حصلت الصحفية “ر. ع” على إجازة مفتوحة إجباريًا. وجرى تعيين صحفي بديلاً عنها، بعد عمل دام سنة متواصلة. ولم تكن الصحفية “م. ص” أفضل حالاً منها، فبعد عمل دام ست سنوات، حذفت المؤسسة الصحفية الكبرى التي تعمل بها اسمها الذي كان مدرجًا في كشوف التعيين.
وحينما سألت الصحفية عن السبب، جاء الرد: “انتِ هتتجوزي وهتاخدي إجازة.. خدتي نصيبك، سيبي الرزق لحد تاني”. وهو الأمر الذي تكرر مع زميلة أخرى لسبب الحمل “قالولي مش هينفع تتعيني، ومعاكي طفل ومش هتقدري تجيلنا وتنزلي تغطي.. شغلك هيقل”. الأمر الذي يضع تساؤلاً جادًا حول حقوق المرأة العاملة.
تلك الشهادات كانت ضمن عشرات أخرى رصدها المرصد المصري للصحافة الإعلام، في ورقة قانونية بعنوان “العبء المزدوج: نظرة حول أوضاع الأمهات العاملات في المجال الصحفي”. وهي تأتي ضمن فعاليات “بيئة عمل آمنة للصحفيات”، وحملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة. وهي أنشطة تستهدف تسليط الضوء على أوضاع الأم العاملة في المجال الصحفي، وأهم المصاعب والتحديات التي تواجهها بسبب النوع الاجتماعي.
اتفاقيات تراعي حق الأمومة
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الـ25، على أن “للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين”. وفي سبيل ذلك، اعتمدت منظمة العمل الدولية ثلاث اتفاقيات لحماية الأمومة، هي: الاتفاقية رقم 3 لعام 1919 – ورقم 103 لعام 1952 – ورقم 183 لعام 2000.
ونصّت هذه الاتفاقيات على منع تعرض الحامل والمرضعة لمخاطر تؤثر على صحتها وسالمتها. كما أكدت على حقها في الحصول على إجازة أمومة مدفوعة الأجر، وخدمات صحة الأم والطفل، وساعات إرضاع، والحماية من التمييز. وأشارت إلى الفصل من العمل لأسباب تتعلق بالأمومة. وإلى جانب ذلك، شددت على حقها المضمون في العودة إلى العمل بعد إجازة الأمومة.
ومن جانبه، ألزم الدستور المصري الدولة، في مادته الـ11، بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف. وكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. وعمل القانون على توفير عدد من الحقوق الخاصة بالأم العاملة؛ مثل الحق في الحصول على إجازة وضع مدتها 90 يومًا بتعويض مساوٍ للأجر الكامل. وتشمل هذه الفترة المدة التي تسبق الوضع والتي تليه.
بالمقارنة مع عدد من الدول الأجنبية؛ نجد دول مثل فنلندا تمنح الأم إجازة وضع مدتها 16 أسبوعًا مدفوعة الأجر، بالتوازي مع تقديم الحكومة للأب إجازة مدتها ثمانية أسابيع. وبعد أن يبلغ الطفل عامه الثالث يسمح للوالدين بإجازة رعاية جزئية حتى يبدأ الطفل عامه الثاني من الدراسة.
وفي الدنمارك، تمنح الأم 18 أسبوعًا إجازة أمومة مدفوعة الأجر. وبالإضافة إلى ذلك تُمنح إجازة أبوة للأب لمدة أسبوعين متواصلين.
بينما على الصعيد العربي، تمنح المملكة العربية السعودية الأب يومًا واحدًا كإجازة أبوة. وتمنحه الجزائر ثلاثة أيام. ويأتي ذلك انطلاقًا من مراعاة النوع الاجتماعي والمسؤولية المشتركة بين الأب والأم في رعاية الأبناء.
اقرأ أيضًا: ”الأم في زمن الكورونا” .. اختفاء الأحضان وتصدر المطهرات
سياسيات لا تراعي النوع الاجتماعي
أوضحت شهادات الصحفيات -وفق تقرير المرصد المصري- أن السياسات التي تتبعها مؤسساتهن الصحفية لا تراعي منظور النوع الاجتماعي. وهي سياسات مخالفة للقوانين بشكل واضح. كما تمثل تدخلاً في حياة النساء الخاصة. ويمتد ذلك إلى صبغ النساء بشكل معين، ما يجعلهن مضطرات للاختيار بين العمل والحياة الأسرية، وهو ما يجعل من مهنة الصحافة مجالاً طاردًا للنساء.
وبحسب المرصد، تساهم النساء بنسبة 16% من النشاط الاقتصادي. ومن ثَم تقع على عاتق الأم العاملة مهامًا متزايدة، يمكن أن تشكل عائقًا أمام مستقبلها المهني أو نهاية له.
وتتزايد هذه المهام والمتاعب عندما يكون العمل في المجال الصحفي. فمن جهة، هناك ظروف المهنة ذاتها، ووضعها في مصر حاليًا. ومن جهة ثانية، يأتي الإطار التشريعي المنظم لعمل “الأم الصحفية”، بالتوازي مع إلقاء ظروف النوع الاجتماعي والأحكام الاستباقية التي يطلقها أرباب الأعمال على المرأة، وخاصة تلك المتزوجة أو الأم.
وأوضح المرصد أن السيدات الصحفيات يضعن تحت “العبء المزدوج”. ويُعرف المرضد هذا بعبء العمل على الأشخاص الذين يعملون لكسب المال. في حين أنهم مسؤولون أيضًا عن مقدار كبير من العمل المنزلي غير المأجور. ويأتي ذلك بالنظر لوضع المرأة، وحصرها في “القولبة” والصورة النمطية.
وتقول الصحفية “س.م” إن الظروف المحيطة لا تساعد المرأة؛ فهي تتحمل أعباء أخرى بعد انتهاء العمل والعودة إلى المنزل، حيث تقوم بواجباتها المنزلية والتربية والاستذكار للأطفال “كل ده عبء زيادة على الست”.
العمل تحت ضغط كورونا
واجهت الصحفيات حديثًا تحدي من نوع جديد، متعلق بانتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وهو تحدي أصبحت مع العديد من النساء مهددات بخسارة عملهن أو تقليل عدد ساعات العمل. أما الصحفيات الأمهات العاملات من المنزل فيواجهن تحديًا أكبر، بسبب تحملهن رعاية الأطفال وفي الوقت نفسه عملهن المهني، خصوصًا مع قرار غلق المدارس ودور الحضانة. الأمر الذي أجبر النساء على الوجود إلى جانب أطفالهن طوال الوقت.
ويرى المرصد، بعد إجراء مقابلات مع عدد من الصحفيات، أنهن يقعن تحت التمييز. ففي حالة العمل بشكل جزئي أو بالقطعة دون الانتماء إلى مؤسسة صحفية بعينها، تكون التحديات الخاصة بالحمل والولادة ورعاية الأطفال أكثر صعوبة.
ويشير المرصد إلى أن ذلك يتزامن مع القصور التشريعي الواقع فيما يتعلق بمستحقات الأم العاملة في المجال الصحفي.
اقرأ أيضًا: احتساب إجازة رعاية الطفل من مدة الترقية… خطوات لإنصاف المعلمات
ويلفت المرصد إلى أنه هناك بعض القصور في القوانين المصرية، خاصة ما يخص مدة إجازة الوضع، وإنشاء حضانات لرعاية أبناء الأمهات العاملات، وتوفير إجازة للأب لمساعدة الأم في رعاية الطفل.
ويحرز مشروع قانون العمل المقدم في 2018 من الحكومة (لم يقر بعد)، بعض التقدم فيما يخص مستحقات الأمومة. إذ ينص على زيادة في مدة إجازة الوضع لـ 4 أشهر.
ومن ناحية أخرى، لا يوجد في القانون ما ينص على ضمان العودة لنفس الوضع الذي كانت عليه العاملة قبل الاستفادة من إجازة الأمومة. وبالرغم من أن القانون يمنع صاحب العمل من فصل العاملة أثناء إجازة الوضع، وبالتالي حق العودة للعمل مكفول. إلا أنه لا يوجد ما يحفظ لها نفس المكانة التي كانت عليها قبل إجازة الوضع. وهو ما يستغله صاحب العمل تعسفًا ضد العاملة.
وحددت التشريعات المصرية القائمة مهمة الأنثى الرئيسية في رعاية أسرتها وأبنائها. وهذا أمر يجعل من المستنكر والغريب أن يقوم الرجل بالمشاركة في رعاية الأطفال. وهذا أساس القصور فيه أن القوانين الموجهة لرعاية الأبناء تختص بالأم بشكل أساسي. وتؤكد على اختصاصها وحدها بغياب وجود نص بالتشريعات على منح إجازة أبوة للرجل.
مطالب مشروعة
أوصت الورقة البحثية -الصادرة عن المرصد المصري للصحافة الإعلام- بضرورة مراجعة قانون العمل بما يتفق مع الاتفاقيات الدولية. كما طالبت تعديل النص الخاص بتوفير حضانة في أماكن العمل. وأشارت إلى ضرورة إضافة مادة تكفل إجازة أبوة مدفوعة الأجر، وتغليظ عقوبة صاحب العمل الذي يتخلف عن الالتزام بالمواد الخاصة بتشغيل النساء.
وفيما يتعلق بنقابة الصحفيين، أوصى المرصد بضرورة تعديل مواد القيد، بحيث تسمح لكل ممارسي العمل الصحفي بالانضمام لها، وإنشاء حضانة تابعة للنقابة تشمل أبناء الصحفيين والصحفيات، وإنشاء لجنة داخل النقابة للنظر في قضايا النوع الاجتماعي.