تطورات جديدة شهدتها إيران مؤخرًا، وسيناريوهات محتملة بهذه الدولة الشرق أوسطية، فتحت الباب للتساؤل حول مستقبل إيران النووية. البلد الذي تسعى إدارة جو بايدن إلى عودة سريعة للاتفاق النووي معه. قبل أن يتفاقم الوضع بتغير داخلي يطرأ على السياسة الإيرانية. أو بخطط إسرائيلية جديدة تعرقل المساعي التي تؤيدها أوروبا المتمسكة باتفاق العام 2015.
شهد الملف النووي الإيراني انفراجة كبيرة مع انتخاب جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة. وبدأ الحديث عن عودة ممكنة إلى الاتفاق، قبل أن يفاقم الوضع مجددًا اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده. الذي اتهمت إسرائيل بتدبير عملية تصفيته بموافقة ترامب. الأمر الذي زاد من التوتر وعدم الثقة المتبادلة بين واشنطن وطهران، الساعيتين بحذر لتجاوز فترة “ترامب المتعنت”.
اقرأ أيضًا: اغتيال كبير علماء النووي بإيران.. هل تسعى إٍسرائيل لإفشال مساعي بايدن الدبلوماسية؟
روحاني القريب للتفاوض
ينقسم الداخل الإيراني حاليًا بين فريقين: أحدهما يطلب الثأر لزاده والرد بالتخلي التام عن الاتفاق النووي لإوجاع أمريكا وإسرائيل. وفريق آخر يرى ضرورة التمهل وإفساح المجال لقراءة واشنطن تحت قيادة إدارتها الجديدة.
في الثاني من ديسمبر الجاري، أقر “مجلس الشورى” الإيراني تشريعًا جديدًا. بعنوان “خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية”.
يدعو التشريع الجديد إلى اتخاذ خطوات جوهرية على الصعيد النووي. وعلى وجه التحديد، إذا لم يتمّ رفع العقوبات خلال الشهرين المقبلين. وبموجب هذا القانون سيتعين على الحكومة التقليل من امتثالها للقيود المنصوص عليها في “خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015. وسيمكن التشريع الجديد الحكومة من التوقف عن التطبيق الطوعي لـ”البروتوكول الإضافي” الصادر عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
ورغم ما أعلنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في تصريحات وجهت للخارج. بأنه “إذا اجتازت خطة العمل جميع المراحل القانونية، ستضطر الحكومة إلى الامتثال لها. وأن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الموقعة على الاتفاق النووي يمكنها منع هذه النتيجة إذا وفت بالتزاماتها”.
لكن الرئيس حسن روحاني، نفسه، كان واضحًا في رفض التشريع الجديد. إذ دعا “مجلس الشورى” إلى عدم التسرع. وطلب “المشورة” من جميع فروع النظام الأخرى، قائلاً: “دعونا نقوم بعملنا بحذر”.
خامئني المستميت لتخفيف العقوبات
ويدافع الرئيس روحاني عن الاتفاق النووي -الذي يمثل أحد أهم إنجازاته في 2015- ويبدو أنه أكثر ميلاً للعودة إلى المفاوضات مع واشنطن. إذ أكد في تصريحاته أن إيران ستتجاهل القانون الجديد إذا أظهرت الولايات المتحدة وأوروبا التزامهما بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
وهذه هي المرة الثانية التي تصطدم فيها قرارات وتصريحات روحاني بمجلس الشورى. ففي عام 2015، هدّد بعض أعضاء المجلس بعدم الموافقة على “خطة العمل الشاملة المشتركة” الجديدة، التي تفاوضت حولها حكومة روحاني آنذاك. لكن عندما وجّه المرشد الأعلى علي خامنئي رسالة بأنه عليهم الموافقة بسرعة، امتثل البرلمان في أقل من 20 دقيقة.
ويقول الباحث في معهد “واشنطن” مهدي خلجي، إنه من غير المرجح أن يكون روحاني قد قلّل من شأن القانون الجديد من دون أن يكون مطّلعًا أو لديه توقعات بشأن موقف المرشد الأعلى بهذا الخصوص.
ويضيف خلجي أنه عند النظر في الضبابية التي تخيّم على السياسات الداخلية للنظام، يبدو أن أحد الاستنتاجات حول القانون الجديد توضح أن خامنئي متردد في اتخاذ أي خطوات لا يمكن الرجوع عنها.
ويفسر التردد الخامنئي برد الفعل الخامد للنظام على اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده مؤخرًا. والذي طالب العديد من المتشددين بالانتقام له. وحتى الآن تجاهل خامنئي هذه المطالب. ما يشير إلى موقفه الحذر من الإدارة الأمريكية المقبلة، واستماتته من أجل تخفيف العقوبات.
تدهور حالة خامنئي
نقل موقع قناة “الحرة” أمس عن مصادر داخل إيران، أن المرشد علي خامنئي نقل جميع سلطاته إلى نجله مجتبى، بعد تدهور حالته الصحية. وكتب الصحفي الإيراني محمد أحوازي، عبر “تويتر”، أن “مصادر إيرانية تتحدث عن تدهور صحة خامنئي منذ يوم الجمعة”. وأن “مقربين من خامنئي خائفون جدًا على وضعه الصحي هذه المرة”.وذكر أحوازي أنه “من غير الواضح حتى الآن سبب تدهور صحة خامنئي هل بسبب معاناته من سرطان البروستات أو نتيجة مرض آخر”. وألغي اجتماع بين خامنئي وروحاني كان مقررًا الجمعة، نتيجة هذه التطورات.
هذا التدهور في الحالة الصحية لخامنئي (81 عامًا) آثار تساؤلات عن المرشد القادم والسيناريوهات المتوقعة. خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني والمفاوضات مع واشنطن.
وحددت دراسة أصدرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في 2014، 5 سيناريوهات لمستقبل منصب المرشد الأعلى في إيران بعد خامنئي. وتضمنت هذه السناريوهات:
1. الاختيار التوافقي الأوحد
إذا لم يترك خامنئي إشارة تدل على ترشيح خليفة بعينه بعد وفاته فقد يلجأ المجلس إلى المفاضلة بين الخيارات المطروحة، فيتجه إلى الخيار الانتقالي الأوحد، إذا لم يظهر مرشح قوي.
2. حلول جماعية
وهي العودة إلى السيناريو الذي تم اتخاذه عام 1989، بإنشاء مجلس للقيادة يتألف من: الرئيس، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مجلس الخبراء. على أن تستغرق تلك القيادة الجماعية مدة محدودة. إلى أن تتمكن القوى السياسية من الوصول إلى تسوية لشكل مؤسسة القيادة من خلال عملية إصلاح دستوري. ومن شأن هذا السيناريو أن يلقى قبولاً لدى جيل الشباب من المحافظين والإصلاحيين. وتبرز فيه شخصيتا: الرئيس حسن روحاني، وصادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية.
3. استعادة أحداث عام 1989
ينظر هذا السيناريو إلى دور السلطة التنفيذية في تعيين منصب المرشد الأعلى كما حدث مع خامنئي نفسه. إذ كان رئيسًا للدولة عندما تولى هذا المنصب عقب الخميني. ويدعم هذا السيناريو أن من يتقلد منصب الرئاسة حاليًا هو الشخصية الدينية حسن روحاني. وقد يحاول بعض وسطاء السلطة الضغط من أجل ترقيته لخلافة خامنئي. وتنحصر فرص نجاح هذا السيناريو، الأكثر ميلاً إلى السياسة، في مدى نقله إلى حيز الواقع عبر وجود شخصيات دينية لائقة يمكنها الاحتفاظ بمنصب الرئاسة في المستقبل المنظور.
4. تدخل قوي من قوى خارجية
يطرق هذا السيناريو احتمال تدخل فاعل من أطراف خارجية في عملية البحث عن مرشد، بهدف تقديم كل طرف رئيسًا صوريًا له يكون خلفا لخامنئي، ويحافظ على مصالحه الاقتصادية الضخمة المكتسبة. وستكون قيادة الحرس الثوري الإيراني الأوفر حظًا لاختطاف منصب المرشد الأعلى، بسبب ازدهار قوتها ومصالحها الاقتصادية الضخمة الذائعة الصيت. وسيمثل هذا السيناريو انحسارًا لأهمية الطبقة السياسية غير العسكرية وتأثيرها، لا سيما الأحزاب الإصلاحية.
5. مرحلة الكرسي الشاغر
وهو أن تمر البلاد بمرحلة “الكرسي الشاغر” ولو مدة وجيزة جدًا، على غرار ما حدث في الفاتيكان في المدة بين وفاة البابا وانتخاب خليفة له. ومن المرجح أن تكون هذه المرحلة قصيرة، وسيتم تجاوزها من خلال إنشاء مجلس قيادة مؤقت لدرء احتمال اندلاع أنشطة متطرفة في المناطق المضطربة في البلاد.
انتخابات 2021
في 18 يونيو المقبل تنطلق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لاختيار خليفة الرئيس حسن روحاني، الذي أمضى فترتين رئاسيتين مدة كل منهما أربع سنوات. إلا أن هذه الانتخابات ليست كغيرها إذا ما نظرنا إلى أبرز المرشحين لخلافة روحاني والمنتمين أغلبهم للحرس الثوري الإيراني.
كان أول هؤلاء المرشحين في نوفمبر الماضي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية، العميد حسين دهقان. وهو أحد أهم المنافسين الأقوياء في السباق الرئاسي، إلى جانب اثنين آخرين هما برويز فتّاح رئيس “مؤسسة المستضعفين” التابعة لخامنئي، وسعيد محمد الذي يترأّس حاليًا مؤسسة “خاتم الأنبياء” الذراع التمويلي الرئيسي للحرس الثوري الإيراني. وثلاثتهم ينتمون للحرس الثوري.
في أكتوبر الماضي، نشرت وكالةُ “بلومبيرج” الأمريكية، تقريرًا للكاتب الصحفي والمحرر الرئيس لمجلة “تايم” الأمريكية بوبي جوش. توقع فيه أن يكون رئيس إيران المقبل عسكريًا. وقال الكاتب إن تولّي أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني الرئاسة سيعمّق حالة العداء بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت واشنطن صنّفت الحرسَ الثوري كمنظمة إرهابية في أبريل 2019، ويخضع العديد من قادته الكبار للعقوبات الأمريكية.
ويسيطر الحرس الثوري الإيراني على مفاصل الدولة الإيرانية، بدءًا من الإمبراطورية المالية، وتهريب النفط والغاز، وحتى المخدرات، إلى السيطرة على البرلمان الذي يترأّسه محمد باقر قاليباف، وهو قائد سابق في القوات الجوية للحرس.
هيئة رجال الدين تخلو من مرشح بارز
ويشير الكاتب إلى أن خامنئي يوظف الحرس الثوري لقمع معارضيه الإيرانيين، وتخويف الخارج. وأنه يتحكم في مجلس صيانة الدستور المنوط به تحديد صلاحية الأفراد للترشح لرئاسة الجمهورية من عدمه. ومن خلال ذلك، يمكن له انتقاء الأفراد الموالين له للرئاسة.
ويوضح الكاتب أن استخدام خامنئي نفسَ الأسلوب عن طريق هذا المجلس مع مرشحي الحرس الثوري سيكون أكثر صعوبة لسبب واحد، وهو أنه لا يوجد مرشحٌ واحد بارز من هيئة رجال الدين التي ينتمي إليها خامنئي.
وكان من المفترض أن يكون هذا المرشح الديني هو “إبراهيم رئيسي” الذي خسر الانتخابات أمام روحاني عام 2017. ويجرى إعدادُه حاليًا ضمن المرشحين لخلافة خامنئي نفسه.
وإذا ما نظرنا إلى ما هو قادم في الداخل الإيراني حال رحيل خامنئي وتولى رئاسة الجمهورية الإسلامية رئيس عسكري لا معتدل كما كان روحاني، فإن إيران ومستقبلها النووي وتفاوضاتها مع واشنطن ستدخل مرحلة أخرى قد لا يكون الاتفاق أحد محطاتها. ما يضع طهران بإدارتها الحالية وواشنطن بإدارتها المنتخبة أمام خيار واحد هو العودة السريعة لاتفاق 2015 تجنبًا لسيناريوهات تعود بالجميع إلى المربع صفر.