لم تثن جائحة فيروس كورونا الحكومات حول العالم عن مطاردة الصحفيين، بل استغلت حكومات كثيرة الجائحة في فرض مزيد من القيود وحجب المعلومات بطرق مختلفة، حسبما وثقت مؤسسات مهنية وحقوقية في تقاريرها لمؤشرات 2020.
وبلغ عدد الصحفيين السجناء بسبب عملهم رقماً قياسياً في العالم عام 2020، إذ قمعت الحكومات التغطية الصحفية للاضطرابات الاجتماعية وجائحة فيروس الكورونا، حسبما وجدت لجنة حماية الصحفيين في إحصائها السنوي الأخير.
وبحسب اللجنة، فإن اللغة القاسية التي استخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصحافة على امتداد فترته الرئاسية، بما في ذلك وصف التقارير الإخبارية الناقدة بأنها “أخبار كاذبة”، وفرت غطاء للحكام المستبدين في العالم لممارسة القمع ضد الصحفيين في بلدانهم.
وقال المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، جويل سايمون: “من الصادم والمروع أن نرى عدداً قياسياً من الصحفيين السجناء في وسط جائحة عالمية”.
وتمثل حملة القمع هذه شكلاً من أشكال الرقابة التي تعطّل تدفق المعلومات وتغذي وباء المعلومات المضللة. وفي الوقت الذي ينتشر فيه كوفيد-19 في سجون العالم، فإنه يعرّض حياة الصحفيين للخطر أيضاً.
كان يوجد ما لا يقل عن 274 صحفياً في السجون بحلول يوم 1 ديسمبر، وهو أكبر عدد تسجله لجنة حماية الصحفيين منذ بدأت بجمع بيانات حول الصحفيين السجناء في بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي، كما أن هذه السنة هي السنة الخامسة على التوالي التي يتجاوز فيها عدد الصحفيين السجناء 250 صحفياً.
وبحسب الإحصائية، تصدرت كل من الصين وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين.
وتحتل الصين المركز 177 على مستوى العالم، بحسب مؤشر مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة، فيما تحتل تركيا المركز 154 على مستوى العالم، أما مصر فتحتل المركز 166، وجاءت السعودية في المركز 170.
وكانت التظاهرات والتوترات السياسية دافعاً للعديد من الاعتقالات. وثمة بَلَدان شهدا ارتفاعاً كبيراً في عدد الصحفيين السجناء، وهما إثيوبيا حيث انزلقت الاضطرابات إلى نزاع مسلح، وبيلاروس حيث احتُجز الصحفيون بينما كانوا يغطون التظاهرات ضد الرئيس ألكساندر لوكاشينكو الذي زعم الانتصار في انتخابات يُعتقد على نطاق واسع أنها مزورة.
أمريكا في القائمة السوداء.. واتهامات لترامب
وبينما لم يكن يوجد أي صحفي سجين في الولايات المتحدة في الوقت الذي أعدت فيها لجنة حماية الصحفيين إحصاءها السنوي، اعتُقل عدد غير مسبوق من الصحفيين بلغ 110 صحفيين أو وُجهت ضدهم اتهامات في عام 2020، وذلك بينما كان العديد منهم يغطون التظاهرات ضد عنف الشرطة؛ وما زال 12 صحفياً على الأقل يواجهون اتهامات، وفقاً لموقع تتبع حرية الصحافة الأمريكي (برس فريدوم تراكر).
There are at least 274 journalists jailed globally; the worst on record since 1992.
Worst jailers:
China 47
Turkey 37
Egypt 27
KSA 24Charges:
Anti-state 184
False news 34
No charge 53Local 267
Foreign 7Freelance 94
Staff 180♀ 36
♂ 238More https://t.co/MgX9C81Qnk pic.twitter.com/V9IFRoaarU
— Committee to Protect Journalists (@pressfreedom) December 15, 2020
ووفّرت اللغة القاسية التي استخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصحافة على امتداد فترته الرئاسية، بما في ذلك وصف التقارير الإخبارية الناقدة بأنها “أخبار كاذبة”، غطاءً للحكام المستبدين في العالم لممارسة القمع ضد الصحفيين في بلدانهم. وعلى مستوى العالم، كان يوجد 34 صحفياً محتجزاً على خلفية اتهامهم بنشر “أخبار كاذبة”، مقارنة مع 31 صحفياً في العام الماضي. ونشرت لجنة حماية الصحفيين مؤخراً توصيات إلى إدارة الرئيس المنتخب، بايدن، لاستعادة قيادة الولايات المتحدة في مجال حرية الصحافة، بما في ذلك إيلاء الأولوية لهذه القضية في السياسة الخارجية وتعيين مبعوث رئاسي خاص معني بحرية الصحافة.
تركة ترامب ومهمة لبايدن
“يُعتبر الرقم القياسي للصحفيين السجناء في العالم تركة لرئاسة الرئيس ترامب في مجال حرية الصحافة. ويجب على الإدارة المقبلة للرئيس بايدن أن تعمل كجزء من تحالف دولي لتخفيض عدد الصحفيين السجناء”، يقول جويل سايمون.
وفي وسط جائحة كوفيد-19، سعى القادة المستبدون إلى السيطرة على التغطية الصحفية عبر اعتقال الصحفيين؛ كما عملوا على تأخير المحاكمات، وقيدوا الزيارات إلى السجون، وتجاهلوا الأخطار الصحية الكبيرة على الصحفيين في السجون؛ وقد توفى صحفيان على الأقل بعد إصابتهما بالمرض أثناء احتجازهما.
ووثقت لجنة حماية الصحفيين أكثر من 200 انتهاك ضد حرية الصحافة مرتبط بكوفيد-19 وأطلقت حملة عبر وسم (#FreeThePress) لدعوة قادة العالم إلى الإفراج عن جميع الصحفيين السجناء.
النموذج الصيني
يمثل النموذج الصيني نموذجا واضحا على هذه الانتهاكات، حيث بذلت الحكومة الصينية جهوداً واسعة النطاق للتعتيم على المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا، والمخاطر التي يشكلها على الصحة العامة، وشاطر الأطباء في ووهان مع زملائهم مخاوفهم بشأن المرضى الذين يعانون من أعراض مشابهة لظهور متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (السارس) الذي بدأ في جنوب الصين في عام 2002، فتم إسكات أصواتهم على الفور، وعاقبتهم السلطات المحلية بسبب “نشر الشائعات”.
وفي نفس السياق، استهدفت الحكومة الصينية الأشخاص الذين يحاولون تبادل المعلومات حول فيروس كورونا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أفاد المحامي البارز والصحفي المواطن، تشن تشيوشي، بأنه تعرض للمضايقة من قبل السلطات، بعد نشر لقطات من المستشفيات في ووهان، وتم أيضاً احتجاز أحد سكان ووهان، وهو فانغ بن، لفترة وجيزة من قبل السلطات، بعد نشره مقطع فيديو يزعم أنه يُظهر جثث ضحايا فيروس كورونا.
وفي هذا الشأن قال نيكولاس بيكيلين، المدير الإقليمي في منظمة العفو الدولية لإحدى وسائل الإعلام الصينية: “ليس للرقابة والتمييز والاحتجاز التعسفي وانتهاكات حقوق الإنسان مكان في مكافحة وباء فيروس كورونا”، وأضاف: ” “حاول المهنيون الطبيون الصينيون في الصين دق ناقوس الخطر حول الفيروس.. ولو لم تحاول الحكومة تقليل الخطر إلى الحد الأدنى، لكان يمكن للعالم أن يتصدى لانتشار الفيروس في وقت أنسب”.
كيف استغلت مصر الجائحة؟
مصر أيضا كانت ضمن الدول التي سعت لاستغلال جائحة كورونا في فرض مزيد من القيود على حرية العمل الصحفي والتعبير الرقمي للمواطنين، إذ كشفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقرير عن حالة حرية التعبير في مصر، أن بعضًا من إجراءات الحكومة هَدَفت بشكل أساسي إلى تقييد حرية العمل الصحفي والإعلامي وكذلك حرية التعبير الرقمي للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وترى المؤسسة أن ذلك كان ضروريًّا حتى تتمكن السلطات من تسييد روايتها الرسمية حول ما يدور في مصر من أحداث بشأن أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومنع تداول أي أخبار أو معلومات عن الأزمة وتطوراتها في الفضاء العام غير تلك التي تُعلنها الجهات الرسمية.
وجاء في التقرير أنه مع بداية أزمة فيروس كورونا المستجد، كلف رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الجهات المعنية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال كل من أذاع أخبارًا، أو بيانات كاذبة، أو شائعات، تتعلق بفيروس كورونا المستجد، وكذلك مارس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دورًا بارزًا في محاصرة الأخبار والبيانات التي يجري تداولها بشأن “كوفيد-19” وانتشاره في مصر، حيث قرر المجلس لفت نظر 16 موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة نشرهم أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا، وتضمن بيان المجلس التوجيه بـمنع بث أي أخبار إلا من خلال البيانات الرسمية لوزارة الصحة.
وترى المؤسسة أن غياب قانون يحمي حق المواطنين بشكل عام والصحفيين بشكل خاص في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية وتداولها ونقلها، أعطى الفرصة للسلطات في القبض على الصحفيين ومعاقبتهم بدعوى نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات والإضرار بالمصلحة العامة، حال تناولهم أي من القضايا أو المعلومات المرتبطة بأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر، أو انتقاد أداء وزارة الصحة أو قرارات مجلس الوزراء والجهات الأخرى المعنية بإدارة الأزمة.