موسومون دائمًا، ينظر كثير من الناس لأجسادهم، المزينة ببقع البهاق وكأنها خطر يخشون الاقتراب منه أو مخالطة حامله.
في الحكاية السادسة من مسلسل “إلا أنا”، فكرة الكاتب يسري الفخراني، وتأليف نجلاء بدر، وإخراج مريم أحمدي، دوت بطلة العمل جميلة عوض بهذه الصرخة، التي يتمنى كل أصحاب البهاق من التصريح بها: “لازم أعيش”.
لكن في الواقع ليس مرضى البهاق وحدهم الذين يعانون في المجتمع، إذ يشاطرهم الألم أصحاب أمراض أخرى، يحبسهم الناس في الجانب البعيد المظلم دائمًا، يخافون الاقتراب منهم، أو التحدث معهم، يأبون الزواج منهم، وينظرون إليهم دائمًا باعتبارهم “أصحاب عدوى”.
ليس البهاق فقط.. الذئبة الحمراء أيضًا
لا تزال الأم تتذكر يوم وفاة ابنتها نيللي رغم مرور أكثر من ثمانية أعوام. كانت مقدمات الوفاة مؤلمة: سقوط خصل الشعر واحدة تلوة الأخرى، آثار حروق جلدية إلى جوار العين غيرت ملامح الوجه، ألم شديد في المفاصل كان يجعلها تصرخ طوال الليل.
اقرأ أيضًا: كيف نخبر أطفالنا المصابين بالبهاق أن أجسادهم لوحات فنية؟
تقول الأم إن فتاتها الراحلة عانت من تجنب زملائها لها بعد أن رأوا شعرها يتساقط. “نبذها الجميع. نحن فقط، عائلتها، بقينا إلى جوارها حتى آخر لحظة”، تقول والدة نيللي.
يشرح الطبيب محمد عبد الستار، أستاذ الأمراض المناعية بكلية طب قصر العيني، الذئبة الحمراء، فيقول إنه من الأمراض المناعية الذاتية، يهاجم الجهاز المناعي للإنسان، والأنسجة السليمة.
ويوضح عبدالستار لـ”مصر360” أن أعراض الذئبة الحمراء تختلف بين شديدة وخفيفة، والشائع منها هي: التهاب المفاصل، الحمى، ألم الصدر، فقدان الشعر، قرحة الفم، تضخم العقد اللمفاوية، الإعياء، والطفح الجلدي حول العين، قبل أن ينتشر المرض، ويصل إلى مرحلة الحروق التي تخفي المعالم الأساسية للوجه.
خلال فترة العلاج التي قضتها نيللي ووالدتها في إحدى مستشفيات منطقة العباسية، كانت أمامهما حالات كثيرة مشابهة، بينها عروس حديثة الزواج، أصيبت بالمرض، فتركها الزوج قبل أن يكملا عامهما الأول معًا..
علمت والدة نيللي حينها أنه لو كُتبت النجاة لابنتها لكانت ستظل منبوذة من المجتمع، ولن يتقبلها أحد كما لو كانت هي السبب في المرض نفسه، على قولها.
الصدفية.. حبيسة الأريكة الخشبية
أصيب وجيدة بداء السكري قبل نحو عامين. حاولت الجدة التي تجاوزت الستين من عمرها، أن تتعايش مع مرضها ببساطة كما قالت، غير أن اضطراب مستوى السكر مع تقدم العمر وزيادة الوزن، أدى في النهاية إلى إصابتها بالصدفية في القدم اليسرى. تحول جلد القدم إلى قشور، وتحولت هي إلى الوحدة تمامًا بعد أن رفض أبناؤها رعايتها. تقول: “مشمئزون من شكل قدمي”.
ازدادت حالتها سوءًا، وهكذا لحقت القدم اليمنى باليسرى، حتى باتت وجيدة حبيسة الأريكة الخشبية. تسبب ذلك في إصابتها بقروح في الظهر، فازدادت حالتها سوءًا.
وفقًا لطبيب الأمراض الجلدية نبيل جاد، لا ترتبط الصدفية بمرض السكري فحسب، بل قد تتسبب بها الأمراض المناعية أيضًا، موضحًا أن أكثر المصابين بالصدفية ممن تتجاوز أعمارهم 40 عامًا، وتزيد نسبة احتمالات الإصابة بين من يعانون زيادة الوزن.
أسرى الجذام
“لم يعد لي أصحاب. انقطع الجميع عن زيارتي منذ سنوات”، هكذا وصفت شابة عشرينية (رفضت الإفصاح عن اسمها) حالها بعد إصاباتها بالجذام، الذي حكم عليها أن تعيش في “صومعة” على حد تعبيرها، بعد أن قررت والدتها أخذها بعيدًا عن أعين الناس.
كانت الأم قد أودعت ابنتها إحدى المشافي المتخصصة في علاج الجذام. بالفعل استجابت الفتاة للعلاج، لكنها لم تعد كما كانت، فبالرغم من توقف نشاط المرض، إلا أن آثاره طبعت وجهها. لهذا قررت الأم أن تأخذ ابنتها لتعيش معها بعيدًا عن من تعرفه.
اقرأ أيضًا: الفرار من العدوى.. “فوبيا كورونا” تحاصر أصحاب الأمراض المزمنة
ورغم أن الجذام من الأمراض الجلدية المعدية في بعض الحالات، إلا أنه من المؤكد أن أي احتمالية عدوى تتوقف بتوقف نشاط المرض في الجسم. مع ذلك مرضى الجذام السابقين، من أكثر أصحاب الأمراض نبذًا من المجتمع، بخلفية تاريخية سيئة السمعة عن المرض القديم.
ويحدث الجذام نتيجة الإصابة ببكتيريا المتفطرة الجذامية، كما شرح طبيب الأمراض الجلدية محمد منصور لـ”مصر360″، مؤكدًا أن انتقال المرض يحدث في حالات خاصة، ولا يكون إلا ملامسة متكررة لمخاط أو رذاذ سعال المريض.
يعاني المصابون بجميع الأمراض السالفة من ألمين بدل ألم واحد: ألم المرض، وألم نظر الإقصاء من المجتمع، ما يجعلهم في كثير من الأحيان بحاجة إلى التأهيل النفسي.