“عندما غادرت منزله، بوجه متورم، أجرُّ في ذيل عباءتي طفلين أكبرهما ثماني سنوات والآخر أربع سنوات، بينما أحمل على ذراعي، الصغيرة ذات التسعة أشهر، لم أكن أعلم أنني سأعود بعد أقل من عامين، إلى جدرانٍ لم أبت وراءها ليلة إلا مقبوضة أو باكية، منذ تزوجته قبل عشر سنوات”، هكذا تصف صفاء (32 سنة) شعورها بعد عودتها إلى بيت زوجها، بعد عشرين شهرًا غاضبة في بيت أبيها.
كانت صفاء تسعى للخلاص من زواجها لتستريح من آثار “عشر سنوات من الضرب والسب، والضغط على أعصابي، دون سبب، اللهم إلا إذا ارتفع صوتي أو صوت الأولاد أثناء نومه، أو تحدثه في الهاتف، أو إن لم يعجبه طعامي، أو تصرفي في موقف ما، أو لأي سببٍ، ليس بسبب”، كما تقول.
العنف ضد المرأة
يعد العنف الزوجي من أكثر أنواع العنف ضد المرأة انتشارًا. ووفقًا لتقرير عن الكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر، فإن مليون امرأة سنويًا يتركن منزل الزوجية، بسبب العنف الواقع عليهن من الزوج.
وبحسب التقرير الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، والمجلس القومي للمرأة؛ تصاب مليوني و400 ألف امرأة سنويًا بنوع واحد أو أكثر من الإصابات الجسدية، على يد الزوج أو الخطيب.
وبسبب الضرب من الزوج، تصاب 200 ألف امرأة حامل سنويًا، بمضاعفات خطرة أثناء الحمل، فيما تزيد معدلات الإجهاض بنسبة 3.4%، بين من يتعرضن للعنف، مقارنة بالنساء اللواتي لا يتعرضن للعنف. مع ذلك، نسبة كبيرة من الزوجات المعنفات الغاضبات، يعدن لمنزل الزوجية، فلماذا؟
العنف ضد المرأة.. الفقر أقوى
الإجابة عند صفاء في “الفقر”. بعد قرار صفاء ترك البيت والذهاب لبيت أهلها كمقدمة لطلب الطلاب، حاول زوجها إعادتها للمنزل مع وعود بعدم تكرار العنف الممارس عليها من قبله، غير أنها تمسكت هذه المرة بالمضي في قرار الطلاق.
رفعت صفاء قضية نفقة لها ولأبنائها، وقضية أخرى للمطالبة بقائمتها، ورفع زوجها في المقابل دعوى طاعة. في قضية النفقة حكمت المحكمة لصفاء وأبنائها بـ1500 جنيه شهريًا، قبلت في البداية. لكن المبلغ لم يكن كافيًا بالنسبة إليها، فاضطرت للعودة إلى الزوج مرة أخرى.
لم تكن إسراء أفضل حالًا من صفاء، فبعد طلاقها من زوجها، عاشت هي وابنتيها مع أخيها وزوجته في شقة تركها لهما الوالد الراحل، لكن مضايقات أخيها وزوجته، وعدم قدرتها على سد نفقات ابنتيها، حيث تتقاضى من زوجها 900 جنيه فقط كنفقة، دفعتها للعودة للزوج هربًا من الفقر. عشرة أيام فقط مضت بعد عودتها للزوج، لينهال عليها بالضرب مجددًا لتأخرها في إعداد الغداء، كما قالت لـ”مصر360″.
وهكذا تكون الحاجة المادية السبب الرئيسي لعودة المرأة المعنفة إلى شريكها. وتؤكد انتصار السعيد، مدير مؤسسة القاهرة للقانون والتنمية، على ذلك، إذ قالت لـ”مصر360″، إن الظروف الاقتصادية الضاغطة “تجبر المرأة، خاصة لو لديها أبناء، على العودة للزوج”، وتزداد حالات العودة بين النساء اللواتي لم يكملن تعليمهن الجامعي بما يجعل فرصهن في العمل أضعف.
النفقة وتحريات الدخل
تتحدد النفقة بناءً على ما يعرف بـ”تحريات الدخل” التي تجريها الشرطة. ووفقًا للمحامي عبدالتواب سلطان، فعادة لا تكون هذه التحريات حقيقية، فضلًا عن أن تكون دقيقة. يوضح سلطان: “لو أن الزوج لديه أكثر من دخل، أو شريك في مشروع خاص، فهذا كله لا يُثبت في التحريات، وعادة ما تحكم العلاقة بين المخبرين أو أمناء الشرطة الذين يقومون بالتحريات، تحديد دخل الزوج، وربما يكونوا على معرفة به فهو من أبناء دائرتهم”.
45.6% من النساء في مصر يتعرضن للعنف من جانب الزوج، 31.8% منهن تعرضن للعنف البدني، و12.3% تعرضن لعنف جنسي.
ما الحل إذًا؟ يرى سلطان أن الحل في أن تجري المحكمة بنفسها تحريات الدخل، وبالاعتماد على شهادة شهود حول ما يمتلكه الزوج فعلًا ومصادر دخله.
ومن جهة أخرى، فإنّ نسبة النفقة التي تلزم المحكمة الزوج بها من مجموع دخله؛ تتحدد بناءً على تقدير القاضي، الأمر الذي يعتبره سلطان بابًا لوقوع الظلم على المرأة، مقترحًا أن يعدل القانون بما يجعل النفقة نسبة مئوية محددة.
من جانبها، تعتقد انتصار السعيد، أن سن قانون “الثروة المشتركة” بين الزوجين، قد يكون كفيلًا بحل مشكلة النفقة، إذ سيحدد القانون مستحقات الزوجة كما مستحقات الزوج، بتقسيم الثروة الزوجية بينهما بنسبة تضمن للمرأة، حال الطلاق، ما يعينها وأبناءها، دون الاضطرار للقبول بالعودة للزوج.
الكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة
بدأت من الأمس، الثلاثاء 25 نوفمبر 2020، الحملة الأممية للقضاء على العنف ضد المرأة، والممتدة حتى العاشر من ديسمبر المقبل. تمثل هذه الحملة فرصة لتسليط الضوء على إحصائيات قد تكون صادمة، في ما يخص ما يمارس ضد المرأة من عنف، وصادمة أيضًا في ما يخص الكلفة الاقتصادية لما بعد العنف، والتي تتحملها المرأة أيضًا، بما يجعلها ضحية مرتين.
وبحسب دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن “العنف ضد المرأة والتكلفة الاقتصادية الناشئة عنه”، فإن 45.6% من النساء في مصر يتعرضن للعنف من جانب الزوج، 31.8% منهن تعرضن للعنف البدني، و12.3% تعرضن لعنف جنسي.
ووفقًا لتقرير التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر، الصادر في 2015، فإن النساء المعنفات في مصر، والغاضبات عن بيت الزوجية، يتحملن كلفة سكن بديل بقيمة 585 مليون جنيه سنويًا.
وبالجملة، فإن قيمة ما تكبدته النساء وأسرهن بسبب العنف الممارس ضدهن، بلغ في 2014، مليارين و17 مليون جنيه مصري، استنادًا إلى إحصائية حصرت فقط النساء اللواتي تعرضن للعنف الشديد.