بعيدًا عن الوجه الواضح لقابض الأرواح هذا الذي يزورنا يوميًا. هناك وجه آخر لكورونا يكشف حقيقة أن لا داع لتصنيفنا ضمن قوائم عالم أول وثان وثالث.

ببساطة، ليست دولنا الفقيرة وحدها. بل كل العالم متخلف!

للبشرية وعلى مر العصور طعنات بجسد هذا الكوكب الفطري. طعنات بدأت بأول تفاحة قُطفت، وتواصلت مع أول قتيل سقط. وأول حفل شواء لحيوان سُحب من بين صغاره. وكذلك أول حرب عالمية، وأول قنبلة ذرية، وكل حادثة أسقطت ضحية لم يكن جرمها سوى اختلافها مع ذي قوة؛ فردًا كان أم دولة.

الفيروس البشري

لا تتكاثر الفيروسات ولا تولد الطاقة وحدها فهي كائنات شبه حية، تحتاج في نموها لجسد الكائن الحي، تستخدم خلاياه كحاضنة لعملياتها الحيوية. ما يمكنها من التطور وإنتاج سلالات جديدة من الفيروسات.

هكذا نحن البشر تمامًا؛ تطفلنا على جسد الأرض، ودمرنا ولا نزال نخترق هذا “السيستم” العبقري، الذي هيأ الكوكب لفطرته قبل ملايين السنين التي سبقت غزونا بكارته.

البشر التهموا العالم

في مايو من العام 2019 حذر تقرير أممي من أن حوالي مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض في غضون عقود. وقال أحد العلماء المشاركين في إعداد التقرير: “إن شبكة الحياة الأساسية المترابطة على الأرض تتقلص بشكل متزايد”. وإن “هذه الخسارة هي نتيجة مباشرة للنشاط البشري”. وهي تشكل تهديدًا مباشرًا لرفاهية الإنسان في جميع مناطق العالم.

الرفاهية لا البقاء هو ما سعى إليه جنسنا البشري دومًا. بينما تقودنا تصرفاتنا الفوضاوية في هذا الكوكب الفريد بظروف الحياة، إلى فناء محتوم، ربما كورونا هو إحدى صوره.

ليس في ذلك نظرة تشاؤمية بقدر ما هي واقعية الجائحة الحالية، التي سجلت أكثر من 81 مليونًا و960 ألف إصابة. فضلاً عن مليون و788 ألفًا و731 حالة وفاة، رصدتها إحصائية جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، بتاريخ الأمس. وهو عدد قابل للزيادة طبعًا مع ظهور سلالات جديدة لـ”كوفيد”، غير المستسلم بعد لثورة اللقحات التي تتصارع الدول الكبرى على امتيازاتها.

أخلاقيات الحيوانات واتفاقيات البشر

في مقال نُشر في 2019 حول “أخلاقيات القتال في عالم الحيوان”، خلص الروائي المصري محمد المخزنجي إلى حقيقة أن للحيوان منظومة من السلوكيات الأخلاقية تدحض المفهوم البشري المشوه لنظرية الارتقاء لداروين. والتي ترى “الحياة حرب الجميع على الجميع، ومعركة لا هوادة فيها على الجنس والغذاء”.

ويقارن المخزنجي –في مقاله– بين النظام الأخلاقي الفطري الذي تلتزم به مجموعات الحيوانات في سلوكها وقتالها من جانب. والانتهاكات المتكررة للاتفاقيات ومعاهدات حماية العزل والمدنيين من مجموعات البشر في أوقات الحروب والصراعات المسلحة من جانب آخر.

ومثال على ذلك ما شهدته الحرب العالمية الأولى والثانية من ملايين القتلى، الذين سجل منهم في الحرب الثانية فقط  20 مليون جندي، و40 مليون مدني.

اختبار كورونا

لم يخلو تاريخنا فعليًا من حروب الإبادة، وما تخلصنا من نازي واحد في العام 1945، إلا وخرج علينا نازيون جدد بخطابات مختلفة وأوجه أكثر بشاشة لكنها لا تقل فتكًا. قادمة من معسكرات شرقية شيوعية وغربية رأسمالية. خاضت معاركها في فيتنام وأفغانستان وفي البوسنة والهرسك وفي دولنا العربية وفي أفريقيا الغنية المستباحة.

فرض المنتصرون في الحرب العالمية علينا تصنيف دول عالم الثالث في بداية الأمر. ثم فرضته علينا لاحقًا ظروف أننا كنا ساحات معاركهم وحروبهم. فهل أعفانا في اختبار كورونا الحالي أننا من العالم الثالث؟ وهل اجتازوا هم الاختبار لأنهم العالم الأول المتقدم؟

الإجابة الواضحة تمامًا: لا.. لسنا فقط من تخلف في اختبار كورونا، بل فشلوا هم فشلاً ذريعًا لأن الإنفاق على التسليح وضخه إلى مناطق النزاع المختلفة في العالم، في إطار صراع القوى بين منتجي أدوات الإبادة، فاق بكثير استعداد العالم لمثل جائحة كورونا. رغم مشاهد الذاكرة المحفورة في تاريخنا البشرية لأمراض مثل الطاعون والمالاريا والإنفلونزا الإسبانية.

إذن, فالعالم كله مطالب بالانتصار على تخلفه أمام كورونا. تلك الجائحة التي تُعد لنا الأسوأ وفق ما قال مؤخرًا مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايكل راينو. وهو ما يستلزم أن ندرك جميعًا أن لا عدو لهذه البشرية سوى جهلها واحترابها على موارد بالعلم تكفي الجميع. لأنه وفقط بتوحيد الجهود في كل من العوالم الثلاثة؛ الأول والثاني والثالث، تنتصر البشرية ويعود للأرض توازنها.