ارتفعت أسعار الحديد في مصر مرتين متتاليتين في أسبوع واحد، بإجمالي ألف جنيه، بعد أن اتخذت شركات الحديد القرار بصورة جماعية معلنة، وعممته على وكلائها في القاهرة والمحافظات.
ويمثل لجوء الشركات لرفع السعر مرتين خلال شهر واحد، سابقة لم تحدث في تاريخ الصناعة، الأمر الذي ينطبق أيضًا على توحيد السعر بينها عند رقم واحد، دون أي اختلافات ولو طفيفة بالأسعار.
وأعلنت أكبر خمس شركات في السوق المصرية أسعارها الشهرية الأسبوع الماضي، بزيادة 500 جنيه للطن، قبل أن تعاود يوم 27 نوفمبر، رفع الأسعار مجددًا بالقيمة ذاتها، وبالإجماع بين الشركات الكبرى العاملة بالسوق.
ويبلغ سعر طن حديد التسليح في حديد عز وحديد المصريين، ومجموعة بشاي للصلب، ومجموعة السويس الصلب، والعتال، نحو 11 ألفًا وجنيه واحد تسليم أرض المصنع، فيما يرتفع السعر ما بين 100 و400 جنيه بالمحافظات، بحسب اعتبارات المسافة والنقل.
أسعار الحديد .. الشركات تلقي الكرة في ملعب الحكومة
برفعها أسعار الحديد تلقي الشركات الكرة في ملعب الحكومة، إذ تؤكد دائمًا أن مصر أعلى دولة في العالم في سعر الغاز بما يعادل 4.5 دولار لكل مليون وحدة مقابل 2.5 دولار لكل وحدة عالميًا. وتقول الشركات إن ذلك يؤدي إلى رفع أسعار المنتج المصري، بما يضر بتنافسيته في ظل انخفاضات أسعار منتجات دول منافسة مثل الصين وتركيا.
اقرأ أيضًا: غاز مصر.. من الاستيراد إلى الإنتاج العالمي
هذا ويبلغ سعر طن حديد التسليح التركي في الأسواق العالمية 510 دولار، بما يعادل 7956 جنيهًا، مقابل 490 دولار (7644جنيهًا) في 13 نوفمبر الماضي ، بما يعني أن الزيادة في متوسط الأسعار العالمية لا تتجاوز 20 دولارًا تعادل 313 جنيهًا.
في السياق، يبدي أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية، استغرابه من ارتفاع الأسعار في ظل ركود السوق على خلفية قرار الحكومة بوقف تصاريح البناء. ووفقًا لحديثه إلى “مصر360″، يرى الزيني أن “معدل الزيادة ذاته غير مبرر، ولا يتناسب مع ارتفاع خام البيت، والخردة عالميًا”.
وبلغ سعر طن خردة الحديد في بورصة لندن للمعادن، 385 دولارًا للطن، بينما بلغ سعر طن حديد التسليح 556 دولارًا للطن بما يعادل 9229 جنيهًا مصريًا/ وهو أقل من سعر البيع بالسوق المصرية بنحو 1870 جنيهًا للطن الواحد.
وتنتج مصر نحو 7.9 مليون طن من حديد التسليح، ونحو 4.5 مليون طن بليت، بينما تستورد 3.5 مليون طن بيليت أخرى لأغراض التصنيع، وفقًا لبيانات غرفة الصناعات المعدنية.
وعلى عكس تبرير الشركات رفع أسعار الحديد بزيادة أسعار الغاز الطبيعي، يقول الزيني إنها لجأت لرفع السعر كوسيلة لتحقيق الربحية وتعويض تراجع إنتاجها بسبب قرارات توقف أعمال البناء.
“الدرفلة” تشكو الاحتكار
تنقسم شركات إنتاج الحديد في مصر لثلاث فئات: أولها “مصانع الدورة المتكاملة”، التي يبدأ إنتاجها من الخامات الاستخراجية وحتى المنتج النهائي. وهناك مصانع الدورة نصف المتكاملة، التي تعتمد على صهر الخردة أو ما يسمى بالحديد الإسفنجي. أما النوع الثالث هو مصانع الدرفلة التي تشترى “البليت” من مصدر محلي أو مستورد وتعيد تحويله إلى حديد.
تستطيع المصانع المتكاملة التعامل مع المادة الخام أو تراب الحديد، الذي يستخرج من الصخور، ثم يوضع في فرن تحت درجة حرارة عالية كي يصهر قبل أن يتم تصفيته. ويكون البليت في المرحلة التالية عبارة عن صفائح نصف مصنعة، يتم درفلتها للحصول على المنتجات النهائية مثل القضبان.
والدرفلة هي عملية تشكيل المعدن بين درافيل دوارة عن طريق ضغطه بينها من أجل الحصول على الشكل والحجم المطلوبين. وتتضمن هذه العملية تقليل سمك المعدن المشكل مع زيادة طوله وعرضه.
قبل أسابيع، قررت الوزارة خفض رسوم البليت المستورد اللازم لتصنيع الحديد، إلى 60 دولار للطن، بدلًا من 74 دولار. يقلل ذلك تكلفة الإنتاج المحلي على مصانع الدرفلة التي لم تعلن أسعارها حتى الآن، بسبب توقف خطوط إنتاج كثيرة لديها منذ شهور.
وفي أكتوبر 2019 فرضت وزارة التجارة والصناعة رسوم وقائية على مصانع الدرفلة لثلاث سنوات، بنسبة 16% على البليت، مبررة قرارها بالزيادة الكبيرة في الواردات ما يلحق ضررًا جسيمًا بالصناعة المحلية التي تعمل في إنتاج البليت والحديد.
حينها انتشر الحديث بين أصحاب مصانع الدرفلة عن وجود احتكار في السوق من قبل المصانع المتكاملة الكبيرة، وفي مقدمتها حديد عز. وعلى ذلك، قدم 20 مصنع درفلة شكوى لمجلس الوزراء ووزارات المجموعة الاقتصادية من قرار الرسوم الوقائية. ولجأت المصانع إلى القضاء لإثبات تضررها من القرار الحكومي، بعد فشلها في تغييره.
غير أن المصانع خسرت دعواها أمام محكمة القضاء الإداري، بعد مداولات انتهت في يوليو الماضي بحكم بقانونية فرض رسوم وقائية على المنتجات شبه المصنعة أو البليت، ورفض الدعوى المقامة من مصانع الدرفلة، مع إلزامها بمصروفات الدعوى.
وبسبب قرار الرسوم الوقائية، تضررت خطوط إنتاج الشركات، مثل شركة مصر الوطنية للصلب (عتاقة)، التي تراجعت أعمالها بنحو 630 ألف جنيه في الشهور الستة التالية لصدور القرار.
أسعار مبالغ فيها للبليت
المشكلة الأكبر تكمن في كميات البليت التي تشتريها الشركات والمصانع من السوق المحلية، والمبالغة في أسعارها من قبل شركات الدورة المتكاملة، كما حدث قبل أشهر، عندما حددت الشركات الكبير سعرًا يقترب من 10 آلاف جنيه للطن، ما يجعل إعادة إنتاج البليت عبر مصانع الدرفلة، غير مجدٍ ربحيًا.
وعلى مدار فترات طويلة كانت المصانع المصرية تعتمد على البليت الأوكراني بسبب سعره الرخيص، لكن المعادلة تغيرت منذ دخول ميتال الهندية باستثمارات ضخمة، لترتفع بعدها الأسعار بوتيرة متسارعة.
نفس المشكلة تتكرر مع تعاظم الاستثمارات الصينية في مجال تجميع الخردة وصهرها، بعد أن بلغ عددها 24 مصنعًا، بحسب غرفة الصناعات المعدنية. وبسبب تنافسية أسعارها، يلجأ جامعو الحديد القديم للتعامل معها ما يؤثر على مصانع “نصف الدورة”.
ووفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للصلب، تتصدر أستراليا قائمة أكبر الدول المنتجة لخام الحديد في العالم، بإنتاجٍ يبلغ 900 مليون طن، بينما تحتل البرازيل المرتبة الثانية، لكنها تمتلك شركة فال، أكبر الشركات المنتجة للصلب، والتي لم يتجاوز سعر الخام الخاص بها طوال التاريخ 130 دولار.
كيف تؤثر أسعار الحديد على السكن؟
تعتبر مساهمة مواد البناء في أسعار الوحدات السكنية، نسبية بحسب الكميات المستخدمة. وفي حال استثناء الأرض من المعادلة، تبلغ تكلفة الحديد نصف تكلفة مواد البناء المستخدمة بوجه عام.
يضرب المقاول محمد شعبان، لـ”مصر 360″، المثل بوحدة سكنية مساحتها 150 مترًا، تحتاج إلى ثلاثة أطنان حديد على أقل تقدير بقيمة 35 ألف جنيه، في حين لن تزيد تكلفة الإسمنت والطوب عن 16 ألف جنيه.
يقول شعبان الذي يعمل بمحافظتي المنوفية والغربية، إن ارتفاع أسعار الحديد قد يمثل مشكلة “أخطر بكثير” من رفع سعر الوحدات السكنية، هي لجوء بعض شركات المقاولات لتخفيض كميات الحديد المستخدمة في المباني للحفاظ على السعر، ما يقلل من عمرها الافتراضي.
من جانبها تؤكد وزارة التجارة والصناعة، في حيثيات أي قرار تصدره يتعلق بالحديد المستورد؛ على أهمية الحفاظ وتدعيم صناعة الصلب الوطنية، انطلاقًا من أن كل دولار يضاف لهذه الصناعة، يولد نحو 2.5 دولار قيمة مضافة بقطاعات أخرى، وكل فرصة عمل بها، تخلق 6.5 فرصة عمل في صناعات أخرى بشكل غير مباشر.
هذا ويعتبر الصلب الداعم الأساسي للتوسع العمراني والبنية التحتية بنسبة 51% من الاستهلاك العالمي للحديد والصلب، إلى جانب دعمه القدرة التنافسية لعدد كبير من الصناعات التحويلية، مثل صناعة السيارات والهندسة الميكانيكية وصناعة الأجهزة المنزلية.