لم تكن سنوات العقد الثاني من القرن الـ21، كغيرها من سنين التاريخ المصري الممتد. فبينما شهدت انطلاقة العقد (2011) ثورة بحث فيها المصريون عن العيش والحرية والعدالة، لم تجد تلك الشعارات مكانها على أرض الواقع. الذي شهد حرب على الإرهاب وحالة جمود سياسي وحزبي، كبلت يد الجميع عن تحقيق ديمقراطية منشودة.
ثورة 18 يوم
في ديسمبر 2010، أضرم الشاب التونسي “محمد البوعزيزي” النار في جسده، اعتراضًا على ممارسات الشرطة ضده. في النهاية اندلعت المظاهرات في كل أرجاء تونس قبل أن تتحول إلى ثورة أسقطت نظام زين العابدين بن علي لتنطلق الشرارة الثورة إلى مصر.
اقتنص شباب مصر الفرصة. استكملوا ما بدأوه في 2004 من خلال عدد من الحركات السياسية التي أعلنت رفض توريث الحكم لجمال مبارك. بناء على ذلك خرجت دعوات بالتظاهر في عيد الشرطة الموافق 25 يناير ضد ممارسات الشرطة، رافعين شعار “عيش حرية كرامة إنسانية عدالة اجتماعية”.
تعامل الشرطة مع المظاهرات أدى إلى موجة غضبة عارمة. بينما تعالت الأصوات ليرتفع سقف طموح المصريين إلى إسقاط النظام بهتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”. اتسعت رقعة التظاهرات وشملت محافظات الجمهورية. بينما لم تكف إصلاحات مبارك بتغيير الحكومة والوعد بالاستمرار لمدة 6 أشهر.
النظام المصري الذي استمر في الحكم قرابة 30 عامًا، لم يحتاج سوى 18 يومًا من الضغط، ليعلن نائب الرئيس عمر سليمان تخلي مبارك عن الحكم، وتكليف الجيش بقيادة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي بإدارة البلاد. هكذا بدأت مصر فصلًا جديدًا بحثًا عن أمل الدولة الجديدة المنشودة.
“يا مشير أنت الأمير”
منذ فبراير 2011 تولى المجلس العسكري الحكم في البلاد. الأمر لاقى ارتياحًا كبيرًا بين المصريين في البداية، لكن الشهور الـ18 للمجلس في الحكم سجلت فصولًا أخرى.
كانت البداية في 13 فبراير 2011 بإصدار المجلس تكيلفًا باستمرار وزارة أحمد شفيق في عملها. علاوة على ذلك أصدر إعلان دستوري وحل مجلسي الشعب والشورى، وشكلت لجنة لتعديل الدستور. كما نص على إدارة شؤون البلاد بصفة مؤقتة لمدة 6 أشهر، وهو ما لم يحدث في النهاية.
وكانت بداية النزاع بين قوى الثورة، بإجراء استفتاء على التعديلات الدستورية التي أقرها المجلس في مارس 2011 بمشاركة نحو 18.8 مليون مواطن. صوت بنعم أكثر من 14 مليونًا ممن لهم حق التصويت، ليعقبها انتخابات مجلسي الشعب والشورى اللذان سيطر عليهما الإخوان المسلمين من خلال حزب “الحرية والعدالة”.
اقرأ أيضًا.. انشقاق في ليبيا وانفراط حبات العقد بتونس والجزائر.. الإخوان إلى أين؟
وخلال تلك الفترة، شهدت مصر أحداث عصيبة، خرجت عشرات المليونيات للمطالبة بتعديلات سياسية، فضلًا عن مئات التظاهرات الفئوية، تخللتها اشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن.
وشهد الشارع أحداثًا جديدة لم يختبرها المصريون بهذا الشكل منذ فترة طويلة. على سبيل المثال وقعت “أحداث ماسبيرو” التي قتل فيها 28 متظاهرًا، ثم أحداث “محمد محمود 1 و2″، و”مجلس الوزراء”. بينما كانت الحادثة الأبرز مقتل 74 من أولتراس أهلاوي في مباراة كرة قدم ببورسعيد.
في مايو 2012 اختتمت فترة حكم المجلس العسكري بالانتخابات الرئاسية. في النهاية أسفرت الانتخابات عن فوز المرشح الإخواني محمد مرسي. بينما حصد المجلس العسكري تأييد الإخوان في 24 يونيو بهتافات “يـا مشير أنت الأمير”.
سبق نتيجة الانتخابات إصدار المجلس قرار حل مجلس الشعب بعد قرار المحكمة الدستورية ببطلانه، وإصدار الإعلان الدستوري المكمل الذي اشتمل بنودًا قلصت سلطات وصلاحيات الرئيس.
“يسقط حكم المرشد”
تصدر الإخوان المشهد، لم يلق ارتياحًا بين الثوار، ليصدر مرسي قرارًا بعودة مجلس الشعب من جديد أعقبه حكمًا من المحكمة الدستورية بحله ليؤكد للجميع سعيه منذ البداية إلى تثبيت أركان دولة الإخوان. في النهاية هتف الشارع “يسقط حكم المرشد”.
أصدر مرسي بعدها قرارًا بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإحالة عدد من كبار ضباط القوات المسلحة إلى التقاعد في مقدمتهم طنطاوي، ورئيس الأركان سامي عنان. ليظهر اسم الفريق عبدالفتاح السيسي وزيرًا جديدًا للدفاع، بعد إصدار إعلان دستوري جديد، يعزز من قوة مرسي في مواجهة القضاء.
مرسي برر الإعلان الدستوري بأنه من أجل “الدفاع عن الثورة”، لكن المعارضة نددت بالقرارات واعتبرت الرئيس الإخواني ينصب نفسه “حاكمًا بأمر الله”.
انطلقت المظاهرات ضد إقالة النائب العام وقتها المستشار عبدالمجيد محمود، وتعيين طلعت عبدالله بدلًا منه. ألغي الإعلان الدستوري، وجرى الاستفتاء على “دستور الإخوان” الذي شكل لجنته مجلس الشعب المنحل في ديسمبر 2012، وأعلنت اللجنة المشرفة على الاستفتاء الموافقة الدستور بنسبة 63.8% ومعارضة 36.2%.
القوى المدنية ووقوى الثورة قاومت محاولات السيطرة على الدولة المصرية باستماتة. هكذا تشكلت جبهة الإنقاذ الوطني، ولم تنقطع مليونيات الرفض أو مظاهرات الإدانة، والتي قوبلت بسجن وقتل وإصابة المئات أمام قصر الاتحادية ومكتب الإرشاد وفي قلب ميدان التحرير.
الكفاح ضد الإخوان توّج أخيرًا بإعلان حملة تمرد التي طالبت بسحب الثقة من مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. كما جمعت توقيعات على وثيقة تمرد بلغت أكثر من 22 مليون توقيع. في النهاية أسفر كل هذا عن ثورة 30 يونيو بمباركة القوى الوطنية ودعم القوات المسلحة.
“عهد منصور”
بعد نجاح ثورة 30 يونيو لم يغب الأمل عن بناء مصر بالشكل الذي ينشده الجميع. تولى رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور حكم البلاد لعام. علاوة على إجراء انتخابات رئاسية واختيار رئيس جديد يجرى تنصيبه في 30 يونيو عام 2014.
خارطة الطريق التي أقرتها القوى السياسية والقوات المسلحة والأزهر والكنيسة، وسط تحركات إقليمية وعالمية كانت تأكيدًا على أن ما جرى في مصر ثورة شعبية باستحقاق.
أصدر منصور قرارًا بحل مجلس الشورى، تلاه تشكيل لجنة الخمسين لصياغة دستور جديد. علاوة على إصدار قانون “تنظيم حق التظاهر” الذي أثار جدلًا وقتها ومعارضة من حقوقيين وسياسيين ونشطاء. القانون تسبب في سجن العشرات منهم لاحقًا، قبل إجراء تعديل على خارطة الطريق بإجراء الانتخابات الرئاسة أولًا ثم البرلمان.
فترة حكم الرئيس السابق، لم تكن هادئة هي الأخرى، خاصة مع اعتصام أعضاء جماعة الإخوان في ميداني رابعة العدوية والنهضة، قبل أن يسدل الستار بفض الاعتصامين في أغسطس عام 2013.
أعقب فض الاعتصامين عمليات إرهابية في ربوع مصر كلها خاصة في شمال سيناء، وسط محاولات من قوات الجيش والشرطة لمواجتهها، ما تسبب في استشهاد وإصابة العشرات من القوات المصرية والمدنيين.
خلال تلك الفترة ألقي القبض على العديد من قيادات الجماعة الإرهابية ومموليها في محاولة لردعهم. أجريت الانتخابات الرئاسية عام 2014 وأعلن فوز المشير السيسي بالرئاسة.
“حكم السيسي”
وصول السيسي إلى كرسي الرئاسة، بدأ بحفل تنصيب كبير شهده عدد كبير من ملوك وقادة الدول العربية والإفريقية والعالمية الداعمة لمصر. كان واضحًا أن القاهرة بدأت البحث عن إعادة قوتها الدبلوماسية التي غابت عنها خصوصًا مع تعليق عضويتها في الاتحاد الإفريقي والاتهامات الغربية.
من ناحية أخرى كان إعادة تسليح الجيش المصري الهم الرئيسي للرئيس الجديد، كان ذلك لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد.
وشهدت السنوات الأربع الأولى للسيسي في الحكم، تحركات اقتصادية بدأت بحفر قناة السويس الجديدة بعد جمع 64 مليار جنيه من المصريين، ثم إصلاحات البنية التحتية من خلال المدن الجديدة أبرزهما العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين. علاوة على بناء طرق وكباري جديدة وإصلاح الموجود.
اقرأ أيضًا.. البرلمان في 5 سنوات.. غابت الرقابة وانتصر التشريع
انتخب مجلس الشعب مجددًا في عام 2015 تحت مسمى “النواب”، وأقرت خطة للإصلاح الاقتصادي تضمنت تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية. علاوة على رفع الدعم تدريجيًا عن المواطنين، وسط غليان في الشارع من تدني المستوى الاقتصادي. الحكومة تداركت هذا الموقف “جزئيًا”. على سبيل المثال ارتفعت رواتب العاملين بالقطاع الحكومي، وبدأت الحكومة تنفيذ مشروعي “تكافل وكرامة” لدعم الأسر الفقيرة.
من ناحية أخرى عملت الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية، وعودة السياحة المصرية إلى ما كانت عليه قبل 2010، رغم المعوقات الكبيرة. بينما ضربت في النهاية أزمة فيروس كورونا النمو الاقتصادي في مقتل.
ووفقًا لبيانات مجلس الوزراء تم الانتهاء من 14762 مشروعًا منذ تولي السيسي وحتى 30 يونيو الماضي، بتكلفة تقديرية بلغت نحو 2207.3 مليار جنيه، كما يتم تنفيذ نحو 4164 مشروعًا بتكلفة 2569.8 مليار جنيه.
الدولة الديمقراطية
في النهاية اتهمت الدولة بغض الطرف عن ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الست الماضية، بدعوى مكافحة الإرهاب وحفظ الاستقرار. على سبيل المثال أقصي العديد من شباب ثورة يناير من المشهد سواء بإبعادهم أو القبض على عددٍ منهم على ذمة قضايا.
واحتلت مصر مرتبة متأخرة في ملف حرية الصحافة، إذ جاءت في المركز 163 من 180 دولة في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود. كما واجهت انتقادات كبيرة في ملف حقوق الإنسان، كان آخرها تبني البرلمان الأوروبي قرارًا يطالب بتوقيع عقوبات ضد مسؤولين مصريين.
اقرأ أيضًا.. “حجب السلم”.. كيف يستعيد الصحفيون أيقونة احتجاجاتهم؟
من ناحية أخرى عانت منظمات المجتمع المدني في مصر خلال السنوات العشر الماضية من التعامل الحكومي. وشهدت القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميًا بـ”التمويل الأجنبي” ضد منظمات حقوقية على ذلك. كما صدرت أحكامًا بالتحفظ على أموال منظمات ومديريها ومنعهم من السفر.
قضية “التمويل الأجنبي” شهدت مؤخرًا انفراجة جزئية بإصدار حكم باستبعاد 20 منظمة من القضية لانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة.
من ناحية أخرى أشارت الدولة إلى أنه مستعدة للتعاون مع منظمات المجتمع المدني للعمل وفق قانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذي طلب الرئيس في وقت لاحق تعديله.
وتزامنت التحركات الأخيرة، مع إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إصدر الرئيس السيسي توجيهات بالتحول إلى دولة مدنية ديمقراطية، والأخذ بزمام المُبادرة في مواجهة الفساد.
مدبولي أكد أن الحكومة المصرية “عازمة على حماية حقوق الإنسان، وتحقيق أعلى درجات منع ومكافحة الفساد”. كما أشار على هامش مشاركته في اليوم العالمي لمكافحة الفساد، إلى أن مصر تدعم حقوق الإنسان، وتسير على خُطَى تَحقيقها بِعزم ويقين.