شهدت الغرفة الثانية للبرلمان في مصر (مجلس الشيوخ)، في أول جلسات انعقادها، سجالاً حول حذف عبارة “مبادئ الشريعة” من لائحة المجلس، بين مؤيد يراها تكرارًا لما أكد عليه نص الدستور سلفًا، ومتخوف من إثارة الحذف “للحساسية الدينية”.
ينص البند الخامس بالمادة 46 من لائحة المجلس، على أن “تختص لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية باقتراح تعديل القوانين بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكام الدستور”.
الدستور تضمن مبادئ الشريعة
النائب محمود سامي، الذي تقدم بمقترح حذف عبارة “الشريعة الإسلامية” من لائحة المجلس، أكد أن الأمر بعيد تمامًا عن إثارة أي خلاف في أي شق ديني، وأضاف أن أجندته الشخصية وأجندة حزبه “المصري الديمقراطي”، تنطلق من هموم اجتماعية واقتصادية وتحديات سياسية في المقام الأول، وليس إثارة الخلاف.
وتقدم سامي بـ 24 تعديلاً على مسودة اللائحة، توافق على 20 منها مع رئيس المجلس وأعضاء اللجنة المختصة قبل الجلسة العامة، بينما طرحت المواد الأربعة المتبقية للتصويت في الجلسة العامة أمس.
وكان من بين المواد التي تقدم بها مقترح تعديل المادة 46 حول اختصاصات اللجنة التشريعية. وهنا يدافع محمود سامي عن مقترحه بأنه يأتي من منطلق عدم تكرار ما هو موجود سلفًا في الدستور.
وينص الدستور على أن “مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، ويرى النائب محمود سامي أن نص المادة 46 حافظ على التمسك بالشريعة الإسلامية، بما تضمنه من عبارة “وما يتوافق مع أحكام الدستور”، متسائلاً: “فلماذا نكرر ما هو موجود في الدستور بالأساس؟”.
اعتراض لـ”عدم التزود” في الصياغة
اقرأ أيضًا: اعرف حقك| حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر في الدساتير المصرية.. خطوات للخلف
ولم يكن نص المادة 46 محل اقتراح بتعديل من النائب، الذي أبدى تحفظًا أيضًا على المادة 31، التي رأى أنها تحوي عبارات فضفاضة بشأن مخالفات للعضو قد تشكل خروجًا على القيم الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية أو المبادئ الأساسية السياسية أو الاقتصادية للمجتمع المصري.
وقال: “كان يمكن الاكتفاء بجملة (عدم مخالفة أحكام الدستور والقانون واللائحة) في المادة 31 بدلاً من النص الذي كانت عليه”، مضيفًا أن اعتراضاته على المادتين 31 و46 كلها حول “عدم التزود” في الصياغة.
خلال الجلسة، رأى أعضاء آخرون أن تعديل المادة المادة 46 وفق مقترح زميلهم محمود سامي قد يثير “حساسية”، وأن وجودها لن يحدث ارتباكًا مع النص عليها سلفًا في الدستور.
وضم هذا الفريق المؤيد للإبقاء على عبارة “الشريعة الإسلامية” رئيس المجلس المستشار عبدالوهاب عبدالرازق الرئيس السابق للمحكمة الدستورية، والمستشار بهاء أبوشقة، ومقرر لجنة اللائحة المستشار فرج الدري الذي كان أمين عام مجلس الشورى سابقًا، لينتهي هذا السجال داخل المجلس أمس برفض المقترح، بعد التصويت على المادة.
لسنا ضد مبادئ الشريعة بل نتخوف من الضغط السلفي
إيهاب الخراط نائب رئيس الحزب “المصري الديمقراطي”، الذي ينتمي إليه النائب محمود سامي، قال إن هناك ما يوحي بوجود “ضغط سلفي” لإعادة إحياء فكرة الدولة الدينية في مقابل الدولة المدنية، لكنه أشار إلى هذا بـ”أغراض معنوية ليست متحققة على أرض الواقع”، وإن كانت “شديدة الإزعاج، خاصة مع تذكر ما عانينا منه في ظل محاولات الجماعات الدينية تسريب أفكارها ووضعها بين السطور”، على حد قوله.
وفي تصريحاته لـ”مصر 360″، قال الخراط: “لا نختلف مع أن الدستور يقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية، كالحرية والعدل والمساواة وحرية كل فرد، وهي تعاليم تتفق مع كل الشرائع، لكننا ضد أن يكون هناك نافذة لسيطرة رجال يدعون أنهم يمثلون الدين برفع شعارات لها صبغة دينية، هي أبعد ما يكون عن الدين، وحق يراد به باطل”.
ويؤكد نائب رئيس “المصري الديمقراطي” أن ما جرى في مجلس الشيوخ من النص على الشريعة الإسلامية، وقبله من النص عليها في المادة الثانية من الدستور، لن يكون له تأثير أو مردود واقعي على القوانين والتشريعات الخاصة بالأقباط.
لكنه حذر من فكرة عودة سيطرة تلك الآراء ومن ورائها من تيارات تتشح بالدين، وتستخدم هذا النوع من الألفاظ أو الكلمات التي يحترمها المصريون، لخدمة أغراضهم.
الوفد يؤيد الإبقاء على مبادئ الشريعة
النائب عن حزب الوفد طارق التهامي، والذي كان بين الرافضين لحذف عبارة “مبادئ الشريعة الإسلامية” من المادة 46، قال إن حديث رئيس الحزب ووكيل مجلس الشيوخ بهاء أبوشقة، وإصراره على عبارة “الشريعة الإسلامية” جاء لضبط ناحية قانونية ودستورية بحتة.
وأضاف أن موقف أبوشقة لا يتعارض مع كون حزبه ليبرالي بامتياز، رافض للدولة الدينية طوال فتراته وعصوره رؤسائه، وأن منهجه الفكري مرتبط بالدولة المدنية.
وأوضح التهامي، في تصريحات لـ “مصر 360″، أن ما صدر عن رجل قانون مخضرم كبهاء أبوشقة لا يحمل ترسيخًا لأي صبغة دينية أو فكرية أو عقائدية، وإنما جاء فقط من أجل ألا يكون هناك تعارض أو شبهة لعدم دستورية بين اللائحة والمستقر عليه في نصوص الدستور.
اقرأ أيضًا: كريمة يتصدى لبهاء سلطان.. هل يخالف ترتيل المطربين للقرآن الشريعة الإسلامية؟
ويرى التهامي أن ليبرالية حزب الوفد لم تمنعه طوال العقود الماضية من إدراك أنه يحيا بين مجتمع مصري به الأزهر الشريف، والكثير من القواعد القانونية والمواد الدستورية المرتبطة بالشريعة الإسلامية.
وعن التخوف بشأن التضارب بين شرائع أصحاب الديانات الأخرى ونص “بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية”، أوضح المستشار بهاء أبوشقة -أمام المجلس- أن الدستور أشار لأصحاب الديانات الأخرى من اليهود والمسيحيين، وأن عقائدهم تنظم أحوالهم الشخصية، وأن الاحتفاظ بالصياغة التي أقرها المجلس للمادة 46 المقصود به ضوابط الصياغة من الناحية القانونية والدستورية البحتة، بحيث لا تكون مخالفة لمادة دستورية صريحة.
مادة حائرة منذ الثمانينيات
هذا الجدل الأخير حول الشريعة الإسلامية لم يكن الأول، ففي العام 1980 أدخل الرئيس الراحل أنور السادات تعديلات على دستور 1971، استهدف بها ترضية أصحاب الصوت العالي في تلك المرحلة التاريخية، سعيًا لكسب ولاء الإسلاميين، بتغيير المادة الثانية، ما حول “مبادئ الشريعة” من مصدر للتشريع إلى المصدر الرئيسي للتشريع.
وتجدد هذا الجدل مرة أخرى في الفترة ما بعد أحداث يناير 2011، التي شهدت نقاشات داخل البلاد، طغى عليها التوتر والارتباك، حول ما يتعلّق بدور الشريعة الإسلامية في النظام القانوني والسياسي الناشئ، في ظل سيطرة الأحزاب الإسلامية.
وفي العام 2012، أثار تعديل المادة الثانية للدستور جدلاً واسعًا بين أعضاء اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور.
وبرزت اتهامات حينها بأن التيارات الإسلامية تمثل غالبية أعضائها، وقد عزز التيار السلفي من تلك المخاوف، بأن يتم إدخال تغييرات على نصها لتحل كلمة “أحكام” الشريعة بدلاً من “مبادئ” الشريعة، ليخرج حينها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، معلنًا الإبقاء على المادة الثانية للدستور المصري دون زيادة أو تحريف.
وفي أعقاب مظاهرات 30 يونيو، جرى تعطيل دستور 2012، وأصدر حينها المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت في يوليو 2013 إعلانًا دستوريًا من 33 مادة.
وقد نصت المادة الأولى من هذا الإعلان على أن “جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، والإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة، المصدر الرئيسي للتشريع”.
وفي العام 2014، ومع الشروع في صياغة دستور البلاد، جرت إعادة النظر بالمواد المتعلقة بالهويّة المصريّة، وأعيد النص المتعلّق بالشريعة إلى ما كان عليه في دستور عام 1971.
لم يتغير الأمر مع التعديلات الدستورية في العام 2019، ليكون النص: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع”.