“أوجه اعتذاري لكل بنت وشاب، ولكل من استاء من الفيديو، وعمن دافعوا عن الفيديو القديم باعتبار ذلك هو الصحيح. لا يا شباب، صحيح أن الحجاب فريضة، لكن انتقاء أكثر طريقة رحيمة فريضة، وأكثر طريقة بها ذوق ورقي فريضة”؛ هكذا ألقى مصطفى حسني حجرًا في مياه الدعاة الجدد الراكدة. فعاد إلى ساحة الجدل من جديد، بين من رأى أن اعتذاره عن أخطاء الماضي شجاعة وآخر رفض مسامحته. لأنه ساهم في تجييش مجتمعي ضد غير المحجبات، وصارت أفكاره من المسلمات، كما تذكر بعض المدونات على صفحات مواقع التواصل.
الدعاة الجدد.. الظاهرة وتحولاتها الفكرية
من هنا، يدفعنا اعتذار مصطفى حسني المثير للجدل للعودة إلى ظاهرة الدعاة الجدد التي بدأت في مصر في مطلع التسعينيات. وهي التي ساهمت في تحولات فكرية واجتماعية في المجتمع المصري، حسبما يقول الكاتب الصحفي وائل لطفي. وله رصد بالتحليل والتأريخ لتلك الظاهرة في كتابه “ظاهرة الدعاة الجدد”.
مصطفى حسني أحد الدعاة الذين ظهروا في مطلع الألفية بالتوازي مع بزوغ نجم عمرو خالد. شاب وسيم تخرج في كلية التجارة، قادم من مجال التسويق، ولم ينس أن يطعم خلفيته التسويقية بدبلوم معهد إعداد الدعاة. وهو أمر اكتملت به طبخة الداعية صاحب المواصفات العصرية. غير أن حسني لم يكن بعيدًا عن توجهات الدولة المصرية، ولم يلمع نجمه بالعداء معها، وإنما حرص هو ومجايليه من الدعاة على البعد عن الإسلام السياسي، والتوجه نحو خطابات اجتماعية للإسلام اليومي والمعاش. غير أن الخطابات التي قدمها هؤلاء لم تكن بعيدة عن خطابات جماعات الإسلام السياسي المحافظة. ومثال على ذلك فيديو الحجاب، الذي اضطر حسني مع تنامي الوعي العام للاعتذار عنه.
الفيديو يظهر فيه حسني وحوله مجموعة من المانيكات يشرح معنى أن تكون الأنثى “كاسية عارية”. يشير بمؤشر نحو أجسام دمى العرض، وكأنه تبرير مبطن للتحرش، الذي يدعي ممارسوه أن ملابس الأنثى هي السبب. لم يكن خطاب الداعية بعيدًا عن هذا المنطق بأي حال.
شعبية متراجعة وخطاب متغير
السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا في شعبية الدعاة الجدد، استلزمت تغيير في خطاباتهم. وعلى سبيل المثال، كان مصطفى حسني في زمن الإخوان وما سبقه يعرب عن فخره وحبه لأردوغان. وقد ظهر في برنامجه على قناة “اقرأ” يؤكد هذا الإيمان. غير أن هذه اللهجة تغيرت تمامًا مع تصاعد الخلاف المصري-التركي، وارتباط حسني نفسه بمؤسسات الدولة في أكثر من مناسبة. فقد سبق له أن ألقى محاضرة تثقيفية لطلاب كلية الشرطة. وهو الأمر الذى يؤكد خلو ملفه الأمني من أية شبهات.
أيضًا ورغم موقفه المحافظ تجاه المرأة، والذي لا يتناسب بأي حال مع دعاة النسوية. إلا أن حسني شارك في ندوات قدمها المجلس القومي للمرأة. وهو ما يؤكد مرة أخرى علاقته الوثيقة بأجهزة الدولة المصرية، بعدما نجح في تغيير خطابه.
لم يقتصر تغيير خطاب حسني على الجانب السياسي، فقد طال الجانب الاجتماعي والمظهري أيضًا. وفي أحد برامجه ظهر يحذر الشباب من الانسياق وراء شراء الماركات الغالية، لكنه ما لبث أن ظهر بعدها بسنوات في صورة تجمعه باللاعب محمد صلاح نجم ليفربول الشهير. وكان يرتدي “تي-شيرت” لأحد الماركات الشهيرة، قيمته تقترب من الألفي دولار.
اقرأ أيضًا: الدعاة والتنويريون الجدد.. ثقافة محدودة في مواجهة قضايا شائكة
دولة الدعاة الجدد.. عمرو خالد قائدهم
عمرو خالد الذى تزعم هذا الجيل من الدعاة يستحق لقب “رجل كل العصور” بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد بدأ خالد حياته داعية يلقي الدروس الدينية بنادي الصيد. حيث كانت تكتظ القاعة بالآلاف، قبل أن ينقل نشاطه لأحد مساجد مدينة السادس من أكتوبر.
اعتاد عمرو خالد تقديم خطاب يناسب الشرائح المثقفة من الطبقة المتوسطة. خطاب يلعب على العاطفة مع لغة حداثية، تتخلص من عمامة الأزهر واللحية وأزياء الدعاة القدامى. ما أهله للنتقل إلى عالم الفضائيات، حتى صار نجمًا لشرائط الكاسيت. إذ كانت محاضراته تباع في شرائط، وتوزع بمحال الكاسيت آنذاك.
ظل عمرو خالد متسيدًا دولة الدعاة الجدد حتى اندلعت ثورة يناير، التي إن كانت أخفقت في أهدافها السياسية، إلا إنها نجحت في خلق تغيير اجتماعي برز في قضايا المرأة. وانهالت على موقع عمرو خالد سيول الأسئلة عن خلع الحجاب، بعد أن استجابت له آلاف الفتيات المراهقات اللاتي ارتدين غطاء الرأس إعمالاً بنصيحته الدينية.
واجه موقع عمرو خالد أسئلة كثيرة عن الحجاب، وبدأ فريقه في الرد، بينما كان الداعية يتحضر لارتداء قبعة أخرى. أسس عمرو خالد حزبًا سياسيًا باسم “مصر المستقبل” في العام 2012. في وقت كانت الحياة السياسية في مصر تزخر بالأحزاب الجديدة. ثم ما لبث أن استقال من الحزب بداعي التفرغ للدعوة. وانتقل إلى الخطوة الثالثة.
انتقل عمرو خالد في خطوته الثالثة من خانة السياسي إلى زاوية الكاتب والروائي، بعد أن ذاع صيت الروايات “البيست سيللر”. فكتب رواية تحت اسم “رافي بركات”. وهي عن مغامرات علمية وتكنولوجية بين عدة دول منها مصر والهند. لكنه ومع حرصه على النبرة الأخلاقية في روايته الأولى. وهو أسلوب لا يتناسب والكتابة الأدبية، سرعان ما بهت مشروع عمرو خالد الأدبي. فعاد مرة أخرى ببرنامج جديد لم يحقق النجاح كما سابق الحال. وتوارى شيئًا فشيئًا، حتى خفت نجمه واختفى.
معز مسعود.. حكاية أخرى
معز مسعود حكاية أخرى مختلفة التفاصيل عن أقرانه من الدعاة الجدد. فهو أكثرهم تغيرًا في التوجهات؛ فمن داعية محافظ يقدم خطابًا غير مختلف عن الإسلام الأصولي في شأن المرأة المحجبة ووصفها بـ”الحلوى المغلفة”، وسواها من غير المحجبات حلوى مكشوفة تتعرض للذباب، إلى العمل بمجال الإنتاج التلفزيوني. ليس فقط بل إنه تزوج من “الحلوى المكشوفة” الفنانة شيري عادل، ثم أتبعها بعد الانفصال بعلاقة عاطفية أخرى بالفنانة العائدة من تجربة الحجاب حلا شيحة.
كل هذه المياه جرت في نهر الدعاة الجدد، بينما ظل مصطفى حسني متمسكًا ببرامجه الدعوية، محافظًا على فئة من جمهوره. في وقت حرص على تغيير خطاباته لتناسب العصر الجديد.