تمثل التنظيمات الجهادية في غرب أفريقيا، نموذجًا معقدًا، في ظل الخصوصية الاجتماعية والسياسية، وكذا الطبيعة الجيوسياسية للمنطقة، حيث توغلت الظاهرة الجهادية في غرب أفريقيا، منذ منتصف التسعينات. وعلى إثر ذلك تعددت العمليات الإرهابية ضد القوات النظامية المحلية والدولية في منطقة الساحل الأفريقي.
الحلقة الأولى للإرهاب غرب أفريقيا
تمثل حركة “التوحيد والجهاد” الحلقة الأولى ضمن سلسلة الحركات الإسلامية المتشددة بأفريقيا، المنخرطة ضمن “السلفية الجهادية”، بينما تتبع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويقودها سلطان ولد بادي.
اقرأ أيضًا: ما الإرهاب؟
ويتكون جناح الحركة العسكري من أربع سرايا أو ألوية. وبحسب المسمى التنظيمي، هناك سرية عبد الله عزام، سرية أبو مصعب الزرقاوي، سرية أبو الليث الليبي، وسرية الاستشهاديين، بالإضافة إلى “كتيبة أسامة بن لادن”، بقيادة عضو مجلس شورى الجماعة، أحمد ولد عامر المعروف بأحمد التلمسي.
ونشطت الحركة في شمال مالي، حيث تمكنت من جذب العشرات من المجموعات العربية القبلية في منطقة أزواد، شمال أفريقيا.
ومن خلال مجموعة من العمليات التنظيمية التي نفذتها الحركة في غرب أفريقيا برزت بنشاطها المسلح ضمن قاعدة الجهاد العالمي. وكانت أول تلك العمليات هي اختطاف ثلاثة من عمال الإغاثة الدولية، من مخيمات اللاجئين الصحراويين، جنوب غرب الجزائر.
كما تأسست حركة “أنصار الدين”، أحد تيارات السلفية الجهادية المسلحة، نهاية العام 2011، في منطقة كيدال، التابع لإقليم أزواد، شمال مالي، ويقودها إياد آغا غالي، المنتمي إلى قبيلة إفوغاس الطارقية، التي خاض أفرادها القتال ضد حكومة مالي، في تسعينيات القرن الماضي، ضمن صفوف ما يعرف بـ”الحركة الشعبية لتحرير أزواد”.
جذور القاعدة في غرب أفريقيا
وترجع جذور تنظيم القاعدة في غرب أفريقيا إلى “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية، التي أعلنت، في النصف الثاني من العام 2007، وذلك قبل تغيير اسمها ليصبح “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. وقاد التنظيم عبد المالك دروكدال، ويكنى بـ”أبو مصعب عبد الودود”.
وانخرط دوركدال الذي استهدفه الجيش الفرنسي، يونيو الماضي، في صفوف “الجماعة الإسلامية المسلحة”، منذ العام 1993. وتمتلك الجماعة، المصنفة على قوائم الإرهاب، مؤسسة الأندلس التي تعد بمثابة الذراع الإعلامي لها.
ومن بين أبرز عمليات الجماعة، اختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين من القنصلية الجزائرية، في مدينة غاو، في أبريل العام 2012.
اقرأ أيضًا: كيف تصنع متطرفًا.. عمليات غسيل المخ من الإخوان إلى داعش
بينما تعد كتيبة “الملثمين” أحد الكتائب العسكرية التابعة لـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وتتبع تنظيميًا إمارة الصحراء في البنية الهيكلية للتنظيم، بقيادة أمير منطقة الصحراء، يحيى أبو الهمام.
وقد تولى إمارة الكتيبة، مختار بلمختار، لكن تم عزله في العام 2012، لذا، قام بتأسيس كتيبة أخرى عرفت بـ”الموقعون بالدماء”.
تنافس داعش والقاعدة على الإرهاب في أفريقيا
وفي ظل هذا الصراع والتنافس، التنظيمي والولائي، المحتدم بين القاعدة وداعش، تأسست جماعة “المرابطون”، في أغسطس 2013، بعد الاندماج بين كتيبة “الموقعون بالدماء”، و”حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا”، حيث صدر بيان عن جماعة المرابطون تعلن فيه أنها نأيها بنفسها عن تنظيم داعش مقابل ولائها للقاعدة، ووقعت بيانها باسم “المرابطون- قاعدة الجهاد في غرب أفريقيا”.
بيد أن أول بيعة لتنظيم داعش في غرب أفريقيا، برزت من خلال التنظيمات الجهادية الناشطة، في شمال مالي، بواسطة جماعة “المرابطون”، تحديداً في مايو العام 2015، حيث أعلنت مبايعتها لزعيم التنظيم آنذاك أبو بكر البغداد، وبالتبعية عُيّن أمير جديد هو عدنان أبو الوليد الصحراوي.
ورغم ذلك، انتهى الحال بإخفاق البيعة لتنظيم داعش في المنطقة، حيث اتفق مجلس شورى الكتيبة على مبايعة مختار بلمختار، وتنظيم القاعدة مجددًا، ومن ثم عزل أبو الوليد وأُلغيت بيعته لداعش.
التفت زعيم تنظيم داعش، أبو الهاشمي القرشي، والذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل البغدادي، إلى منطقة الساحل والصحراء لإيجاد بيئة جديد لاستعادة شتات تنظيمه الإرهابي، وذلك على خلفية هزيمة آخر جيب للتنظيم في الباغوز بسوريا.
هذا وتتميز المجموعات المنتمية لداعش في غرب أفريقيا، بقيادة أبو الوليد الصحراوي، بخبرات تنظيمية وعسكرية مؤثرة.
بيعات البغدادي
واللافت أن البغدادي ذاته، قبل مقتله، خرج في نهاية أبريل الماضي، في أحد إصدارات التنظيم المرئية، يعلن قبول بيعات جديدة لتنظيمه في أفريقيا، وقد أثنى على عدنان الصحراوي، قائد التنظيم، وذلك للمرة الأولى في منطقة الساحل والصحراء.
وتواترت عدد من الإصدارات المرئية التي تبث صورًا دعائية للتنظيم في أفريقيا، مثل ظهور أبو سلمة المنجاوي، وجاء فيها: “الحملات المتتابعة للقوات الحكومة النيجيرية والقوات الأفريقية المكلفة بمكافحة الإرهاب فشلت في استعادة الجزء الخاضع لسيطرة تنظيم ولاية غرب أفريقيا، في بحيرة تشاد، كما أن التنظيم تمدد في النيجر وتشاد”.
وبحسب قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، التي تضم أكثر من 170 ألف حادث تصنف على أنها إرهابية؛ فإنه خلال الفترة ما بين 1970 و2017، كان النشاط الإرهابي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء، أكبر من المناطق الأخرى حول العالم. وبالجملة شهد 2017 ارتفاعًا كبيرًا للنشاط الإرهابي على بالمقارنة بالعقدين السابقين.
وإلى ذلك، يشير مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن هناك اتجاهات عديدة رصدت مستقبل المجموعة الداعشية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، والتي تضم أخطر الفروع الموالية للتنظيم، في القارة الأفريقية؛ حيث تضم بعض العناصر التي لديها خبرة عسكرية وعملياتية قوية، منذ كانوا أعضاء سابقين في تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وقد مثل تحولهم إلى داعش، عام 2014، ضربة قوية للأول في ذلك التوقيت، وهو الأمر الذي ترتبت عليه مواجهات عنيفة مع العناصر والمجموعات “القاعدية” المنتشرة في تلك المنطقة.
اقرأ أيضًا: “داعش والقاعدة وبوكو حرام”.. خريطة الإسلام المسلح في أفريقيا
كما أن منطقة الساحل والصحراء اكتسبت اهتمامًا خاصًا من جانب تنظيم القاعدة، الذي يراها منطقة نفوذه التقليدي والتاريخي، على نحو دفعه إلى العمل باستمرار على تحجيم أنشطة التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم داعش، من خلال توجيه ضربات قوية لها، ما أدى إلى تقليص نفوذها بالفعل، حتى أعلن أبو الوليد الصحراوي، مطلع العام 2018، رغبته في التعاون مع القاعدة، لمواجهة القوى المناوئة للتنظيمات الإرهابية.
ماذا بعد مقتل البغدادي؟
بيد أن مقتل البغدادي وتأخر الصحراوي في إعلان البيعة للقائد الجديد، قد يدفع القاعدة إلى رفع مستوى ضغوطها على داعش، ليعود الصراع والتنافس مجددًا كسمة رئيسة للعلاقات بين التنظيمين.
لكن من ناحية أخرى، تعد وفاة البغدادي كاشفة عن جملة من التغييرات، كما يرصدها مركز المستقبل؛ إذ ثمة مؤشرات بدأت تظهر بالفعل؛ حيث لم تقم مجموعة الساحل والصحراء بمبايعة القائد الجديد للتنظيم، والتي في حال صدورها، بأي وقت، فإنها ستكون متأخرة، وهو ما يعني وجود حالة من التردد في تجديدها، بما يزيد من احتمال أن تواجه مجموعة داعش في الساحل والصحراء أزمة غير هينة، ستكون لها تداعياتها على وجوده بالمنطقة.