صرخة تخترق الجدران طالبة النجدة في طياتها، دون تحرك من الجيران، الذين يسمعون الاستغاثة، فيسود الصمت في الأرجاء، بينما الكل منصت، وفي الجهة الأخرى تعلو أصوات الصيحات.
يتعالى الصراخ مجددًا، ولكن هذه المرة مع صدمة دوي ارتطامها. ألقت المرأة نفسها إلى سطح مبنى يقل مسافته طابقين عن حيث كانت، في محاولة للهرب من الزوج العنيف.
تسكن سهام -اسم مستعار- في أحد الأحياء الشعبية، بعد أن غادرت منزل أسرتها إلى بيت زوجها “كل يوم بيرجع من الشغل يفتش البيت بدون مبرر ويبدأ يضربني بدون سبب، غير الشتائم، وأوقات بيضرب الولد”.
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 نوفمبر من كل عام لإحياء “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة“، بهدف رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات، التي تتعرض لها المرأة حول العالم، وتتدرج من العنف اللفظي والمنزلي إلى الاغتصاب وغيره من أشكال العنف المُتعددة.
وصّف إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، العنف ضد المرأة بـ”أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.
تحويل العالم إلى البرتقالي
ويحمل اليوم العالمي هذا العام شعار “تحويل العالم إلى البرتقالي: موّلوا، واستجبوا، وامنعوا، واجمعوا!”. وكما في السنوات السابقة، سيصادف اليوم الدولي لهذا العام تدشين 16 يومًا من النشاط، الذي سيختتم في 10 ديسمبر 2020، ويزامن حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وتُنسق الجهود ذات الصلة بهذه المناسبة لإضاءة المباني والمعالم الشهيرة باللون البرتقالي، تذكيرًا بالحاجة إلى مستقبل خالٍ من العنف.
ذكر الموقع الرسمى لنادي “بايرن ميونخ” الألماني، أنه ستتم إضاءة ملعب “إليانز ارينا” باللون البرتقالي اليوم؛ لإرسال إشارة مناهضة للعنف ضد النساء والفتيات، من غروب الشمس حتى الساعة 8 مساءً ، مشيرًا إلى “أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى رفع الوعي بهذا الأمر”.
اقرأ أيضًا: في عامها الأخير.. ماذا حققت استراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة؟
العنف والكورونا
مع تنفيذ البلدان تدابير الإغلاق لوقف انتشار فيروس كورونا، اشتد العنف ضد المرأة وبخاصة العنف المنزلي في بعض البلدان، حيث زادت المكالمات إلى أرقام المساعدة خمسة أضعاف، بحسب هيئة الأمم المتحدة.
” والدي مختل عصبيًا بيضربنا بشكل عنيف أنا وأخويا”، بتلك الكلمات تعود منة -اسم مستعار- إلى قبل ثلاث أشهر، حيث عانت في منزلها من العنف الأسري.
وتحكي منة لـ “مصر 360″، عن بداية العنف الذي واجته حتى عمر الـ 26 عامًا: “كان عندي 5 سنين وطلب مني أبي إحضار شيء فلما أحضرت شيئًا مغايرًا لطلبه صفعني، وحينما اعترضت أمي سبها وطلقها ثم ردها “.
ولم تسلم منة من العنف في عمر 11 سنة “كنت بلعب مع أخويا طلعت بره البيت وكان ظاهر جزء بسيط من بطني أدخلني البيت وسحبني من شعري ثم انهال علي بالضرب”.
استمرت منة في تلك الأجواء الأسرية العنيفة، حتى قررت الذهاب إلى دكتور نفسي: “بقيت حساسة زيادة، واتشخصت borderline أو اضطراب الشخصية الحدية”.
تركت منة منزل الأسرة هربًا من عنف والدها المستمر، بعدما حسبها بغرفتها لعام كامل، واشتد الأمر عليها بعد انتشار جائحة كورونا، والتزام الأسر المنازل “هربت من البيت بمساعدة أحد صديقاتي، جمعت أشياء خفيفة ومشيت ومن غير لبس شتوي”.
جائحة عالمية
أشارت الهيئة العامة للأمم المتحدة للعنف ضد المرأة إلى أن ما ترتب على الجائحة العالمية من مكوث الأسر بالمنازل كان ضمن عوامل العنف الأسري بعدة أشكال، سواء كان جسديًا، أم جنسيًا، أم نفسيًا.
وأفاد تقرير لمنظمة الصحة العالمية، بعنوان “كوفيد-19 والعنف ضد المرأة في إقليم شرق المتوسط“، بأن الإقليم يأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد المرأة (37%)، وأن هناك زيادةً في حالات العنف خلال الجائحة بنسبة تتراوح من 50% إلى 60% بناءً على مكالمات الاستغاثة التي تُجريها النساء عبر الخطوط الساخنة لمنظمات المرأة.
تكة المفتاح
“بكره صوت تكة مفتاحه، دخوله البيت نكد”، تقول “منة”، واصفة حالها بعد تلميحها بترك منزل أسرتها بحثًا عن الأمان، ليعوق عقاب الأب لها بالحبس لمدة عام كامل، دون أدوات للتواصل.
حاولت “منة” الانتحار، وتم تحويلها إلى مصحة نفسية، مكثت فيها قرابة الشهر ونصف الشهر “خرجت واتحبست تاني ولكن بشكل أخف، كان مسموح لي بالذهاب للعمل فقط، والعودة للمنزل فورًا، ووضع برنامج تتبع على هاتفي”.
عنف زوجي
لا تنسى أميرة -اسم مستعار- ما عاشته طيلة 17 عامًا، حتى بعدما قررت الانفصال “كنا في انتظار الخناق والنكد والنقد وعلو الصوت ثم الشتائم البذيئة التي تنتهي بالضرب المبرح والبصق على الوجه والبكاء وتكسير كل شئ قابل للكسر أولها قلوبنا”.
أوضحت بعض الدراسات التي أجريت في بلدان مختلفة أن نسبة النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 عامًا، وتتعرضن للعنف البدني أو العنف الجنسي من جانب الزوج أثناء حياتهن، تتراوح ما بين 15% و71%. ويعد عنف الزوج أكثر أنواع العنف، الذي تتعرض له المرأة شيوعًا، بحسب منظمة الصحة العالمية.
اقرأ أيضًا: العنف الأسري وكورونا.. النساء ضحايا أزمات الرجال الاقتصادية
حكايتي مع المحاكم
“تزوجت جواز صابونات، كانت حالته المادية بسيطة، ساعدته وتحملت ظروفه، بدأ ربنا يكرمه وتحول مستواه المادي، وهنا بدأت كل أشكال العنف ضرب وكدمات في كل الجسم، وكسر ضلع، وكسر إيد”، تقول حنان.
تحملت حنان -اسم مستعار- قهر الزوج 13 عامًا رغبة في الحفاظ على أولادها الثلاثة، منهية تلك العلاقة منذ 4 سنوات “خطف مني الأولاد بينهم طفلة رضيعة، وضربني أمام حارس العمارة بعد اكتشاف خيانته لي مع زوجة الحارس، وبدأت قصتي مع المحاكم، واكتشفت بأن دخله يصل إلى 30 ألف جنيه، وأعيش أنا و3 أولاد بـ 2700 جنيه فقط”.
هروب من الأسرة
تتعرض السيدة، وخاصة المطلقة لرفض مجتمعي، وداخل المنزل تنشأ صراعات بين أفراد الأسرة، لذلك لجأت دعاء إلى الزواج مرة أخرى “تزوجت أول واحد تقدم لي بعد طلاقي، عايزة أخلص بأي طريقة من أمي.. كانت معيشاني في جحيم”.
تعرضت دعاء للضرب من الأسبوع الأول في الزواج “شكوت لأهلي فنصحوني بالصبر خوفًا من الطلاق الثاني”، لتجد نفسها مرة أخرى حاملاً بجنين.
تسعى دعاء منذ سنة للطلاق، بعد استيلاء زوجها على كل ما تملكه “بشتغل شغلانتين عشان أصرف على عيالي الاتنين، وهو بيدفع رشاوى عشان يماطل في النفقة”.
ويقول المحامي مايكل رؤوف المحامي بمركز “النديم لدعم ضحايا العنف”، إن الفترة الأخيرة شهدت زيادة في حالات العنف داخل الأسرة، ومؤخرًا من الأمهات بشكل مبالغ فيه.
وعن حالات العنف الزوجي، فيقول رؤوف: “متواجد ولن تقل نسبته”، مشيرًا إلى أن مشكلته قانونية اجتماعية، وأن الأزمة فيما يراه الرجل حقًا في تأديب الزوجة أو الأبناء بالضرب.
ويرى رؤوف ضرورة تدشين قانون موحد ضد العنف ضد المرأة شامل لكافة أنواع الأسرة، لافتًا إلى أن عدد من المؤسسات الحقوقية عكف على مشروع قانون تم تسليمه للنائبة نادية هنري، وتم جمع توقيع 66 عضوًا بالمجلس، في انتظار اللجنة العامة للتصويت عليه.
انضموا إلى حملة الأمم المتحدة لمواجهة العنف ضد المرأة!
يمكنك إحداث فرق والمشاركة شخصيًا أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي وباستخدام موادنا الرسمية لبدء نقاشاتكم الخاصة بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي باستخدام الوسوم التالية: #GenerationEquality #orangetheworld #16days #spreadtheword .