عندما فازت دار الخدمات النقابية والعمالية بجائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان عام 1999 استدعتنى ضمن العديد من رسائل التهنئة رسالة أرسلها صديق من جنوب إفريقيا جاء فيها “أن فوز دار الخدمات النقابية لهذه الجائزة الرفيعة هى انتصار للمدافعين عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحقوق العمالية وعلى رأسها حق العمال فى إنشاء نقاباتهم بحرية”.
وإذا رجعنا إلى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذى جاءت نصوصه لتؤكد على الحق فى العمل والأجور المنصفة وعدم التمييز والحق فى ظروف عمل تكفل السلامة والصحة وتساوى جميع العاملين فى فرص الترقية.
تأتي المادة 8 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لتؤكد على حق كل شخص فى تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التى يختارها دون قيد، وحق هذه النقابات فى إنشاء اتحادات، ويؤكد على حق النقابات فى ممارسة نشاطها بحرية دون قيود.
إن انتصار العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لحق العمال فى إنشاء نقاباتهم وحقهم فى اختيار النقابة التى ينضمون إليها دون إجبار هو ثمرة لنظالات طويلة خاضها العمال فى أنحاء العالم وفى القلب منها كان نضال العمال المصريين من أجل هذه الحقوق.
منذ أواخر القرن التاسع عشر ومع بداية ظهور الصناعة فى مصر بدأت الحركة العمالية المصرية مسيرة نضالها من أجل نيل حقها فى إنشاء نقابات تعبر عن مطالبهم وتخضع لإرادتهم وفى سبيل ذلك خاضت الحركة العمالية المصرية نضالات كثيرة ودفع قياداتها أثمان غالية وقاوموا كل الضغوط التى مورست عليهم ورفضوا أى مساومة على هذا الحق. حتى انتصرت إرادة العمال وأصدرت حكومة الوفد فى عام 1942 قانون الاعتراف بالنقابات رقم 85، وهو أول قانون تعترف فيه الدولة المصرية بحق العمال فى إنشاء نقاباتهم المستقلة، ولكن ما هى إلا سنوات وتجئ حركة يوليو لتطيح بهذا الحق وتفرض التنظيم النقابى الواحد على العمال ففى 1957 أنشأت الحكومة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والذى أثبت على مدار تاريخه أنه لا يتعدى كونه مؤسسة حكومية تابعة للسلطة لا تعبر بأى حال عن إرادة العمال.
ومع بداية السبعينيات، بدأ ظهور جيل جديد من القيادات العمالية يرفض الاتحاد الحكومى وينادى بتحرير إرادة العمال وحقهم فى إنشاء نقاباتهم المستقلة حتى استطاعت الحركة العمالية أن تفرض إرادتها بإنشاء أول نقابة مستقلة عام 2009 (نقابة العاملين بالضرائب العقارية) وهكذا واصل العمال نضالاتهم من أجل انتزاع حقهم فى التنظيم.
واليوم، ورغم كل الضغوط التى تتعرض لها الحركة العمالية أصبح موجود على أرض الواقع أكثر من 50 لجنة نقابية مستقلة ونقابة عامة (نقابة العاملين بهيئة الإسعاف) وعبر هذه المسيرة الطويلة والمتواصلة والتى يتضح منها وعى العمال المصريين بأهمية النقابات كأداة كفاحية يستطيعون بها مجابهة أصحاب الأعمال والعمل من أجل تحسين شروط عمل تتمثل فى أجور منصفة، وتحقيق المساواة بين العاملين دون تمييز وتهيئة بيئة العمل بما يضمن السلامة والصحة المهنية، وتخوض القيادات النقابية هذه النضالات بوعى حقيقى بأن تحقيق التوازن فى علاقات العامل هو السبيل الوحيد لاستقرار بيئة العمل.
واليوم، ونحن نحتفل بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان علينا أن نتمسك بتحقيق العدالة الاجتماعية التى هى أساس الاستقرار فى أى مجتمع.