تضع وزارة التجارة والصناعة برنامجًا جديدًا لدعم الصادرات، يركز على فكرة استهداف قطاعات بعينها، وبطرق متباينة، وليس رقما واحدًا مقطوعًا؛ في خطوة شهدت تأييدًا من المصدرين، قبل أن يُكشف عن أول القطاعات التي يستهدفها البرنامج الجديد: قطاعي الأسمنت والسيراميك.
ويركز البرنامج الجديد لدعم الصادرات (يعلن عنه رسميًا الشهر المقبل)، على دعم الصادرات، خاصة الموجهة للسوق الأفريقية، وفق احتياجات كل قطاع، فمنها من يحصل على دعم للمعارض الخارجية، ومنها من سيتم دعمه في مجال الشحن، ومنها من سيحصل على دعم نقدي كالمعتاد.
الأسمنت والسيراميك أول المستفيدين من دعم الصادرات
وفي مؤتمر صحفي حضر فعالياته “مصر360″، كشفت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، أن أول المستفيدين من البرنامج الجديد لدعم الصادرات على مستوى القطاعات هي شركات الأسمنت والسيراميك، متوقعة إقراره الشهر المقبل.
ويعاني قطاعا الأسمنت والسيراميك من مشكلات تصديرية تتعلق بارتفاع أسعار المنتجات النهائية نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج، أو بالأحرى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى 4.5 دولار لكل مليون وحدة، رغم بيعه في العالم كله بمستوى 2.5 دولار.
اقرأ أيضًا: غاز مصر.. من الاستيراد إلى الإنتاج العالمي
ويثير توجيه الدعم لشركات الأسمنت لتصدير منتجاتها، كثيرًا من التساؤلات، في ظل امتلاك مستثمرين أجانب من ألمانيا وفرنسا والمكسيك وسويسرا على نحو 80% من حجم السوق المصرية، والذين ظل قطاع كبير من الشركات العقارية المصرية تشكو من تحكمهم بالأسعار، وبيعهم منتجات لبلدانهم الأصلية بسعر أقل من السوق المصرية.
وفي 2018، تقدمت جمعية “مواطنون ضد الغلاء” بشكوى رسمية إلى مجلس الوزراء، قالت فيها إن شركة لافارج للأسمنت (مستثمر فرنسي)، تصدر المنتج النهائي بـ31 دولارًا لكينيا أما يعادل 600 جنيه تقريبًا، بينما تبيعه للمستهلك المصري بـ1300 جنيه، الأمر الذي يستدعى تطبيق المادة العاشرة من القانون رقم 3 لسنة 2005، الخاص بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
إنتاج غالي وصادرات أقل
من جانبه، قال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، إن ارتفاع مستلزمات الإنتاج على قطاعيّ صناعة السيراميك والأسمنت، أدت لتراجع صادرات مصر منهما، كما قلل من قدرة المنتجات المصرية على المنافسة في الأسواق العالمية.
هذا وتراجعت صادرات مصر الأسمنت بنحو 23%، لتبلغ 63 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2020، مقابل 81 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، فيما هبطت صادرات السيراميك والقرميد والسقوف والطوب من الخزف بنحو 34%، مسجلة 53 مليون دولار، مقارنة بنحو 80 مليون دولار، بحسب تقرير المجلس التصديري.
يقول جمال الدين لـ”مصر 360″، إن المجلس التصديري لمواد البناء، سبق أن قدم اقتراحين لوزارة التجارة: أولهما يتعلق بتقديم مساندة غير مباشرة عبر تخفيض سعر الطاقة التي تعتمد عليها المصانع في الإنتاج، ما يقلل سعرها ويزيد التنافسية. أما المقترح الثاني فيتمثل في دعم نقدي مباشر يُحسب وفقًا لكل طن يتم تصديره.
وبحسب غرفة مواد البناء في اتحاد الصناعات المصرية، يبلغ متوسط سعر متر السيراميك المصري عالميًا نحو 3.5 دولار مقابل نحو 1.5 دولار للمتر الهندي، ودولارين للتركي، ما يجعل الأولوية أفضل للأخيرين على حساب المحلي، بينما يصل سعر طن الأسمنت المصري عالميًا متوسط 42 دولارًا، وهو أزيد بنحو ست دولارات عن المنتج التركي.
وتتضمن الطاقة الإنتاجية بمصر فائضًا بأكثر من 30 مليون طن سنويًا. ويعتبر الأسمنت من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، إذ يتراوح متوسط الاستهلاك النوعي لإنتاج طن ما بين 100 إلى 150 كيلوجرام مكافئ من النفط، حسب طريقة التصنيع. وتنتج عنه ما يعادل 650 كيلو جرام انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون.
ووفقًا لبنك الاستثمار فاروس، انخفض إجمالي حجم المبيعات، سواء المحلية أو التصدير، بنسبة 0.8% على أساس سنوي، ليصل إلى 49.8 مليون طن في العام المالي 2019، كما انخفض الاستهلاك المحلي وحده بنسبة 3.5% على أساس سنوي ليبلغ نحو 48.7 مليون طن.
دعم الصادرات بشرط الحفاظ على البيئة
من جهة أخرى، يطالب خبراء بأن يتضمن برنامج دعم الصادرات الموجه لقطاعي الأسمنت والسيراميك، اشتراطات باعتماد المصانع على وسائل إنتاج صديقة للبيئة، أو أن تحذو المصانع المحلية حذو التجارب العالمية في الاعتماد على القمامة كوسيلة أساسية في توفير الطاقة، ما يساعد على حل مشكلتين في نفس الوقت.
وقبل عامين، كان الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه بمراجعة المواصفات البيئية الخاصة بتلك المصانع، للتأكد من عدم تحولها إلى مصادر تلوث للبيئة، مع مراعاة المعايير العالمية القاضية بـ”صناعة مع بيئة نظيفة”.
كما أعلنت الحكومة عن خطة للتوسع في “الاقتصاد الأخضر”، تتضمن الحد من المخاطر البيئية، ووضع استراتيجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، واعتماد تكنولوجيـات الإنتاج النظيف، ما يتطلب إعادة النظر في آليات الدعم الموجهة للقطاعات الملوثة للبيئة.
وفي عام 1999، قدرت منظمات اقتصادية دولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قدرت تكلفة الأضرار الناجمة عن التدهور البيئي بسبب صناعة الأسمنت، بنحو 14.5 مليار جنيه. ومن بين تلك الأضرار: مشكلات صحية تتعلق بمرض التليف الرئوي، وحدوث أزمات متكررة في التنفس بسبب غبار الأسمنت المتطاير.
الاستثمار الأجنبي يهرب من “شروط البيئة” إلى مصر
ويتخلف عن انبعاثات مصانع الأسمنت أمونيًا نسبة 24%، بما تحمله من خطورة على البيئة والإنسان، حتى أن دراسات طبية توصي الحوامل بالابتعاد عن صباغة الشعر لوجود نسبة لا تتجاوز 1% في تلك المنتجات لتأثيرها الخطير على الأجنة.
وفي فبراير الماضي، قدم النائب الببرلماني محمد فؤاد، طلب إحاطة بشأن أثر الصناعات الملوثة على الإنسان والبيئة، ومنها مصانع الأسمنت والسيراميك، التي قال إنها تزايدت بسبب سيطرة الشركات الأجنبية عليها.
وبحسب طلب الإحاطة، فإن الشركات الأجنبية اخترقت السوق المصرية مع قرارات في بلدانهم الأصلية تحظر الصناعات الملوثة على أرضها، ما جعلها تبحث عن توطين تلك الصناعات في دول أخرى منها مصر، الأمر الذي يستلزم ضرورة بحث مدى التزامها بالمعايير القياسية للبيئة والانبعاثات الناتجة عنها، وسبل وآليات الرقابة عليها.
ووفقًا لتقرير عن مركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن، فلو كانت صناعة الأسمنت بلدًا، لكانت ثالث أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية، دلالة على كميات المخلفات الصادرة عنها.
نفس الأمر يتكرر مع صناعة السيراميك، التي تطلق عوادم من عملية احتراق الوقود (المازوت والسولار) المستخدم في علميات التجفيف أو الحرق. وتحتوي هذه الغازات على أكاسيد الكبريـت وأكاسـيد النيتروجين، وأول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون، وهيدروكربونات غير محترقة.
كما تعد عمليات التكسير والطحن والكبس والنقل للمواد الخام والجبس، إحدى أكبر مصادر الجسيمات المعلقة والغبار، وذلك وفقًا لجهاز شؤون البيئة.
وعادة يتراوح متوسط تركيز الغبار ما بين 30 و40 مللي جرام، بنسبة تزيد عن المصرح بها بفارق يتراوح ما بين 20 إلى 30 مللي جرام للمتر المكعب.
كما تؤثر الانبعاثات الضارة في الهواء بالسلب على صحة الإنسان، وقد تصيبه بالعديد من الأمراض مثل: الحساسية والالتهاب الرئوي، والأمراض الجلدية وأمراض العيون، كما قد تؤثر على السمع خاصة بين العاملين، بسبب التعرض المستمر للضوضاء الناتجة عن عمليات التكسير، وأصوات الآلات في المصانع.
في دول أخرى، استُحدثت آليات لتقليل الآثار البيئة لصناعات الأسمت والسيراميك، حيث تحول الملوثات لسوائل يمكن التخلص منها في المجاري المائية، أو ابستدبال المواد الخام شديدة الخطورة بأخرى صديقة للبيئة، وكذا توفير ظروف مناسبة لعمليات التشغيل والتحكم، بالإضافة إلى إجراءات تتضمن معالجة الملوثات، أو فصلها للتخلص منها بأقل الأضرار، عبر ما يعرف بـ”الإنتاج النظيف“.