يسود اعتقاد عالمي “شعبي وحكومي” بأن الأطفال هم الأقل تأثرًا بفيروس كورونا المستجد.
بُنيت هذه الفكرة على انخفاض أعداد الإصابات بين الأطفال، استنادًا إلى التقارير الأولية التي تناولت تصنيفات المصابين بحسب العمر، وحتى حكومات الدول التي لم تصدر بيانات مصنفة بحسب العمر، روجت لهذه الفكرة ودعمتها.
لكن تقرير “اليونيسيف” الصادر في 19 نوفمبر 2020 عشية اليوم العالمي للطفل، بعنوان “تفادي ضياع جيل الكورونا“، يؤكد أن واحدة من كل تسع إصابات بكوفيد-19، في 87 بلدًا توافرت منها بيانات مصنفة بحسب العمر، تقع بين الأطفال والمراهقين دون سن العشرين، أي 11 بالمئة من مجموع الإصابات المسجلة في هذه البلدان والتي بلغت 25.7 مليون إصابة حتى الثالث من نوفمبر الحالي، بحسب التقرير.
وعلى الرغم من نسب الإصابة بين الأطفال، والتي ليست بالقليلة (11%)، إلا أن المشكلة الكبرى في الآثار المترتبة على تداعيات كورونا على الأنظمة الاقتصادية والأنماط الاجتماعية والمعيشية، والمنظومات الصحية والتعليمية.
انخفاض دخول الأسر
في مصر، كما في معظم دول العالم، أثرت كورونا بشكل كبير على مستوى دخول الأسر، وبالتالي نمط استهلاكهم، وأسلوب غذائهم.
فبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بعنوان “أثر كورونا على الأسر المصرية”، فإن نحو 62% من المشتغلين تأثروا سلبيًا جراء تداعيات كورونا، حيث اضطر 26% منهم إلى خسارة وظائفهم، بشكل نهائي، فيما أصبح 56% منهم يعملون أيام عمل أقل أو ساعات عمل أقل.
وبات نحو 18% يعملون عملًا بشكل متقطع، وبشكل عام تشير الدراسة إلى أن 74% من المشتغلين انخفضت دخولهم منذ ظهور كورونا.
لكن إلى أي مدى أثر تراجع دخول الأسر على فرص حصول الأطفال على حقوقهم واحتياجاتهم الغذائية والصحية؟.
تغير نمط الاستهلاك
تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يشير إلى انخفاض استهلاك الأسر من اللحوم والدواجن والأسماك والفاكهة، في الوقت الذي ارتفع استهلاك الأسر من الأرز وزيت الطعام والبقوليات، وهو بالطبع ما سيكون له آثار سيئة على صحة الأطفال.
“طبعًا مش مجوعينهم”، تقول منال مازحة، ثم تستكمل كلامها: “ده ما يمنعشي إننا قللنا من الفاكهة، ممكن نجيبها كل أسبوع، تقريبًا مش بنجيب لحوم خالص بس معوضينها بالفراخ، علشان أسعارها رخيصة، الأسماك كمان غالية بس بنجيبها بردو مرة في الأسبوع، كنت بجيب كيلو حليب خليته نصف كيلو”.
تشير منال، خريجة كلية دار العلوم، والتي اضطرت للتفرغ لتربية ولديها، بعدما عملت مدرسة بمدرسة خاصة لمدة عامين في بداية زواجها، إلى انخفاض راتب زوجها والذي يعمل في شركة لتوزيع الهواتف المحمولة، بعد انتشار كورونا.
“جوزي بيشتغل في شركة توزيع موبيلات، مرتبه كان 5 آلاف بالبونص، من وقت اتنشار كورونا ما حققشي التارجت، من شهر 4 مش بيقبض غير 3 آلاف أو زيادة شوية”.
لم تلحظ منال أي تراجع في صحة أولادها، نتيجة تغير نمط الاستهلاك، فربما كان تأثير الأزمة على هذه الأسرة ليس قويًا، أو هكذا تكيفت مع الانخفاض الكبير في دخل أسرتها.
لكن “أم دنيا” والتي تعول 5 أطفال بعد وفاة زوجها، منذ عامين، تخبرنا عن تدهور كامل لمستوى معيشتهم بعدما فقدت عملها في حضانة ملحقة بإحدى الجمعيات الخيرية.
“جوزي كان شغال في مصنع سيراميك، واتوفى من سنتين، المعاش بتاعه 900 جنيه، طبعًا ماكنشي بيكفي أكل وشرب اضطريت اشتغل في حضانة، مرتبي كان 1000 جنيه، على المعاش، كنا عايشين والحمد لله، لما الحضانات قفلت قعدت من غير شغل حتى لما رجعت تفتح تاني، روحت وسألت قالولي مش محتاجين غير مربية واحدة، كان في واحدة بتشتغل معايا رجعوها وانا لأ” تقول أم دنيا.
تستكمل أم دنيا والتي تسكن في منطقة فيصل بالجيزة: “المرتب كان سادد على حاجات كتير، دلوقت مش بنشوف اللحوم، وحتى الفراخ رغم إنهم بيقولوا رخيصة، بالنسبة لي الفرخة أم 60 جنيه غالية ولو جبتها بتبقى مرة في الشهر، أغلب الوقت باجيب للعيال هياكل وأجنحة واطبخ لهم عليها، أما الفاكهة فمفيش غير الرمان علشان رخيص شوية، البرتقال حتى غالي علينا الكيلو بـ 6 جنيه”.
الموازنة العامة تتجاهل الفقراء.. خطط الحكومة خالية من “كورونا”
سوء التغذية
تقول سهام سعيد، أخصائية تغذية الأطفال، إن نقص اللحوم والأسماك والفاكهة والألبان من سلة الغذاء التي تقدمها الأسر لأطفالها، نتيجة الأزمة الاقتصادية، وزيادة اعتماد الأسر على النشويات في التغذية، يتسبب في العديد من المشكلات، فاللحوم الحمراء تحتوي على الزنك الذي يحتاجه الأطفال للنمو، كما يساهم السيلينيوم الموجود في اللحوم الحمراء في قيام الجسم بوظائفه الحيوية.
وتضيف سعيد أن اللحوم الحمراء تحتوي أيضًا على الحديد الذي يمنع إصابة الأطفال بالأنيميا، والكرياتين الذي يقوي العضلات، كما أنها غنية بفيتامين B6 وB12 وهما يساهمان في تكوين الدم وتحسين الوظائف الإدراكية عند الأطفال.
تستكمل سعيد: “الأسماك تعتبر مصدرًا هامًا لأحماض أوميجا 3 الدهنية، وهي تحافظ على صحة القلب والدماغ عند الأطفال، كما يساهم تناول الأسماك في تحسين النوم والقدرة المعرفية لدى الأطفال، إضافة إلى احتوائها على البروتين ذات الجودة العالية، أو ما يعرف بالأحماض الأمينية الأساسية”.
كما تشير سعيد إلى أن نقص الفاكهة من العناصر الغذائية التي تقدم للأطفال، يتسبب في نقص المياه التي يحتاجها جسم الطفل وتعرضه لخطر الإصابة بالجفاف، كما تؤثر على ما يحتاجه الجسم من الفيتامينات الموجودة في الفاكهة، والضرورية لعمل أجهزة الجسم، مثل فيتامين c وB، ونقص المعادن مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم اللازمان للحفاظ على صحة الجسم وأعضائه.
ويتوقع تقرير “اليونيسيف” المشار إليه، أن يعاني ما بين 6 إلى 7 ملايين طفل إضافي دون سن الخامسة من الهزال أو سوء التغذية الحاد في عام 2020، مما يشكل زيادة بنسبة 14 بالمئة، وهو ما سيتم ترجمته في أعداد الوفيات والتي من المنتظر أن تصل إلى 10 آلاف وفاة إضافية بين الأطفال شهريًا أغلبها في إفريقيا وأسيا.
تأثر الخدمات الصحية المقدمة للأطفال
يقول تقرير “اليونيسيف” “تفادي ضياع جيل الكورونا” إن التعطيلات المرتبطة بكوفيد-19، للخدمات الصحية والاجتماعية الضرورية للأطفال تشكّل تهديدًا كبيرًا على الأطفال.
ويرصد التقرير معتمدًا على استقصاءات أجرتها “اليونيسف” في 140 بلدًا أن: “نحو ثلث البلدان التي شملها التحليل شهدت تراجعًا بلغ 10% على الأقل في تغطية الخدمات الصحية من قبيل اللقاحات الروتينية، والرعاية العيادية للأمراض المعدية بين الأطفال، وخدمات صحة الأم”. مشيرًا إلى أن الخشية من الإصابة كانت السبب الرئيسي وراء هذا التراجع.
التطعيمات الروتينية
في مصر، يؤكد الأمهات اللواتي تحدثنا معهن في هذا التقرير، أنه لم تقابلهن أية مشكلات في حصول أبنائهن على “التطعيمات الرويتينية”، خلال فترة انتشار كورونا.
إسراء، وهي أم لطفلة عمرها عام ونصف العام، تقول إنها طعمت ابنتها في سن 9 شهور ضد شلل الأطفال، وفي سن 12 شهرًا ضد شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية، وهي التطعيمات التي جاء موعدها في ذروة انتشار المرض، ولم تواجه أي صعوبة في حصول طلفتها على التطعيمات.
كما حصلت طفلتها منذ أيام على التطعيمات الخاصة بالأطفال في عمر 18 شهرًا وهي جرعة منشطة ضد شلل الأطفال، وجرعة منشطة ضد الديفتيريا، والتيتانوس، والسعال الديكي، والحصبة الألماني، والنكاف، بسهولة تامة، ووسط احتياطات وقائية جيدة لحماية الأطفال من أي عدوى على حد وصفها.
إغلاق العيادات الخاصة بالمستشفيات
نهاية شهر مارس الماضي، أصدرت وزارة الصحة قرارا بإيقاف العمل داخل العيادات الخارجية بمستشفيات التأمين الصحي، وهيئة المستشفيات التعليمية، وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية، واقتصار العمل بالمستشفيات العام والمركزي على استقبال الحالات الطارئة وإغلاق كافة العيادات الخارجية.
القرار على الرغم من ضرروته في حينها، ورغم أنه نص على تفعيل عيادات التخصصات الأساسية ومن بينها: الأطفال، وأمراض النساء والتوليد، بالمراكز والوحدات بالتعاون مع أطقم المستشفيات وأطقم الوحدات الصحية، إلا أنه في رأي الدكتور أحمد حسني، أخصائي طب الأطفال، قد أثر بشكل كبير على حجم الخدمات الصحية المقدمة للأطفال خلال هذه الفترة، وحرم عدد كبير من الأطفال من الحصول على الخدمات الصحية التي احتاجوا إليها.
قرار غلق العيادات الخارجية، كما ترى “نيرمين” أم لفتاتين وولد، تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و13 سنة، ألقى أعباء جديدة على الأسر، فأُضيف إلى نفقات أسرتها بند “فيزيتا طبيب الأطفال” وكانت تعتمد قبل “كورونا” على الذهاب للتأمين أو المستشفيات الجامعية للكشف على أطفالها عند مرضهم.
الآثار النفسية
ألقت فترة الحظر والبقاء لشهور بالمنازل، وما ترتب عليه من إغلاق للمدارس، بظلال سيئة على نفسية الأطفال قد تستمر لسنوات بحسب إبراهيم حسن استشاري الطب النفسي.
يضيف حسن: “لم تستطيع الأسر تعويض الأطفال والمراهقين، عن حرمانهم من صداقاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية في محيطات المدرسة والعائلة والنادي والشارع، ما أدى إلى دخول الكثير من الأطفال في حالات اكتئاب، وأصيبت نسبة كبيرة منهم بالقلق والاضطراب وتقلبات المزاج، واضطرابات الأكل، ونقص الانتباه”. مشيرًا إلى أنه لا زال يُعالِج العديد من الأطفال الذين لم يتعافوا من آثار الإغلاق والحجر المزلي”.
التوتر الكبير الذي ساد داخل الأسر سواء أثناء أشهر الحظر والبقاء شبه التام في المنازل، أو الناتج عن انخفاض دخول الأسر، تُرجم بشكل كبير في زيادة العنف الأسري ضد النساء والأطفال، فبحسب تقرير اليونيسيف الصادر 19 نوفمبر 2020، فإنه ” تتزايد عوامل خطر العنف والاستغلال والإساءات للأطفال الذين يعيشون في ظل إجراءات تقييد الحركة والتراجع الاجتماعي‑الاقتصادي”.
كما ارتفعت نسبة التحرش الإليكتروني بالأطفال، حيث أدت فترات الحظر وإغلاق المدارس، إلى قضاء الأطفال وقتًا أطول على الانترنت.
رعب العام الثاني من الجائحة
مع اقتراب دخول جائحة كوفيد-19 عامها الثاني، وفي ظل عودة نسب الإصابة والوفيات للزيادة، حتى في البلدان التي شهدت تراجعًا كبيرًا في عدد الإصابات، تتزايد المخاوف حول عودة شبح الإغلاق، وانهيار المنظومة الصحية، وهو ما سيكون له آثار مدمرة على الأطفال – “الضحايا الخفيون للجائحة” بحسب توصيف “اليونيسيف”، خاصة في البلدان النامية، وصاحبة الاقتصادات الهشة، وداخل أماكن الحروب والصراعات.
أطفال اليمن “أبناء الحياة”.. الأكثر موتًا على مستوى العالم
وحذرت المنظمة الدولية من سقوط عشرات الملايين من الأطفال الذين يعيشون على حافة العسر في براثن الفقر. في حالة عدم وضع حد عاجل للحد من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لتفشي كوفيد-19.