريعة والقانون.
العقالي كان عضوًا سابقًا بجماعة الإخوان المسلمين، لكنه انفصل عنهم وبدأ الإبحار في العلاقة بين المذاهب الإسلامية خلال عمله بالقضاء.
واستغرق تحوله من المذهب السني إلى الشيعي نحو 15 عامًا من البحث والتفكير.
ويحكي العقالي عن موقف ساهم في تشيعه حينما كان قاضيًا بمحكمة الأحوال الشخصية بأسوان عام 1967، وجاءته امرأة نوبية تطلب الطلاق.
طلبت المرأة الطلاق من زوجها لعدم إنفاقه عليها. إلا أن الزوج حمل مفاجأة بأن طلقها غيابيًا منذ عام، وعاشرها معاشرة الأزواج في تلك الفترة.
لجأ العقالي إلى أستاذ شريعة للفض في هذا الموضوع الغريب، والذي فضل الطلاق على مذهب الإمام جعفر الصادق، إمام الشيعة الإمامية الاثنى عشرية.
وهذا المذهب يجبر الزوج على رد زوجته، حيث لا يصح تطبيق الطلاق الغيابي.
الفكر الجعفري
الفكر الجعفري
العقالي فسر انفتاحه الفكري على المذاهب الأخرى في إطار محاولته للبحث عن حلو للقضايا التي تولي القضاء فيها، مثل أحكام المفقود والطلاق الغيابي.
وهذه القضايا، على حد قوله، لها حلول قوية في الفقه الجعفري.
والإمام جعفر بن محمد الصادق يعتبر الإمام السادس لدى الشيعة الإمامية، وهى فرقة من المسلمين زعمت أن علي بن أبى طالب هو الأحق في وراثة خلافة النبي بعد وفاته.
ويعترف الأزهر بالفقه الجعفري كمذهب خامس في الشريعة الإسلامية، إلى جانب المذاهب السنية الأربعة.
وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رفض في وقت سابق الدعوة التي طرحها أحد العلماء السعوديين بمطالبة الأزهر بسحب اعترافه بالمذهب الشيعي “الاثنا عشري”.
وأعلن تمسكه بمبدأ الوحدة بين المسلمين، التي بدأها شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت، مؤسس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
عزة كامل: خطاب الدولة عن المرأة متقدم.. والواقع “حاجة تانية” (حوار)
ترى التشيع حرية فكرية
كشف العقالي -في حوار سابق- أن سبب انفصاله عن آمنة نصير هو دخوله المذهب الشيعي، كونها ليست سنية فقط.
وأضاف إنها حصلت على الدكتوراة في محمد بن عبدالوهاب وتدريس مذهبه وكل ثقافتها حول الوهابية مقيدة تقييدًا نمطيًا، وكانت مقربة من سيد قطب.
لكن نصير قالت، في تصريحات صحفية، إن العقالي تشيع بعد الطلاق، ولم يكن هذا سبب الانفصال بينهما؛ لأنها لا تمانع هذا الأمر.
وترى نصير أن التفرقة بين السنة والشيعة وإلصاق اتهامات التشيع سببه حالة الاحتقان التي يعيشها المصريون في العقود الأخيرة، فتذهّب شخص بفكر ليس معيبة لأحد، ولا يجوز الحجر على أفكاره.
خطوات آمنة
انتقلت آمنة نصير من محيطها الصعيدي، حيث ولادتها بقرية موشا بأسيوط، لتكون الطفلة الأولى التي تتمم تعليمها وتدرس في المدارس الأمريكية بأسيوط (BMI) عام 1954.
التحقت الشابة آمنة بعد إتمامها مراحل دراستها الأولى إلى كلية البنات عين شمس ودرست بقسم الفلسفة وعلم النفس والاجتماع عام 1966.
لم تقف الأستاذة الصعيدية ذات العقد السابع عند حد الدراسات الفلسفية بمنصبها كأستاذ للفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر، وعمادة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر في الإسكندرية.
لكنها تطلعت إلى الدول الأوربية، فعملت أستاذًا زائرًا في جامعة ليدن بهولندا.
ودرست في الأكاديمية الإسلامية بالنمسا، وتخصصت في علم الكلام والمذاهب والعقائد.
تولت الدكتورة آمنة عضوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.
تجديد الخطاب
تطالب نصير دائمًا بالتجديد فى الدين وخطابه، وضرورة الاجتهاد في القضايا الفقهية المستجدة دون القضايا التي نزل فيها النص القرآني.
وهو ما ألزمت نفسها به طيلة مسيرتها العلمية.
موقف نصير من الحجاب، على سبيل المثال، كان واضحًا، حينما قالت إن الله لم يفرض النقاب على أمته، ولكن طالب الرجال والنساء بغض البصر.
وأضافت: “لو أراد الله أن يجعل النقاب مستمرا كان قال إن “يضربهم بخمورهن على وجههن”، مؤكدةً إن النقاب شريعة يهودية.
كما أنها طالبت في 10 ديسمبر 2019، بإصدار قانون أو قرار حكومي بحظر ارتداء النقاب في أنحاء الجمهورية.
وأبرز هذا موقفها من ارتداء الطالبات النقاب بجامعة الأزهر أواخر عام 2009، قبل أن تعود في اليوم التالي نافية تصريحها، باعتبار أن الأمر “لا يستحق”، بحسب تعبيرها.
ويتفق معها شيخ الأزهر في أن النقاب ليس فرضًا وليس سنة وليس مستحبًا، بل هو أمر مباح.
وللعقالي رأي في أزمة الحجاب الإلزامي، حيث يرى أن مصر انتهت من أزمة الحجاب منذ عهد سعد زغلول، بل يرى أن العودة للحجاب خطأ يحسن تركه.
كما رفضت نصير بعض أصوات الخطاب الديني، التي تحاول تطبيق أفكار دون مراعاة فارق العصر والثقافة.
وقالت في أحد تصريحاتها: “ابتلينا في هذا العصر بالتدين الظاهري واهتمامنا لم يصبح بجوهر الدين”.
رأيها في حقوق المرأة
تمثل الدكتورة أمنة نصير التيار المدافع عن حقوق المرأة، فهي ترى أن الله ساوى بين الرجل والمرأة في الأجر، وكذلك في الشهادة.
وتقول إن الإسلام لم يجعل شهادة الرجل مساوية لشهادة امرتين بصفة مطلقة.
وتفسر ذلك بأنه يعود إلى خبرة الرجل في معاملات البيع والشراء لمحدودية اشتغال المرأة بها ولقلة خبرتها، في حين لا يقبل شهادة الرجل في أمور نسائية.
وعن منع توريث المرأة، تشدد نصير على أنه لا يجوز، ومن يفعل ذلك هو مذنب شرعًا،
كما طالبت فترة عضويتها في مجلس النواب بمشروع قانون لحصول المرأة المطلقة على “مكافأة نهاية خدمة” عند طلاقها.
وتتلخص بنود هذا القانون في أن من استمر زواجها لمدة 5 سنوات تأخذ 5% من دخله، و10 سنوات تأخذ 10% من راتبه.
كما ترى أن هناك شروطًا ضرورية ينبغي أن تتضمنها وثيقة الزواج، من بينها عدم السماح بالزواج الثاني دون علم الزوجة الأولى.
كما تطالب بحق المرأة في تطليق نفسها إذا وجدت ما يسىء إليها.
مناهج الأزهر وإجبار الفتاة على الزواج.. مواد دراسية مخالفة للشرع
مناهج الأزهر وإجبار الفتاة على الزواج.. مواد دراسية مخالفة للشرع
تحت القبة
“مذكرات أستاذة جامعية لتجربة البرلمان” هو عنوان كتاب، قالت الدكتورة آمنة نصير أنها ستعكف على كتابته حول دخولها تحت قبة البرلمان أواخر عام 2015.
مثلت تجربة البرلمان لنصير “الندم”، حيث لم تتسن لها الفرصة للحديث مطولاً سوى عن قضية ختان الإناث، على حد قولها.
وهاجمت نصير مقترح خفض سن الزواج للفتيات إلى 16 عامًا من أجل حمايتهن، كما ذهبت للمجلس القومي للمرأة لتقديم قوانين لصالح المرأة، لكن لم يستجيب أحد، وفق ما تصرح.
وطالبت بإغلاق المعاهد الأزهرية التي تراها قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الدولة، نظرًا لما يتم فيها من عدم تقبل لفكر العقل، وما سببته من تراجع في الرأي العام والثقافة العامة، حسب قولها.
ولا يجب قصر النظر في أفكار آمنة نصير على اعتبارات خلفيتها الأزهرية فقط، بل من الضروري النظر في المحطات التي أثرت على هذا الفكر.
فالسيدة درست الفلسفة ودرّستها، وتعلمت بمدارس أمريكية، كما أن تقبلها لتشيع العقالي يتأثر بشكل واضح بانفتاحها على الثقافات والمذاهب الأخرى، بجانب خلفيتها العلمية التي لا تُنكر، وإن أثارت الجدل في بعض عباراتها.