“ارسم ما تراه، عبر عن ما حولك، لا تحتاج للكثير من الإمكانيات للإبداع، فالإبداع يأتي من الداخل”.. هكذا وجهت مدربة الرسم رباب حكيم، أطفال عزبة خير الله، خلال ورشة تنمية المواهب التي جمعتهم.
التعبير بالرسم.. كسر الحاجز داخل الأطفال
اجتمعت رباب مع ما يقرب من 20 طفلًا من منطقة السبع بنات في عزبة خير الله، الواقعة بين منطقتي دار السلام ومصر القديمة، لمساعدتهم على التعبير والرسم.
لا توجد تقديرات دقيقة لتعداد سكان العزبة أو مساحتها نظرا لأن تعريف حدود العزبة يختلف من جهة إلى أخرى. ولكن وفقاً لبعض التقديرات، يقترب عدد السكان لـ ٦٥٠ ألف نسمة يعيشون على حوالي 480 فدان (2 كم مربع)، وذلك طبقا دراسات ميدانية أجرتها جمعية “خير وبركة”.
وجود رباب في عزبة خير الله لم يكن مألوفًا لأهالي العزبة. تحكي لـ”مصر 360″: “”في البداية أول منزلت من العربية لقيت الكبار والصغيرين في المنطقة بيبصوا لي ومستغربين، علشان شكلي مش الشكل المألوف بالنسبة لهم”. تستكمل رباب “لا أنا محجبة ولا شعري ناعم، أنا سمرا ومنكوشة”.
وتضيف رباب: “الحقيقة إن الرسم مش لوحده كان الهدف، أنا كان يهمني أكسر الحاجز اللي جوه الأطفال، إنهم يعبروا عن اللي جواهم حتى لو بشخبطة”.
تنظم رباب الورشة بالتعاون مع مشروع “دوار العزبة“، الذي يهتم بالعمل مع أهالي المنطقة، واللاجئين، والدمج بين أطفال العزبة وباقي الأطفال، وتقديم المساعدات لهم.
لكن الحاجز بين رباب وأهالي المنطقة انكسر بمجرد معرفتهم أنها معلمة الرسم، تقول رباب “بعد ما عرفوا إني اللي هعلم الأطفال الرسم، بدأت العلاقة وانتهت بصداقة مع الولاد”.
الأحلام في دفتر رسم
التعبير الفني هو طريقة رباب في التعبير، وهو ما رغبت نقله للأطفال، للتعبير عن ما يدور بداخلهم وما حولهم بأسلوب فني.. تقول رباب “كنت مهتمة إن الأطفال يفرقوا بين الشوف والفرجة، الحاجة اللي بيشوفوها من بره واللي بيتفرجوا عليها، ولو عبروا عنها هيكون شكلها ازاي وهيطلعوها ازاي، اللعب البصري هو كان مهمتي معاهم”.
اقرأ أيضًا: 2020.. كيف أجّل “عام كورونا” الأحلام وبدل الأمنيات؟
تحكي رباب عن مهمتها في حديثها لـ “مصر 360″:”على مدار شهرين، وعبر 16 لقاء، استمعت لحكايات الأطفال. تعرفت على مشاعرهم وأحساسيهم. اقتربت مما يرونه حولهم، مدة اللقاء ساعتين، كان ممكن نقضي ساعة ونص في الكلام والحكي، وآخر نص ساعة بس الولاد يرسموا، ويطلعوا اللي جواهم لأن الهدف من المشروع هو دمجهم مش بس الرسم”.
“ارسم على أي شيء أمامك، ارسم بالقهوة على ورق الجرائد”. كانت هذه توصيات رباب لأطفال عزبة خير الله خلال الورشة. فلم تشترط مدربة الرسم الورق الأبيض والألوان، بل حرصت على استخدام الأدوات المحيطة.
رسم أطفال عزبة خير الله منازلهم وأفراحهم وشكل منطقتهم، لم تتطابق رسومات الأطفال رغم أنها تعبر عم الواقع نفسه. كل طفل رسم واقعه كما يراه من وجهة نظره. تحكي رباب “الولاد كانوا بيعبروا عن كل حاجة حواليهم حرفيًا، مثلًا الأفراح اللي ممكن تقلب بخناقة في الآخر”.
صداقة قوية
على مدار الشهرين تكونت علاقة قوية بين رباب والأطفال “مكنوش بيقولوا لي ميس رباب خالص، كانوا بيعاملوني على إني صاحبتهم وده كان الهدف كسر الحاجز اللي جوه الأطفال”.
بعد انتهاء الجلسات، قررت رباب إقامة معرض للوحات أطفال عزبة خير الله. تقول رباب “ترتيبات المعرض خدت وقت طويل، الأطفال عملوا عشرات اللوحات، وكلهم أحسن من بعض، بس طبعا لأن في مكان محكومين بيه فاختارنا تقريبا 30 لوحة لعرضهم، وكمان عرضهم للبيع، علشان يكون مصدر دعم للأطفال وتشجيع ليهم كمان”.
اقرأ ايضًا: حاتم علي.. “اهو ده اللي صار” مع فيلسوف الدراما العربية حتى الرحيل
قبل ما يقرب من 40 عاما، كانت عزبة خير الله عبارة عن هضبة صخرية تقع شمال حي المعادي، وخالية تماما إلا من بعض الزواحف والحشرات، ومع منتصف سبعينيات القرن الماضي بدأ الناس يتوافدون إلى تلك المنطقة قادمين من الصعيد والأرياف بغرض السكن بالمناطق المجاورة بالقاهرة.، وبدأ اسم خير الله في الظهور منذ تلك الفترة، ويرجع البعض هذا الاسم إلى إحدى العائلات التي سكنت المنطقة في أوائل فترة قدوم المواطنين للسكن بها، واليوم أصبحت عزبة خير الله منطقة شديدة الكثافة ومتكدسة بالسكان.