لم يكن 2020 عامًا عاديًا على الاقتصاد المصري، كانت البداية بتفشي فيروس كورونا، أصيبت قطاعات كاملة بالشلل في مقدمتها السياحة. مما دفع الحكومة لتبني مبادرات لدعم الاقتصاد والمواطن انعكست على مؤشرات الدين العام في النهاية.
المؤشرات تؤكد نجاح الاقتصاد المصري في المحافظة على معدل نمو موجب من بين عدد قليل من الدول عالميًا. على سبيل المثال بلغ النمو 3.6% عام 2019/2020 مقابل 5.6% في 2018/2019، و4.2% عام 2016/2017. بينما تتوقع الحكومة نمو الاقتصاد ما بين 2.8 و4% في 2021.
اقرأ أيضًا.. “كورونا” وتأثر مصادر النقد الأجنبي.. ركود طويل ينتظر الاقتصاد
اقتصاد مصر يتصدر الأسواق الناشئة
ووفقًا لصندوق النقد تتصدر مصر الأسواق الناشئة في معدل النمو الاقتصادي. كما أنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تحقق نموًا اقتصاديًا عام 2020. بينما صنفتها وكالة “بلومبرج” ضمن قائمة أسرع عشر اقتصاديات تحقيقًا للنمو في 2020.
لكن ذلك لا يمنع تأثر الاقتصاد المصري بأزمة تفشي فيروس كورونا على مستوى ميزان المدفوعات الذي يقيس المعاملات بين الاقتصاد المحلي والعالم. على سبيل المثال سجل الميزان عجزًا بـ9 مليارات دولار في النصف الثاني من 2019 /2020. بينما سجل فائضًا 1.7 مليار في الفترة ذاتها من العام السابق بسبب الأزمة.
الدين الحكومي في 2020
العجز جاء بسبب تراجع فائض الميزان الخدمي للنصف ليبلغ 2.7 مليار دولار مقابل 5.8 مليار دولار. من ناحية أخرى هوطت متحصلات السفر بجانب تحول الاستثمارات في الأوراق المالية لتسجل صافي تدفق للخارج بقيمة 7.6 مليار دولار، مقابل تدفق للداخل بـ10.1 مليار دولار في الفترة ذاتها.
من ناحية أخرى ارتفع إجمالي الدين الحكومي (المحلي والخارجي) إلى 4.834 تريليون جنيه، مع ارتفاع سندات الخزانة لـ356.2 مليار جنيه مقارنة بارتفاع أقل لأذون الخزانة بـ77.23 مليار جنيه، تطبيقًا لسياسة الحكومة في إطالة عمر الدين.
ورغم إشادة أنطوانيت ساييه، نائب المدير العام لصندوق النقد، بأداء الاقتصاد المصري، وتعامل الحكومة بشكل جيد مع أزمة كورونا وتداعياتها، لكنها قالت إنه لا تزال بعض المخاطر تحيط بآفاق الاقتصاد في النهاية.
اقرأ أيضًا.. الاقتصاد المصري vs كورونا.. صمود في وجه الجائحة وهبوط في معدلات النمو
المخاطر مازالت مستمرة
وأرجعت نائب مدير الصندوق ذلك لظهور الموجة الثانية من الجائحة وما ترتب عليها من مشاعر عدم اليقين إزاء التعافي الاقتصادي محليًا وعالميًا.
وتوسعت الحكومة في الاقتراض الداخلي لسد عجز الموازنة، فبلغ إجمالي السندات وأذون الخزانة 640 مليار جنيه في 3 أشهر. في النهاية يدل ذلك على سياسة الحكومة في التقليل من طروحات الدين القصيرة، مقابل السندات طويلة الأجل بدء من 3 سنوات.
وأضافت ساييه أن ارتفاع الدين العام وإجمالي احتياجات التمويل تسببا في تعرض مصر لمخاطر تقلبات الأوضاع المالية العالمية. بينما يعزز تنفيذ السياسات القوية من صلابة الاقتصاد ويساعد في الحفاظ على ثقة المستثمرين.
وسجل الميزان التجاري عجزًا بنحو 36.5 مليار جنيه رغم انخفاض فاتورة استيراد البترول بنحو 2.6 مليار دولار، وتراجع أسعار الغاز عالميًا وتوقف استيراده الغاز. كما تراجعت الواردات السلعية غير البترولية بمليار دولار، خلال الفترة ذاتها.
ضخ الاستثمارات
ارتفاع النمو جاء بعد سياسة توسعية في ضخ استثمارات عامة على عكس غالبية دول العالم. على سبيل المثال لم تتوقف مشروعات البناء في المدن الجديدة، لتبلغ الاستثمارات العامة المنفذة 473.8 مليار جنيه عام 2019/2020، بعد أن وصلت إلى 513.7 مليار جنيه عام 2018/2019 قبل أزمة كورونا، مقارنة بـ300.8 مليار جنيه عام 2016/2017.
من ناحية أخرى أطلقت الحكومة عدة مبادرات لدعم النمو من بينها دعم القطاع الخاص الصناعي بمبلغ 100 مليار جنيه، والتمويل العقاري لمتوسطي الدخل بمبلغ 50 مليار جنيه. كما استمرت مبادرة تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. بينما ارتفعت نسبة التمويل العقاري من 5% إلى 10% كحد أقصى من إجمالي محفظة القروض للبنك.
كما قدمت الحكومة دعمًا للسياحة من خلال مبادرة العملاء غير المنتظمين من الأشخاص الاعتبارية العاملة بقطاع السياحة التي تبلغ حجم مديونياتها 10 ملايين جنيه. كذلك رفعت الحكومة المبلغ المخصص لإحلال وتجديد فنادق الإقامة والنقل ليصبح 50 مليار جنيه بدلاً من 5 مليارات. كما مدت الحكومة فترة مبادرتيّ دعم القطاع وقروض التجزئة للعاملين لمدة عام.
اقرأ أيضًا.. تأثر الاقتصاد بسبب “كورونا”.. النجاة في الشمول المالي
من ناحية أخرى، خفضت مصر سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية. كما خفضت أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط بقيمة 10 قروش. وقررت زيادة علاوة الرواتب بنسبة 14% اعتبارًا من العام المالي المقبل، في إطار مواجهة أزمة كورونا.
بالإضافة إلى قرار الحكومة بتأجيل سداد الضريبة العقارية للمصانع والمنشآت السياحية لـ3 أشهر، مع السماح بسداد الضريبة المستحقة على الفترات السابقة بالقسط لـ6 أشهر.
الاحتياطي النقدي
من ناحية أخرى، بدأ صافي الاحتياطي الأجنبي في التعافي من آثار الأزمة منذ يونيو 2020، حيث وصل في نوفمبر الماضي إلى 39.2 مليار دولار، بعد أن كان 45.4 مليار دولار قبل الأزمة. كما صمدت إيرادات قناة السويس رغم تراجع حركة التجارة العالمية. إذ بلغت 5.7 مليار دولار عام 2019/2020، مقارنة بـ 5.8 مليار دولار عام 2018/2019، و5 مليارات دولار عام 2016/2017.
يرجع تعافي الاحتياطي في الأساس إلى تحويلات العاملين بالخارج التي سجلت خلال 2019/2020، نحو 27.8 مليار دولار، مقارنة بـ 25.2 مليار دولار عام 2018/2019، و21.8مليار دولار عام 2016/2017، بينما وصلت الإيرادات السياحية لـ 9.9 مليار دولار عام 2019/2020، بعدما بلغت 12.6 مليار دولار في 2018/2019، مقارنة بـ4.4 مليار دولار عام 2016/2017.
وتلقت مصر في النصف الثاني من 2020 الشريحة الأخيرة التي تبلغ قيمتها ملياري دولار من قرض صندوق النقد. كما وافق الصندوق على برنامج لمدة عام لمصر بقيمة 5.2 مليار دولار لمواجهة تداعيات كورونا. بينما وصل مجموع ما حصلت عليه من قيمة القرض 3.6 مليار دولار حتى الآن، ما انعكس أيضًا على الاحتياطي النقدي.
اقرأ أيضًا.. الاحتيال الإلكتروني.. كيف نقع فرائسًا سهلة بفخ لصوص “الهندسة الاجتماعية”؟
وشهد العام تثبيت التصنيف الائتماني لمصر من قبل وكالات التصنيف بداية من ستاندرد آند بورز عند “B” مع نظرة مستقبلية مستقرة، و موديز عند “B2” مع نظرة مستقبلية مستقرة، وفيتش عند “B+” مع نظرة مستقبلية مستقرة أيضًا. بينما أشاد البنك الدولي بالإصلاحات الاقتصادية والإجراءات الطارئة التي اتخذتها مصر، ومكنتها من احتواء الآثار السلبية.
عام الميكنة
تراهن الحكومة كثيرًا على مشروع الفاتورة الإلكترونية الذي تم تدشينه في عام 2020 لتوفير حصيلة ضريبية كبيرة. فاعتبارًا من أول يوليو 2021 ستجد الشركات نفسها لا تستطيع التعامل مع الحكومة إلا إذا كانت منضمة للمنظومة.
وألزم قرار مجلس الوزراء جميع وحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، بالانضمام إلى “الفاتورة الإلكترونية” التي تم إنشاؤها بمصلحة الضرائب. كما ألزمها بعدم التعاقد مع أي من الموردين أو المقاولين أو مقدمي الخدمات إلا بعد تسجيلهم في المنظومة في موعد أقصاه أول يوليو 2021.
وبحسب جهاز تنمية التجارة الداخلية، بلغ عدد الشركات المدمجة في القطاع الرسمي خلال العامين الماضيين، 437.8 ألف شركة، من أصل 4 ملايين منشأة تعمل في الظل. بينما يؤكد اتحاد الصناعات المصرية أن حجم الاقتصاد الموازي تريليوني جنيه، بقيمة ضرائب تضيع على الدولة سنويًا تتراوح بين 330 و550 مليار جنيه.
ووفق وزارة المالية قفزت المتحصلات الحكومية الإلكترونية من مليار إلى 4 مليارات جنيه شهريًا بسبب أزمة كورونا في 2020. إذ حققت نموًا سنويًا بـ250%، ما يعكس قوة أداء منظومة الدفع والتحصيل الإلكتروني.
كما ضعت وزارة التجارة خطة طموحة لمضاعفة الصادرات السلعية إلى 100 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة. كما تطمح لفتح أسواق تصديرية جديدة أمام المنتج المصري والنفاذ للأسواق التي ترتبط مع مصر باتفاقات تفضيلية تتيح الوصول إلى حوالي 2 مليار نسمة.
ووفق بيان للوزارة، بلغ إجمالي قيمة الصادرات المصرية للأسواق الخارجية في أول 11 شهر من 2020 حوالي 22 مليار و800 مليون دولار. بينما كانت 23 مليار و364 مليون خلال نفس الفترة من عام 2019. لكن الوزارة تستهدف أن تتخطى حاجز الـ25 مليار دولار مع ختام 2020.
وبنظرة سريعة على الصادرات المصرية يتبين أن مواد البناء تصدرت القائمة بـ5 مليارات و590 مليون دولار، والغذاء بـ3 مليارات و155 مليون دولار.
استثمار الأفراد
أما سياسة الدولة تجاه الأفراد في 2020 فاستمت بشقين، الأول قرارات تصب في صالح المواطن مباشرة والآخر حدت من دخله بشكل غير مباشر. على سبيل المثال خفض البنك المركزي الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لدعم النشاط الاقتصادي، في تضرر للقطاع العائلي الذي يعتمد على الفائدة في الإنفاق على مستلزماته.
وارتبطت القرارات بانخفاض المتوسط السنوي لمعدل التضخم إلى 5.7% عام 2019/2020، مقارنة بـ13.9% في 2018/2019، و23.5% عام 2016/2017، وصولًا إلى تسجيله 5.7% في نوفمبر 2020. كما انخفض معدل البطالة إلى 7.3% خلال الربع الثالث عام 2020 وهو معدل غير مسبوق منذ 2010.